قائمة المخاطبين بصواريخ دونالد ترامب


الغد

لا يختلف الخبراء العسكريون كثيراً في تقييمهم لوزن الضربة الصاروخية الأميركية الخفيفة لقاعدة الشعيرات الجوية، ولا تتفاوت وجهات نظر المراقبين السياسيين إزاء هذه العملية الرمزية الانتقائية المحدودة في الزمان والمكان، إذ هناك ما يشبه الإجماع على أنها ضربة يتيمة، لا تحدث فرقاً في سياقات الحرب، ولا في وسعها تغيير الواقع الميداني، او تقويض النظام، كونها بنت لحظة اضطرارية طارئة، أتت خارج نطاق خطة استراتيجية بعيدة المدى.

ومع ذلك فقد كان رجع صدى هذه الضربة الأميركية، وهي الأولى من نوعها ضد النظام السوري، أشد من دويّها بأضعاف مضاعفة، فيما كان ضجيجها السياسي أبلغ من فعلها العسكري بما لا يقاس، نظراً لما انطوت عليه من رسائل عديدة، وما خاطبته من عواصم وقوى وجهات، بعضها منخرط في الصراع الدائر بصورة مباشرة، وبعضها الآخر بعيد عن ساحة القتال، بما في ذلك الداخل الأميركي المفعم بالفوضى التنظيمية والارتباك السياسي.

فعلى من أطلق دونالد ترامب صواريخه البالستية من أعالي المياه الدولية في البحر الابيض المتوسط؟
على الأرجح ان نظام بشار الاسد ليس على رأس قائمة المستهدفين بهذه الرشقة الصاروخية التأديبية، المرفقة بتوضيحات مفادها ان الضربة لا تتعلق بإسقاط النظام، المعني ببقائه في الحكم بكل ثمن، وأنها لن تتكرر في المدى المنظور، إن لم يستخدم الاسد سلاحه الكيماوي مرة أخرى.

إذن، فمن يكون اول المتصدرين لقائمة المخاطبين بهذه الضربة، ان لم يكن فلاديمير بوتين، رب البيت الحقيقي في الديار السورية؟ ومن يكون الثاني ان لم يكن علي خامنئي صاحب اليد الطويلة في الشأن السوري؟ ولا تسل عن حفيد كيم ايل سونغ في كوريا الشمالية المتحفز كي يبني على الشيء مقتضاه، ولا حتى عن باراك اوباما، ناهيك عن حلفاء أميركا الاقليميين والدوليين، الملتاعين من سياسات سلف ترامب الانهزامية، من طيب رجب أردوغان، إلى عبد الفتاح السيسي، إلى فرانسوا أولاند، إلى قادة دول الخليج، وغيرهم من العرب المخذولين من تداعيات السياسة الباهتة للإدارة السابقة؟

وعليه، فإن هذه الضربة التي تردد دويها في اماكن بعيدة، كانت في المقام الأول ضد التفرد الروسي بمقاليد اللعبة الجارية في سورية، وضد خطف موسكو لمجلس الأمن الدولي باستخدام حق النقض بصورة اوتوماتيكية، ضد ما بدا انه ملامح تعددية قطبية، ضد مسرحية مفاوضات “استانة” العبثية ومحادثات جنيف العقيمة، ضد إعادة تأهيل بشار الاسد، ومنع إفلاته من العقاب، ضد إمساك ايران وروسيا بزمام المبادرة الحربية والسياسية في الاراضي السورية.

وأكثر من ذلك، فقد كانت هذه الضربة ضد الاتهامات الرائجة عن وجود علاقة مشبوهة بين ترامب وبوتين، ضد التردد والتسويف وإماتة الضمير حيال العذابات السورية، ضد ضعف وتراجع المكانة الاميركية في المنطقة، ضد رخاوة الزعامة الاحادية للنظام الدولي المعقودة رايته للولايات المتحدة، ضد انفصال القول عن الفعل وفق ما كان عليه الخط الاحمر لباراك اوباما، وقبل ذلك وبعده ضد الصورة الاميركية المتآكلة في اربع جهات الكرة الارضية.

غير ان ذلك كله في كفة، وتحدي الاسلحة الاستراتيجية الروسية في الكفة الأخرى. ولعل اشعار موسكو قبل دقائق من توجيه الضربة، دون انتظار موافقتها من عدمه، كان أشد من تحدته هذه الصواريخ المجنحة، واكثرها اهانة لفخر الصناعة “الجوية الفضائية” الروسية، من صواريخ 300S و 400S، هذه الصواريخ التي لم يسبق لها ان وضعت قيد الاختبار الحقيقي، فبدت وهي تأخذ وضع “لم سمعت لم رأيت” وكأنها اداة من ادوات الحرب النفسية ليس الا، وليس للردع والدفاع عن هيبة الدولة الوارثة للأمجاد السوفياتية.

قبل ان تقع هذه الضربة الصاروخية، ومن غير اعجاب بمطلقيها على الاطلاق، قلنا من قبل؛ ان مجزرة الكيماوي في خان شيخون قد تكون نقطة تحول فارقة في مسار التطورات السورية المتفاقمة، وها هي صواريخ دونالد ترامب تأتي دليلاً على صواب هذه الرؤية الاستشرافية. فقد اوقفت الضربة كل كلام عن اعتبار الاسد كجزء من الحل، ومنحت قوى الثورة هامشاً اوسع للمناورة، ووضعت حداً للعنتريات الايرانية الزاعمة ان اول صاروخ اميركي، سيقابل بمئة الف صاروخ تقع على رأس الدولة العبرية.

(*) كاتب أردني




المصدر