قصف “الشعيرات” ..مرحلة جديدة أم ضربة عابرة

11 أبريل، 2017

حَفِلت الأيام الماضية بتطورات كبيرة في الساحة السورية، دفعت بعض المتابعين إلى التفاؤل بأنها قد تكون بداية لحدوث منعطف حاسم في القضية السورية بعد ست سنوات من الاستعصاء والمراوحة في المكان، حيث تعطلت كل إمكانات الانفراج، باستثناء آلة التدمير والقتل التي تستمر دون توقف حتى الآن.

وكان نظام الأسد استخدم السلاح الكيميائي في مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب ما أدى إلى مقتل نحو 100 شخص وإصابة مئات آخرين أغلبهم من الأطفال، هذا الأمر شكّل محطة تحول في السياسة الأميركية تجاه المسألة السورية والتي تميزت خلال السنوات الماضية بالسلبية والمراوغة ما أطال عمر النظام، وشجّعه على التمادي في صَلَفه ووسائل إجرامه، مستفيداً من الدعم الروسي الجوي والسياسي، والدعم الإيراني المالي والميلشيوي.

وجاءت الضربة الصاروخية الأمريكية  لمطار الشعيرات في ريف حمص الجنوبي الشرقي بما يشبه مفاجأة للنظام وحلفائه، ليس لما أحدثته من تدمير في المطار، بل بما حملته من رسائل سياسية مفادها أن عصر تجاوز “الخطوط” الحمر دون عقاب قد ولّى، وهي الرسالة التي حرصَ الرئيس دونالد ترمب على تثبيتها ممايزاً نفسه عن سلفه باراك أوباما الذي أرخى الحبل كثيراً لنظام الأسد وحلفائه، وسمح لهم بالتحكم بقواعد اللعبة في سوريا بعيداً عن الولايات المتحدة التي أضحت في عهد أوباما لاعباً ثانوياً في المسألة السورية.

ورغم أن إدارة ترمب لم تفصح عن خطواتها التالية في الشأن السوري، إلا أن الترجيحات تميل إلى أنها ستكتفي بضربة خان شيخون، وأنه ليس لديها حتى الآن استراتيجية للعمل على إسقاط نظام الأسد.

وقد أفصح  وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون عن بعض ملامح استراتيجية إدارته في المرحلة المقبلة حين قال “الأولوية الأولى للولايات المتحدة في سوريا هي هزيمة تنظيم الدولة، وبعد الحدّ من تهديد التنظيم أو القضاء عليه، أعتقد أنه يمكننا وقتها تحويل اهتمامنا بشكل مباشر نحو تحقيق الاستقرار في سوريا”.

وأعرب الوزير الاميركي عن أمله بأن تتمكن بلاده بعد ذلك من منع استمرار ما أسماه “الحرب الأهلية في سوريا”، وجعل الأطراف يجلسون إلى الطاولة لبدء عملية المناقشات السياسية مشيراً إلى أن مناقشات كهذه ستتطلب مشاركة رئيس النظام بشار الأسد وحلفائه.

غير أن نيكي هيلي السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كانت أكثر حزماً في تحديد هذه الاستراتيجية حين قالت إن “تغيير النظام في سوريا هو إحدى أولويات إدارة الرئيس دونالد ترامب”، مضيفة في مقابلة تلفزيونية: “إن أولويات واشنطن هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، والتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا، وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد”.

ولعل السقف المنخفض حتى الآن للتحرك الأميركي هو ما شجع نظام الأسد، وحليفه الروسي على مواصلة تحديهم، حيث عمد النظام إلى محاولة ترميم ما دمرته الضربة الأمريكية في المطار بسرعة، وأوفد رئيس أركانه لتفقد منشآت المطار المدمرة، فيما سارع إلى معاودة استخدام المطار بعد يومين فقط من تعرضه للضربة، وأعلن في بياناته وتصريحاته المتلاحقة عزمه على مواصلة نهجه الحالي معتبراً أن الرد على الضربة الأمريكية يكون بتصعيد الحرب على ما دعاه الإرهاب، ويقصد مواصلة قصف المدن السورية وقتل المدنيين وهو ما حصل بالضبط في الأيام التالية للضربة الأمريكية التي شهدت تصعيداً لافتاً من جانب النظام والطيران الروسي في استهداف مجمل المناطق في البلاد.

 

النابالم الحارق

وفي سياق تحدي الإدارة الأمريكية الذي اشتمل على معاودة استعمال مطار الشعيرات في قصف المدن السورية بالنابالم الحارق، استهدفت طائرات النظام عدة مواقع في أرياف حماة، وإدلب، ودرعا بقنابل تحتوي الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، وبالقنابل العنقودية والنابالم الحارق، في وقت ارتكب فيه الطيران الروسي مجزرة في قرية أورم الجوز في ريف إدلب، حيث قُتل وأصيب العشرات بينهم أطفال بقصف جوي طال أيضاً مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي التي شهدت جريمة غاز السارين.

واعتبر الائتلاف الوطني السوري أن جريمة أورم الجوز “لا تقل شناعة عن جرائم نظام الأسد، والميليشيات الإيرانية”، مشيراً إلى أن الروس والإيرانيين والنظام “يفرغون جام غضبهم على المدنيين رداً على الخطوة الأمريكية”، والتي وصفها بالاستثنائية، مطالباً الإدارة الأمريكية بألا تسمح لخطوتها التي كانت نقطة تحول مهمة أن تصبح مدخلاً لتصعيد كبير وعبث بمصير ودماء السوريين.

وفي السياق ذاته أكدت الشبكة السورية لحقوق الانسان أن نظام الأسد تحدى المجتمع الدولي مجدداً واستخدم أسلحة كيميائية في هجوم شنَّه على حي القابون في العاصمة دمشق يوم الجمعة، أي في يوم الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات. وقالت الشبكة إن النظام استخدم قنبلتين يدويتين مُحمَّلتين بغاز سام على الجبهة الشرقية من حي القابون، ما أدى إلى إصابة مقاتِلَين اثنين من فصائل المعارضة بأعراض اختناق وضيق تنفسٍ وسعال شديد.

 

تململ دولي

ويأتي التصعيد العسكري من قبل النظام والروس في سوريا عشية اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع في مدينة توسكانا الإيطالية تحضيراً لاجتماع قمة لممثلين عن هذه الدول سينعقد في 26 و27 أيار في مدينة تاورمينا الإيطالية، حيث من المتوقع أن تنتهج أسلوباً جديداً في التعاطي مع روسيا في العديد من الملفات الساخنة، وأبرزها الملف السوري .

وبدا أن العديد من دول العالم كانت تنتظر التحرك الأمريكي لتبدي استياءها من الرفض الروسي لضغط جاد على نظام الأسد من أجل الوصول إلى حل ينهي المأساة السورية، ويساعد في القضاء على الإرهاب في البلاد.

وعقب يوم واحد على إلغاء وزير الخارجية البريطاني لزيارة كانت مقررة إلى موسكو، دعا وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو روسيا للكف عن التمسك ببقاء بشار الأسد في السلطة، كما صعّدت بريطانيا من لهجة انتقادها لموسكو، حيث قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن “روسيا مسؤولة مسؤولية غير مباشرة عن سقوط كل قتيل مدني في خان شيخون”، ودعاها إلى تفكيك ترسانة الأسد الكيمياوية إلى الأبد.

 

 الجبهة الجنوبية

وبينما تشهد الجبهة الجنوبية في البلاد تقدماً ملموساً لفصائل المعارضة ضد قوات النظام في حي المنشية بدرعا البلد في إطار معركة” الموت ولا المذلة”، حيث تقترب من السيطرة الكاملة عل الحي وإنهاء وجود قوات النظام في درعا البلد، تحدثت مصادر صحفية عن وجود خطط لعمليات أردنية – أمريكية – بريطانية مشتركة، لمواجهة التنظيمات المتطرفة والتمدد الإيراني في الجنوب السوري.

وحسب هذه المصادر فإن الخطط تقضي بتنفيذ عمليات عسكرية أردنية داخل الأراضي السورية، أو في منطقة الحدود، دون أن يكون هناك وجود عسكري أردني داخل سوريا.

وكان ملك الأردن عبد الله الثاني قال لصحيفة “واشنطن بوست” إنه بعد طرد تنظيم “داعش” من الرقة قد يتوجه عناصره إلى الجنوب، مؤكداً استعداد الأردن لمواجهة هذا التحدي بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

غير أن بعض المصادر تحدثت إلى “صدى الشام”، وبينما لم تستبعد حصول تدخل عسكري أردني بدعم الولايات المتحدة في المنطقة الجنوبية خلال الفترة المقبلة، فإنها رأت أن مثل هذا التدخل لن يكون هدفه تنظيم “داعش” بالدرجة الأولى لأن التنظيم ومبايعيه في الجنوب أضعف وأقل أهمية من أن يحتاجوا إلى تدخل خارجي للقضاء عليهم.

ورأت تلك المصادر أن الحديث عن تدخل عسكري إقليمي تدعمه الولايات المتحدة لن يستهدف داعش بالدرجة الأولى وإن اتخذ من ذلك غطاءً له، وأنّ الهدف منه هو إقامة مناطق آمنة أو مناطق انتقالية تستوعب المدنيين والنازحين إلى حين التوصل إلى حل نهائي للوضع في سوريا بدل اجتيازهم الحدود إلى الأردن، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية التي قد يجنيها الأردن من وجود هذه المنطقة عبر المعبر الذي قد يُنشَأُ للتبادل التجاري بين الأردن وهذه المناطق.

وبرأي تلك المصادر فإن التدخل المحتمل له علاقة بشكل رئيسٍ بالحفاظ على مصالح إسرائيل، في ضوء تمدد إيران عبر حرسها الثوري وحزب الله والميليشيات الأخرى في المنطقة الجنوبية، وهو ما دعا روسيا إلى تخفيف غاراتها نسبياً على المنطقة الجنوبية حتى لا تنفجر المنطقة وتتأذى إسرائيل وذلك بهدف إيجاد منطقة مستقرة لمصلحة إسرائيل والأردن.

وكان ملك الأردن عبد الله الثاني صرّح قبل أيام أن وجود الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كلم من حدود الأردن لا يُعدّ خبراً سارّاً، مُلمحاً إلى أن ذلك يعتبر تهديداً للأردن وإسرائيل على السواء.

 

عملية تركية جديدة

ومن جهتها، تستعد تركيا التي رحبت بالضربة العسكرية الأمريكية على قاعدة الشعيرات العسكرية لإطلاق عملية عسكرية في سوريا أو على الحدود السورية – العراقية تستهدف المسلحين الأكراد في تلك المنطقة.

وبحسب مصاد تركية، فإن تلك العملية التي ستحمل اسم “سيف الفرات” أو “درة دجلة” وستستهدف مسلحي حزب العمال الكردستاني في محيط سنجار في العراق حيث يعزز المسلحون الأكراد وجودهم في تلك المنطقة، وتسعى العملية التركية لقطع الصلة بين عناصر التنظيم في سوريا والعراق.

ولاحظ مراقبون تزامن إعلان تركيا عن توقيف الطيار السوري المحتجز لديها مع الضربة الأميركية على مطار الشعيرات.

وكانت السلطات التركية أعلنت اعتقال الطيار السوري العقيد محمد صوفان، الذي أُسقطت طائرته في 4 آذار الماضي، بعد انتهاء علاجه في مستشفى بمدينة أنطاكية الحدودية.

ونقلت صحيفة “ديلي صباح” التركية عن مصادر أمنية، تأكيدها أن علاج صوفان اكتمل، وغادر مستشفى هاتاي الحكومي، حيث تم نقله إلى القصر العدلي بالولاية مشيرة إلى انه أدلى بإفادته أمام النائب العام التركي خلال محاكمته بتهمة خرق حدود الجمهورية التركية والتجسس.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]