مفارقة “مُلكيّة الشعب السوريّ”

11 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
7 minutes

شوكت غرز الدين

تصاعد أخيرًا خطاب يؤكد أنَّ ما قصفته القوات الأميركيّة هو “ملكيّة للشعب السوريّ”. وهو خطاب يحمل في أثنائه مفارقة عجيبة، هي أنَّ ملكيّة الشعب السوريّ تُدمِّر الشعب السوريّ. وارتبط هذا التصاعد بالضربة الأميركيّة لقاعدة “الشعيرات” الجويّة، في السابع من نيسان/أبريل الجاري. وهي القاعدة الجويّة نفسها التي أقلعت منها واحدة من الطائرات المحملة بالكيماوي، وقصفت جزءًا من الشعب السوريّ في خان شيخون. والمفارقة في مثل هذا الخطاب هي افتراض “مُلكيّة الشعب السوريّ” لما دمرته القوات الأميركيّة؛ أي القاعدة الجويّة والطائرات القتاليّة فيها.

أليست مفارقة أنَّ مُلكيّة الشعب السوريّ تُدمِّر الشعب السوريّ؟! وذلك على الرغم من أنَّ الواقع والتاريخ يفيدان بأنْ المُلكيّة ترفع من شأن صاحبها، سواء أكان فردًا أم شعبًا، لا أنْ تدمِّره. أجل، إنها مفارقة، وستجرّ مفارقات أخرى، الهدف منها إقناعنا باصطفاف يقف مع “ملكيّة الشعب السوري” لا مع الشعب السوري.

ومن هنا علينا تسجيل بعض الملاحظات على هذا الخطاب:

1-    بالتوازي مع الضربة الأميركيّة لمطار الشعيرات يتصاعد خطاب يفترض أنَّ هذا المطار وتلك الطائرات التي فيه هي “ملكيّة للشعب السوريّ”! ولكن الواقع شيء والافتراض شيء آخر. الواقع الذي وقع وانتهى وبات حتميًا هو تدمير كل مقدّرات الشعب السوريّ على يد قوات النظام السوريّ أولًا، والإيرانيّ ثانيًا، والميلشيات الإيرانيّة ثالثًا، والقوات الروسيّة رابعًا، بل قل تدمير الشعب السوريّ بذاته لا مقدّراته فحسب.

2-    إذا تابعنا مع هذا الخطاب، الذي يفترض “ملكيّة الشعب السوريّ” لمطار الشعيرات وطائراته، بوصفها مفارقة، يبرز السؤال الآتي: أليس المخزون الكيماوي الذي سلمه النظام السوريّ “ملكيّة للشعب السوري”؟ فقياسًا على هذه المفارقة، وفي سياق متصل بالكيماوي أيضًا، ولكن هذه المرة عام 2013، عندما سلّم النظام السوريّ المخزون الكيماوي لمنظمة حضر السلاح الكيماوي؛ ليبعد عنه شبح ضربة أميركيّة بعد استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة. عندها لم نسمع مفارقة أنَّ المخزون الكيماوي هو “مُلكيّة للشعب السوريّ”، ولا يجب على رأس النظام التفريط بهذا “المخزون الاستراتيجيّ”، بحسب مفردات الخطاب نفسها، وكانوا يرونه يحقق “توازن الرعب” مع إسرائيل. ففي كلتا الحالتين كانت الإدارة الأميركيّة هي من تقف وراء تدمير ما تفترضونه “ملكيّة الشعب السوريّ”. ولكن التعاطي مع الحالتين كان مختلفًا؛ لأن النظام نجا من ضربة أميركيّة، مقابل تسليم المخزون وتفكيكه، بينما في الحالة الثانية تضرر النظام من تغيير قواعد اللعبة أميركيًا. وهذا يؤكد استبطان هذا الخطاب لبقاء النظام لا استبطان الوطنيّة.

3-    كالعادة، يتصاعد خطاب الأسف والحسرة على مُقدّرات الشعب السوريّ بعد أنْ توجه القوات الأميركيّة ضربة لها، وبخلاف هذا التصاعد، يخفت هذا الخطاب إذا كانت القوات الإسرائيليّة أو الروسيّة أو الإيرانيّة هي من وجهت الضربة لهذه المُقدّرات، ويخفت هذا الخطاب أكثر فأكثر؛ حتى لا يسمعه أحد، عندما تقوض قوات النظام السوريّ نفسها ليس مُقدّرات الشعب السوري فحسب، وإنما تقويض الشعب السوريّ نفسه.

4- على الرغم من محدوديّة الضربة الأميركيّة، والإخبار المسبق بها، وارتباطها برد الفعل الروسيّ الإيرانيّ السوريّ بالدرجة الأولى أكثر من ارتباطها بخطة مسبقة لدى الإدارة الأميركيّة، وربما تكون ضربة مفردة، هدفها سياسيّ أكثر منه عسكريّ، يسعى ترامب من خلالها إلى زحزحة قواعد الصراع في سوريّة وعليها؛ لتصبّ في مصلحته، فإنَّ هذا الخطاب يكرِّر على مسامعنا، بالرتابة نفسها وبالمفردات نفسها وبالعقيرة الوطنيّة نفسها، الأسطوانة نفسها الخاصة بالعراق وأفغانستان والصومال، ليتغنى بوطنيّة رثة لا تصلح للقرن التاسع عشر، فما بالك بصلاحيتها للعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ولا سيّما في ظل الفوضى والتدخل والتداخل والاتصال والتواصل وسياق إعادة بناء العلاقات البينيّة، الدوليّة والإقليميّة والمحليّة، في ما بينها منفردة، وفي ما بينها مجتمعة.

5-    يرتكز مثل هذا الخطاب على منظور للثروة، يرى الثروة في البنى التحتيّة فحسب، ولا يراها في فاعلية الشعب السوريّ. فالثروة العامة تكمن في فاعلية الشعب السوريّن بينما الثروة الخاصة تكمن في فاعلية الفرد السوريّ.

6-    تطرح هذه المفارقة إشكالية المنظار الذي ننظر من خلاله إلى الأمور؛ لأن هذه المفارقة نجدها كذلك في خطاب بعض المعارضة للنظام. فمن ينظر من منظور النظام ويختلف معه في آنٍ، فهو يختلف على إدارة الثروة وأخلاقيات الإدارة وحدها، ولا يختلف في نظرته إلى الشعب السوريّ عن نظرة النظام التي ترى الشعب ذبابًا يجب سحقه. فالشعب السوريّ في منظور النظام عالة عليه، ولا يستمد هذا النظام من تفويض الشعب الشرعيّة ولا من فاعلية الشعب الثروة، طالما الشرعية في التوريث والقوة الغاشمة، وطالما الثروة في البنى التحتيّة والمواد الأوليّة.

7-    دُمرت الملكيّة الخاصة لأفراد الشعب السوريّ وسلبت ونهبت، على الرغم من أنها حق مقدس في الدساتير السوريّة المختلفة، قبل أنْ تدمِّر القوات الأميركيّة القاعدة الجويّة التي تفترضونها “ملكيّة للشعب السوريّ”، ولكننا لم نسمع خطاب الأسف والتباكي والحسرة على تبديد هذه الملكيّات الخاصة من عقارات ومصانع ومعامل ومزارع ومتاجر ومحلات ومخازن وبيوت وآليات وسيارات.

وخلاصة هذا القول ؛ إنْ لم يتخذ السوريون من الشعب السوريّ بوصلة لهم في التفكير والسلوك، ومن فاعليته ثروة لهم، ومن تفويضه شرعيّة لهم، سنبقى ندور في حلقة مفرغة إلى ما لانهاية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]