‘باعة وأهالي دمشق: ملعون أبو الدولار’
12 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
يكفي أن تتجول في أسواق دمشق لتلحظ كيف أثقل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية السكان وفاقم همومهم، ورغم أن ارتفاعات أسعار الصرف تكررت خلال السنوات الأخيرة لكنها في كل مرة تغدو مناسبة لتذكر مشقات الحياة التي يتكبدها المواطن السوري مع صعوبة تأمين قوته اليومي.
في سوق باب سريجة بقلب العاصمة، تتجادل امرأة تبدو في الخمسينيات من العمر مع بائع الخضار، يعلو صوتها: “ما علاقة البقدونس والبصل والبطاطا بالدولار، شو هل الدولار يلي بدوبل سعر البطاطا بكم يوم، يا أخي هي البطاطا مو شغل بلادنا”، وتترك من يدها ما كانت تحمله وتمضي متمتمة “الله يفرجها علينا ويقدرنا على الصبر، والله ما عاد قادرين نأمن خبزاتنا”، أما البائع فينظر بمن حوله قائلاً : “وأنا شو بعمل.. والله مو أنا يلي رفعت الدولار…وتجار الجملة بس نسألون ليش طالعة الأسعار بقولوا طلع الدولار…ملعون أبو الدولار خرب بيتنا”.
وبحسب عدد من تجار الخضار والفواكه في السوق “فإن الأسعار تضاعفت مؤخراً، حيث زادت بين 100% و300%، الأمر الذي تسبب بانخفاض حركة البيع، حيث نُسأل عشرات المرات عن الأسعار دون أن نبيع، وهناك من يشتري بالحبّة، فقد نزِن حبّتي بطاطا و3 حبّات بندورة”، حسب قولهم.
بعض التجّار أشاروا إلى أنهم لم يشهدوا في حياتهم هذا المستوى الذي وصلت إليه الأسعار في دمشق، والضيق الذي يعانيه سكانها.
لكن ليس هؤلاء هم فقط من يبدي هذا الاهتمام بسعر الدولار، فاليوم تتابع الغالبية العظمى من الناس في دمشق أسعار صرف الدولار وغرام الذهب بشكل يومي، إما عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تضم العديد من الصفحات المتخصصة بأسعار الصرف، أو من صياغ الذهب، أو من تجار العملة الذين أصبحت “مهنتهم” تجارة رائجة.
اللافت أن هذه الاهتمامات التي تدور في فلك الدولار لم تكن بهذا المستوى قبل عام 2011، وكانت تقتصر إلى حد ما على فئة المغتربين ورجال الأعمال، حيث كان سعر الصرف مستقراً حينها بحدود 45 و50 ليرة للدولار الواحد، أما مؤخراً فقد ارتفع سعر صرف الدولار خلال أقل من شهر من 535 إلى 572 ليرة للدولار الواحد، ليعود ويهبط إلى حدود 545 ليرة خلال الأيام الماضي، دون أن نستطيع التكهن بما سيؤول إليه عقب المتغيرات السياسية والعسكرية المتوالية التي العامل الأبرز الذي يحدد ارتفاع السعر أو انخفاضه بغض النظر عن العوامل الأخرى المتعلقة بالتماسك أو الانهيار الاقتصادي للنظام.
أبو أمجد، موظف في إحدى المؤسسات الرسمية بدمشق، قال لـ صدى الشام، “كل شيء يقاس بالدولار إلا الراتب، فما يزال يقاس بالليرة السورية، ويتحدث مسؤولو السلطة عن الزيادات التي تمت على الراتب وبدل الغلاء المضحك”، وأضاف أن: “المقارنة تبدو صادمة، ولا أعرف إن كان أحد استطاع أن يفسرها اقتصادياً، في عام 2011 كان راتبي أكثر من 30 ألف أي كان يساوي تقريباً 600 دولار أمريكي تقريباً، وكنت أشعر بالعجز المادي والحاجة الدائمة، واليوم راتبي أقل من خمسون ألف ليرة أي أقل من 100 دولار، في وقت ارتبطت فيه أسعار السلع بسعر الصرف، فدأبت منذ خمس سنوات على الارتفاع مع ارتفاعه، لكنها لم تعرف الهبوط مع تراجعه”.
وتشير تقارير إلى أن الأسعار تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية بشكل ملحوظ، وتراوحت بين 10-15 ضعف ما كانت عليه سابقاً، في حين انخفضت قدرة المواطنين الشرائية بشكل كبير مع فقدان الليرة السورية قيمتها.
يبدو محل أبو جمال لبيع الدخان في باب الجابية بدمشق، شبه خالٍ من البضاعة، يقول البائع الستيني: “منذ ثلاثة أسابيع لم أشترِ بضاعة للمحل فأسعار الدخان ارتفعت بشكل خيالي، وأنا أنتظر أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه، فمع نهاية كل شهر تقريباً يحدث ارتفاع ومن ثم انخفاض في سعر الصرف وذلك ضمن هامش العشر ليرات، لكن هناك أوقات يحدث فيها قفزات كبيرة كما حصل مؤخراً حين سجّل ارتفاعاً لأكثر من 35 ليرة، وعقب ذلك راح ينخفض بشكل تدريجي كما العادة، وبالتالي فلو أني اشتريت بضاعة لكانت خسارتي كبيرة”.
أبو شوكت، بائع أدوات كهربائية، صرح لـ”صدى الشام” أنه “بسبب تذبذب سعر صرف الدولار وصلت خسائري إلى نحو 30 مليون خلال السنوات الخمس الأخيرة، وصرت أشتري كمية قليلة من البضاعة التي قد يكون لها أكثر من سعر في اليوم الواحد، وأصبح خطر الاحتفاظ بها مغامرة غير محمودة، وخاصة في حال ضعف السيولة”.
وأضاف “اليوم أغلب تجار الجملة لا يقبلون الدفع إلا بالدولار، ونحن نشتريه من السوق السوداء، وهو ما يهددنا بخسائر كبيرة بسبب الفوارق غير المنضبطة ما بين سعر المبيع وسعر الشراء، وبالتالي نحن نبيع البضائع بالسعر الأعلى خوفاً من قفزات الدولار التي تحدث بين الحين والآخر، وبالتالي هذا يزيد الأعباء على الزبائن، ويقلل من حركة البيع لدينا”.
بدوره، قال خبيرٌ اقتصادي طلب عدم ذكر اسمه، لـ صدى الشام: “قبل الثورة كانت حكومة النظام تدعم سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، الذي كان أقل بكثير من سعر صرفه الحقيقي، حيث قال بعض الاقتصاديين حينها أنه 500 ليرة للدولار الواحد”، وأضاف: “لولا دعم الليرة من خلال القطع الأجنبي الذي يدخل البلاد من الدول الداعمة للنظام أو المغتربين ومناطق المعارضة لكان الوضع أسوأ”، معتبراً أن “انخفاض سعر صرف الليرة مبرر بعد توقف عمليات الإنتاج في سوريا بدرجة كبيرة، والحصار وفقدان مصادر الدولار الرئيسة وخاصة النفط والغاز وتجارة الترانزيت وغيرها من مصادر القطع الأجنبي”، ولفت إلى أن “النظام يعتمد على المصرف المركزي الذي يمثل المضارب الأكبر والمسؤول عن التلاعب بأسعار الصرف، وهو يستفيد من مضارباته في تأمين جزء جيد من النفقات”.
وأضاف ” خلال سنوات الثورة سخّر النظام جميع إمكانيات البلاد الاقتصادية بما فيها الاحتياطي الاستراتيجي من القطع الأجنبي، بالإضافة لحصول فصل بين الأسعار والدخول، حيث سمح النظام برفع الأسعار لتصب في مصلحة قلة من المتنفذين، في حين بقيت الرواتب في حدودها الدنيا ما دفع المواطنين إلى التخلي عن مدخراتهم، خوف من أن تفقد قيمتها”.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]