أسطورة فقر العلويين!

13 أبريل، 2017

منصور حسنو

ليس المجتمع السوري بدعًا بين المجتمعات، فهو خاضع للتقلبات والتبدلات والفروق بين أفراده وتفاوت طبقاته، وهي العوامل نفسها التي يخضع لها أي مجتمع بشري صعودًا وهبوطًا، وقد مرت فترات قاسية بالشعب السوري في أزمنة خلت، عانى خلالها الفقر والجوع، ولكن المناخ المعتدل والأرض الطيبة وكفاح الإنسان السوري، شكل حصنًا منيعًا له من الموت جوعًا؛ لذلك، لم تكن العبارة التي يرددها السوريون تندرًا: لا أحد يموت من الجوع، إلا تعبيرًا عن حقيقة استقرائية للواقع والتاريخ السوري؛ حتى في مرحلة المجاعة والفقر نهاية الحقبة العثمانية.

مع وصول الأسد الأب إلى السلطة، عام 1970، بدأت تتشكل سردية جديدة وقراءة رومانسية للفقر في المجتمع السوري، كونها كانت من نصيب العلويين فحسب، حتى أن السنة عندما يمدحون العلويين يقولون: شعب بسيط وفقير! وفي الحقيقة لو تأملنا ودققنا وفحصنا المجتمع السوري جيدًا، سنجد أن الفقر كان سمة معظم الشعب السوري، وخصوصًا سكان الريف من دون استثناء، وبعض المدن المنسية، ولم تكن الموارد أو بحبوحة العيش سوى في حلب ودمشق، وأذكر أن حكايا الفقر التي يسردها جيراننا من القرى العلوية، هي نفسها التي يسردها لنا كبار السن في قرى جبل الأكراد في ريف اللاذقية. لقد كان البلاء عامًا؛ ما يدفعنا إلى السؤال: لماذا شكل الفقر قصيدة ومعزوفة رومانسية تعبر عن مظلومية الفئة العلوية خصوصًا؟

بدأت هذه العقدة تتشكل مع اغتصاب الأسد الأب للسلطة، في محاولة للتعويض عن المظلومية التي لحقت بهم سابقًا، حتى أن أحد محافظ دمشق كان يروي هذه السردية في مكتبه ضاحكًا عندما قال لزواره المباركين: هل تصدقون أنني كنت أذهب إلى المدرسة حافيًا؟

لذلك؛ دوما ما كان يسمع السوريون مثل هذه القصص، من كبار ضباط الجيش ورؤساء الفروع الأمنية، عن فقرهم وجوع أهلهم في مراحل معينة، وهي إذ تعبر عن واقع صحيح وحقيقة لا يجب إنكارها، كما أسلفنا، إلا أنها حقيقة وُظفت أسطوريًا، عبر تكريس التاريخ المظلومي الذي تشكل عند العلويين، وصولًا إلى تحقيق عامل الإشباع والتعويض الذي تحدث عنه عالم النفس كارل يونغ، أي إن هذا المحافظ بين رفاقه، وهو يتحدث عن فقره وعريه يومًا ما، وذاك الضابط الكبير وهو يقف بين زملائه الأدنى منه رتبة، يهدف إلى رفع الملامة عن كل نهب وسلب وسرقة للمال العام، فلقد حرمنا من هذا المال  نحن وآباؤنا الأولون، وما علينا اليوم إلا التعويض نحن وأحفادنا اللاحقون.

ومن طرائف السرديات التي يتناقلها السوريون أن حافظ الأسد يقول لكبار موظفيه: كلوا واسرقوا ولكن حذار من أن تقتربوا من السياسة!

بعد قيام الثورة السورية لجأ بعض المثقفين في الشارع العلوي لتسويغ وجود الميليشيات الطائفية، بأن هؤلاء غير مؤمنين بقتال الشعب السوري، وإنما دفعهم الفقر إلى حمل السلاح، حتى أن رواية حسن صقر (شارع الخيزران) تدل على هذا المعنى، أي إن إقحام سردية الفقر حاضرة دومًا في الذهنية العلوية، وهي المرتكز الأول بزعمهم للتطوع في الجيش، وهو الدافع نفسه الذي جعل نسبة من السنة يتطوعون في الجيش، هروبًا من الفقر، فلماذا هذا دفعته الثورة لينشق ويخسر وظيفته ويكون عرضة للجوع والفقر، وذاك دفعه فقره للقتل والقتال ومزيد من جمع المال عبر الحواجز والتعفيش؟

نعم هناك فقر، وهناك فئات مهمشة وفقيرة من العلويين، ولكن السؤال: لماذا فقرها لم يدفعها إلى المطالبة بالعدالة والمساواة والحرية في 2011، أسوة بأحياء اللاذقية الفقيرة المهمشة، كما في حي السكنتوري والرمل، أو ريف حلب وقرى دير حافر وريف الرقة، إذ ما يزال بشر هناك لا يملكون سوى غرفة واحدة من الطين؟

لماذا كان الفقر دافعًا لبعضهم إلى الثورة والتمرد، وصار عند آخرين مسوغًا للتطوع في الميليشيات المجرمة وكتائب التعفيش؟

أليس أبو ذر الممثل للفكر المظلومي الشيعي هو من يقول: عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه. أي إنه يريد من الفقراء التمرد على السلطة لتحقيق العدالة وليس نحر المتظاهرين بالسيوف والبنادق حفاظًا على السلطة.

لقد كانت أسطرة الفقر، أخطر ما فعله هذا النظام، فقسم كبير من الموالين عدّوا أن الثورة هددت مصالحهم المادية، وهو المنطق نفسه الذي يؤمن به معظم تجار السنة الكبار.

“لا أحد يموت من الجوع”، والناس في الزبداني والغوطة ومضايا يموتون جوعًا.

هذا المشهد الفريد في التاريخ السوري، يكفي لتعرية المظلومية المؤسطرة أسديًا عن فقر وجوع العلويين، فعلى الرغم من كل المرارات والفقر والبؤس العام، والوضع الاجتماعي الطبقي المتخلف في تاريخ سورية القديم، لم يذكر التاريخ أن علويًا مات جوعًا، فكيف يموت من الجوع من يعيش بين قوم يؤمنون بوصية نبوية جازمة: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعان وجاره جائع.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]