الجفاف في سوريا: الحلّ بوقف الكارثة أولاً


وصلت أزمة الجفاف في سوريا إلى مستوياتٍ غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، وتزامنت مع سياسات خاطئة تم انتهاجها في عملية الري الجائر للمساحات المزروعة، الأمر الذي أنهك المياه الجوفية في البلاد، ما دفع مئات آلاف المزارعين للانتقال إلى المناطق الحضرية.

وتبدو منطقة بلاد الشام والعراق بشكلٍ عام، وسوريا بشكلٍ خاص، أحوج ما تكون في هذه المرحلة لانتهاج سياسات من شأنها الحد من الجفاف أو اتخاذ خطوات للتكيّف معه على أقل تقدير، وهو ما لم ينجح حتى الآن، حيث يُعتبر الجفاف مشكلة لا تقل خطورة عن مشاكل تدمير البنى التحتية التي خلّفتها المعارك والتي تنعكس بشكلٍ مباشر وعميق على حياة السوريين.

تصاعد خطير

في مطلع شهر آذار من العام الماضي بيّنت دراسة لوكالة ناسا أن الشرق الأوسط يعيش أكثر الفترات جفافاً منذ 900 عاماً، وأضافت في تقرير لها أن الجفاف الحالي هو الأسوأ بنسبة 98% خلال الـ 5 آلاف سنة الأخيرة، والأسوأ بنسبة 89% خلال الـ 900 سنة الأخيرة.

ويشير مفهوم الجفاف في منطقةٍ ما إلى النقص الحاد في الموارد المائية، والذي يرجع إلى انخفاض معدّل هطول الأمطار من جهة، وتدنّي مستوى مياه الأنهار والمياه الجوفية من جهةٍ أخرى.

ويتّضح من خلال دراسات أخرى أن مستوى هطول الأمطار انخفض بنسبة كبيرة بدءاً من عام 2008، مقارنة بالفترة بين 2007 و2002 في سوريا، ويفاقم الأمر جفاف نهر الخابور في شمال شرق سوريا، وانخفاض مستوى الأنهار من منابعها.

وفي الحالة السورية، تم خلال السنوات الـ 50 الأخيرة انتهاج سياسة تشجيع على الإنتاج الزراعي عبر إمداد المزارعين بالقروض والسماد والمعدّات وهو ما حقّق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، غير أن الجانب المظلم من هذا الإجراء هو أن الزراعة الواسعة لم تتم وفقاً لتخطيط علمي مدروس، إذ أنها استهلكت المياه الجوفية بشكلٍ جائر حتى بات استخراجها من باطن الأرض مكلفاً جداً بسبب انخفاض منسوبها، الأمر الذي جعل البلاد حتى عام 2010 تعتمد على الأمطار لري ثلثي المساحة المزروعة، وتعاني اليوم من النقص الحاد في المياه الجوفية جراء ذلك، ما ساعد على تسريع اقتراب الجفاف منها مقارنة بالمدن المجاورة.

ومن أبرز مصادر المياه في سوريا هي “الأنهار والبحيرات والأحواض المائية والأحواض الصناعية التي تمثّل مياه الصرف الصحي 29% من مصادرها، بحسب دراسة أجراها موقع “اقتصاد” وقال فيها إن الزراعة تستهلك 88% من المياه.

نزوح وجفاف

فقد أكثر من مليون ونصف مزارع أراضيهم وانتقلوا إلى المناطق الحضرية للبحث عن فرصة عملٍ أفضل، وذلك بعد أن انخفض منسوب المياه الجوفية.

هذه النتيجة توصّلت إليها دراسة نشرها موقع “كليمات سنترال” المتخصص في الشؤون البيئية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية في آذار 2015، وقال فيها إن الجفاف هو أحد عوامل اندلاع الانتفاضة السورية.

ونتيجة نزوح السوريون إلى المدن التي كانت تستضيف حوالي مليون ونصف لاجئ عراقي جاؤوا إلى سوريا في الفترة من 2003 وحتى 2007، فقد ازداد عدد السكان في المناطق الحضرية بنسبة 50% بالمقارنة بعام 2002.

وتقول الدراسة إن هذه العوامل مجتمعة ساعدت على اندلاع الثورة السورية في 2011، وذلك وفقاً لخط زمني ورد في الدراسة على أساس تراكم النزوح والجفاف وقلّة الفرص.

كيف يُمكن التأقلم

على الرغم من صعوبة الواقع إلّا أن هناك بصيص أمل لإيجاد مخرج من هذه الكارثة، وفقاً للخبير المتخصص في شأن البيئة والمناخ أحمد شرف.

يقول شرف لـ “صدى الشام”: “إن مستوى الجفاف في سوريا كارثي وينذر بالأسوأ إذا لم يتم التصدي له”، لافتاً إلى أنه لا يمكن حالياً ابتكار طرق لإنهاء الجفاف، لكنه اعتبر أن الحل يتمثّل في وقف الكارثة أولاً.

وأضاف أنه من الممكن حالياً وقف الري الجائر للمساحات المزروعة، وإعداد منهجية سريعة لإيقاف هدر المياه بشكل فوري، مؤكّداً أن هذه الخطوة تُسمّى بالتكيّف مع الأزمات، وأشار إلى أن التكيّف حالياً من شأنه تخفيف وطأة الضرر، وعلى أساسه من الممكن رسم خطط لتخفيض نسبته.

وأوضح شرف أنه يصعب التأقلم مع الكوارث الطبيعية التي تحدث ببطئ مثل الجفاف، لكن الأمر الوحيد الذي يمكن فعله هو تقييم الخطر ووقفه حالياً، مردفاً” ليس مطلوباً أكثر من ذلك الآن”، ودعا إلى إنشاء مراكز خاصة لكوارث الجفاف والتحرّك بسرعة لوقفه مؤكّداً أن عملية التأقلم هي مرحلة تمهيدية للإصلاح.



صدى الشام