علاقة سيئة تربط المعارضة بمنظمات المجتمع المدني


جيرون

كشفت دراسة مسحية بعنوان “منظمات المجتمع المدني السورية- الواقع والتحديات”، ورصدت خلالها آليات عمل 750 منظمة سورية، أن منظمات المجتمع المدني السورية، بعد مرور 6 أعوام منذ تأسيسها، لاتزال تعاني من مشكلات متعددة، ويواجه سير عملها كثير من المعوّقات. وبينت الدراسة أن 67 في المئة من منظمات المجتمع المدني في مناطق المعارضة علاقتها سيئة مع سلطات الأمر الواقع.

استهدفت الدراسة – أعدتها منظمة “مواطنون لأجل سورية”- منظمات المجتمع المدني الفاعلة في كل من مناطق سيطرة المعارضة والنظام، إضافة إلى المناطق التابعة لما يسمى “الإدارة الذاتية” الكردية، إذ تُقدّر “نسبة المنظمات العاملة في مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة بنحو 44 في المئة، تليها المنظمات التي تعمل خارج حدود الدولة السورية بـ 23  في المئة، و19 في المئة المنظمات الواقعة تحت سيطرة ما يسمى “الإدارة الذاتية” الكردية، أما المنظمات العاملة في مناطق حكم الحكومة، فتُقدّر بـ 14 في المئة، وتُعدّ أقل نسبة  بين أقرانها”.

كشف المسح الذي أطلقته المنظمة، في آذار/ مارس الماضي، نقاط الضعف التي تعاني منها معظم المنظمات، وكان أبرزها عدم تطبيق أسس الحوكمة، والافتقار إلى الشفافية في النظم الإدارية والمالية، إضافة إلى تركيزها على قطاعات معينة في العمل، مقابل إهمالها لقطاعات أخرى “وما يتعلق بالأقسام الإدارية المتوافرة في المنظمات السورية؛ يتضح أن المنظمات تركّز عمومًا على الأقسام الأساسية، كأقسام الإدارة، التواصل والإعلام، المالية، العلاقات العامة، والمشروعات، ولكنها تفتقر شديدًا الى كثير من الأقسام المهمة التي ترتكز عليها أي منظمة، منها (البرمجة، الدعم التقني، التطوير والأبحاث، والتمويل والرقابة والتقييم)، وعليه فإن هذه الأقسام تعدّ من الحاجات الأساسية والضرورية لعمل المنظمات، وينبغي للمؤسسات ذات الصلة وجهات التمويل أن تسهم بفاعلية ليس في إنشاء الأقسام فحسب، وإنما في تطويرها أيضًا”.

أشارت الدراسة، في المعنى ذاته، إلى طغيان الاعتباطية على مجمل عمل ونشاط المنظمات، إضافة إلى غياب الرؤى الاستراتيجية، وافتقارها إلى مجالس إدارات تعزّز التخصصية في العمل، فضلًا عن صعوبة تحديد الفئة المستهدفة من خلال البرامج والفاعليات، “شكّلت الدوافع الإنسانية (الإغاثية) النسبة الأعلى، بالمقارنة مع الدوافع التنموية والمجتمعية في مناطق سيطرة المعارضة، بينما ارتفعت الدوافع المجتمعية والتنموية لتتساوى مع الدوافع الإنسانية في المنظمات الموجودة في باقي المناطق”، في إشارة إلى ضرورة التركيز على البرامج التنموية بعد مرور سنوات طويلة على الصراع.

أما حول المشكلات التي تقف حجر عثرة في طريق أعمال هذه المنظمات، فأكدت الدراسة أن معظم المنظمات في الداخل السوري تواجه مشكلات متعددة، منها القصف المتكرر وعدم ثبات المقار، وقلة الدعم، تضاف إليها صعوبات التسجيل والتراخيص للمنظمات النشطة في دول الجوار، فقد “أظهر تحليل البيانات أن أكثر من 42  في المئة من المنظمات العاملة حاليًا غير مسجلة رسميًا لدى الدول الموجودة فيها، وهذا قد ينعكس سلبًا في بعض النواحي الإدارية والتنظيمية، وبالأخص عند التقدّم بطلب للمنح من مؤسسات المجتمع الدولي، سواء أكانت مادية أو تدريبية أو خدمية.

وما يخص مجلس الإدارة؛ فقد تبين أن 40 في المئة من منظمات المجتمع المدني فحسب، انتخبت أعضاء مجلس إدارتها بطريقة تنافسية، بينما انحصرت 60 في المئة المتبقية بين تعيين أو توافق. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن 25 في المئة من المنظمات لا تمتلك في مجلس إدارتها أي تنوع من حيث الجنس؛ إذ اقتصرت هذه المسؤولية على الرجال وحدهم، ويظهر عدد منها أن مشاركة النساء فيها شكلية، أو انتقائية، وبنسبة ضئيلة جدًا”.

من جهة أخرى، بينت الدراسة أن العاملين في المنظمات أغلبهم من حملة الشهادات الجامعية، وقسم منهم لديه ماجستير، ويتمتعون بخبرات عالية في قطاع العمل المدني، وحضروا ورشات ودورات في هذا المجال، ويقدمون المجتمع السوري بطريقة جيدة.

في سياق آخر بيّنت الدراسة أن معظم هذه المنظمات علاقتها سيئة بالهيئات الحكومية وشبه الحكومية، فـ “العلاقة مع الجهات الحاكمة المحلية ليست جيدة بالعموم، ويعدّ نحو 67 في المئة من المنظمات في مناطق المعارضة أن علاقتهم سيئة، أو سيئة جدًا، مع الجهات المسيطرة، سواء أكانت فصائل مقاتلة أم مجالس محلية”.

كذلك أوردت الدراسة بعض المشكلات التي تعاني منها هذه المنظمات في النظم المالية، فـ “على الرغم من أن لدى المنظمات مراقبة فاعلة لسجلاتها المالية، إلا أن أقل من 20 في المئة منها يطبق مبدأ الرقابة الخارجية، فيقتصر دور المراقبة على محاسب المنظمة، الإدارة العليا، وفي معظم الأحيان يكون قسم المالية هو الذي يجري كل الحسابات المالية ويراقبها، وهذا يعكس جزئيًا الضعف الإداري لدى المنظمات السورية، وربما يلعب دورًا أساسيًا في عدم إكسابها ثقة كل من المانحين والممولين على المستوى المحلي والدولي”.

خلُصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات للمنظمات وأطر (كادرات) عملها منها: رفع مستوى الحوكمة والشفافية والمساءلة والتمثيلية في كياناتها، عبر تلقّي تدريبات أساسية في كتابة الأنظمة والسياسات والإجراءات وآليات تطبيقها، إضافة إلى تعزيز متطلبات الشفافية، سواء من ناحية نشر تقاريرها المالية، أو توضيح سياسات تدخلها، ورفع تمثيل المرأة وعكس التنوع السوري في كياناتها الإدارية في المستويات كافة.

ركّزت الدراسة -أخيرًا- على ضرورة رفع مستوى استقلال منظمات المجتمع المدن التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المنح الحكومية والدولية، عبر إطلاق برامج ربحية ترفع من استقلاليتها المالية، إضافة إلى تكثيف مستوى التنسيق مع الإدارات المحلية، ودوليًا تسهيل المعاملات البنكية والمالية لكل أجهزة العمل المدني، وللدول الداعمة.




المصدر