انهيار قطاع النفط…الأزمات تخنق اقتصاد الأسد


محمد محمد

كشف رئيس حكومة النظام السوري عماد خميس، أمام جلسة ما يسمى “مجلس الشعب” أوائل شباط/ فبراير 2017، عن توقف إمدادات الدول “الصديقة” من المشتقات النفطية (ويقصد إيران دون أن يسميها). أتى هذا التوقف بمنزلة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”؛ لأنه يفاقم أزمة المشتقات النفطية الموجودة أصلًا في البلاد. إذ تشهد سورية انهيارًا في انتاج قطاعها النفطي منذ سنوات، ويرزح السوريون تحت وطأة تأثيراته الثقيلة في جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

انهار إقطاع النفط والغاز بعد سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردستاني” (بي واي دي)، و”تنظيم الدولة الإسلامية” على معظم مناطق إنتاجهما؛ فبعد أن كان الإنتاج حتى عام 2011 يقدَّر بما بين 360 و380 ألف برميل نفط، ونحو 29 مليون متر مكعب غاز يوميًا، قدّر “وزير” النفط، علي غانم، في جلسة ما يسمى “مجلس الشعب” بتاريخ 21 شباط/ فبراير 2017، واقع الإنتاج النفطي الحالي بأنه “لا يتجاوز 3 آلاف برميل نفط يوميًا، وهي منتجة في حقول الغاز. أما الغاز فينتج 6.6 ملايين متر مكعب منه يوميًا، ومن الغاز المسال المنزلي 40 طنًا يوميًا. أما من الفوسفات فلا يُنتَج أي كمية؛ لكون حقول الفوسفات تقع في مناطق غير آمنة”، وبيّن “الوزير” أن “خسائر القطاع النفطي المباشرة، وغير المباشرة، منذ بداية (الأزمة) في سورية، بلغت 65 مليار دولار. ونحن بحاجة إلى ما بين 5 ملايين و500 ألف، و6 ملايين ليتر يوميًا من المازوت، و4 ملايين و300 ألف ليتر من البنزين يوميًا، و1300 طن من الغاز المنزلي يوميًا، و6500 طن من الفيول يوميًا”.

كيف عملت “الحكومة” لسد العجز الهائل في الميزان النفطي سدًا جزئيًا بالطبع، لاستحالة تلبية الحاجة الكاملة؟

تفيد التسريبات غير الرسمية، ويصعب التحقق من دقتها، بعقد الحكومة اتفاقًا لشراء كميات من النفط من المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (بي واي دي)”، أواخر عام 2016. وتُنقل عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش”، مقابل رسوم عبور تُقدّر بنحو 2 في المئة من سعر الخام، أي بنحو 60 دولارًا لكل طن. وتم الاتفاق برعاية روسية، وباطلاع الولايات المتحدة وفرنسا بتفاصيله. على الرغم من أنه مخالف لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يجرّم تمويل تنظيم الدولة، أو التعامل معه. ومنذ سنوات كشفت تقارير دولية عن شراء “الحكومة” النفط من “داعش” وحددت تلك التقارير، بالأرقام والأسماء، الكميات والأسعار والوسطاء.

ويُسَدُّ جزءٌ من الحاجة الماسة إلى المازوت عن طريق تهريب مازوت “داعش”؛ فالنقص الكبير في توفر المادة خلق فرصة أمام التنظيم للتهريب وتحويل الثمن إلى أحد مصادر تمويل نفقاته. ورغم رداءة مازوت التنظيم، ومخاطر استعماله، يظل الناس مضطرين إلى شرائه. سلك تهريب المازوت طريق بادية الحماد إلى السويداء، ومنها إلى حوران، وتُمرر قوافل التهريب عبر حواجز ما يسمى “اللجان الشعبية” مقابل عمولة، يستفيد منها ضباط وعناصر الحواجز، وتتراكم أسعار المازوت مع كل مرحلة من مراحل عبوره، يدفع المهربون من أبناء العشائر السورية نحو 200 ليرة لليتر الواحد، ويصل إلى السويداء بسعر 250 ليرة لليتر، وإلى 280 ليرة في درعا وريفها، لكن مع انسحاب “داعش” من مساحات واسعة من بادية الحماد، تحول طريق التهريب إلى طرق جديدة، لكن بوتيرة أقل مما كانت عليه في السابق. ومع ازدياد خسائر التنظيم من مساحات الأراضي الواقعة تحت سيطرته قد يتوقف التهريب.

انعكست تلك الأوضاع على ازدياد معاناة السوريين لتوفير حاجتهم الحيوية من الغاز والمازوت والبنزين، في ظل فقدان مادة أو أكثر من هذه المواد أحيانًا، وتوفرها بندرة شديدة في معظم الأحيان، وفتحت الندرة والفساد المعمم بوابة السوق السوداء للقلة القليلة من القادرين على الدفع، يتراوح سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء بدءًا بـ 4500 وصولًا إلى 6000 ليرة سورية، وليتر المازوت من 300 إلى 500 ليرة، بينما السعر “الرسمي” للغاز 2700 ليرة، وليتر المازوت 180 ليرة.

كذلك لجأت “حكومة النظام” إلى سلسلة تخفيضات على مخصصات المؤسسات العامة والدوائر الرسمية، انخفضت الحصص حتى 30 في المئة مما كانت عليه في الأحوال العادية، وتُعد هذه النسبة نظرية، أما على أرض الواقع، فإن ما يصل إلى بعض الجهات أقل، ولا يصل إلى كثير من الجهات، مثل المدارس، على سبيل المثال، وهناك مدارس في المناطق الباردة أغلقت أبوابها أيام الثلوج والجليد. كذلك تأثرت حركة النقل والمواصلات سلبًا، سواء بين المحافظات أم داخل المدن.

إمدادات الدول “الصديقة”

تلك هي الحال قبل توقف إمدادات الدول “الصديقة” من المشتقات النفطية. ويبدو أن هذا التوقف شكّل ضربة قاسية، وقعت على رأس “حكومة” النظام؛ ما يُفسّر تخبطها وارتجال قراراتها غير المدروسة بعناية كافية. فمنذ نهاية كانون الثاني/ يناير، وحتى آذار/ مارس 2017، صدرت سلسلة قرارات من النظام، تقضي باتباع أشكال متعددة من عمليات استيراد المشتقات النفطية؛ من السماح “للصناعيين باستيراد المشتقات النفطية اللازمة لاستمرار عمل منشآتهم استيرادًا مباشرًا، عبر المنافذ البحرية والبرية”، إلى السماح لغرفتي تجارة دمشق وصناعة دمشق وريفها باستيراد مادة المازوت برًا من لبنان، بعدّه حلًا إسعافيًا لحاجات الصناعيين.

كذلك وضعت “وزارة الصناعة” الآلية التنفيذية لتوفير المشتقات النفطية للصناعيين، وهي موضع التنفيذ ابتداءً من 6 آذار/ مارس 2017، وذلك بعد أن يُكتتب عليها، وتُسدَّد القيمة المالية سلفًا بسعر التكلفة، وبإعلان خاص للصناعيين عن طريق مكتب تسويق النفط. كذلك وافق مجلس وزراء النظام في 7 آذار/ مارس 2017 على استيراد كميات محددة من لبنان؛ بناءً على طلب برنامج الأغذية العالمي.

منذ لحظة صدور تلك القرارات المتسرعة والمرتجلة، بدت واضحة الصعوبات التي تعترض تنفيذها، والتداعيات التي ستترتب عليها؛ فهل كانت الحكومة اللبنانية ستستطيع تزويد السوق السورية بالوقود؛ إذ يُعتقد أن فتح ذلك الباب، سيعيد أزمة انقطاع الوقود عن محطات البيع في لبنان، كما حدث في عامي 2014 و2015، حين جرى استجرار كميات كبيرة من المازوت من لبنان إلى سورية. إضافة إلى أن استيراد النفط ستكون له سلسلة من التداعيات الاقتصادية والمالية والنقدية، وستنعكس -كذلك- على حياة الناس مجددًا؛ فتمويل استيراد المشتقات النفطية سيضاف إلى عبء استيراد القمح، وبحسب بيان لرئاسة مجلس وزراء النظام تستورد حكومتة 90 في المئة من حاجة سورية إلى القمح.

ووفق تقديرات تلك “الحكومة”، فإن تمويل استيراد هاتين المادتين يحتاج إلى نحو 3.5 مليار دولار سنويًا. ويصعب أن يكون ذلك موفورًا في الخزينة، وهذا سيعرّض الليرة السورية إلى ضغوط جديدة إضافية، تؤدي إلى تراجعها أمام الدولار. وقد بدأت تظهر الملامح الأولية للتراجع؛ فبعد أن هبط سعر الليرة أمام الدولار من 650 ليرة أوائل أيار/ مايو 2016، إلى 470 ليرة في حزيران/ يونيو 2016، عاد ليرتفع إلى 517 أواخر آب/ أغسطس 2016، واستمر في الارتفاع ليصل إلى 555 ليرة شراء، و558 ليرة مبيع، أواخر آذار/ مارس 2017. ويُتوقع أن يتراجع سعر الصرف إلى 600 ليرة خلال مدة ليست ببعيدة، وتزداد المخاوف من انهيار الليرة إذا لم تتوافر مصادر تمويل خارجية. فهل تُعيد إيران فتح خط ائتماني آخر؟ على سبيل المثال.

إضافة إلى أن قرارات حكومة النظام الخاصة باستيراد المحروقات سيؤدي إلى التخلي عن التزاماتها في تأمين مخصصات القطاعات الإنتاجية، خصوصًا التزاماتها تجاه القطاعين: الزراعي والصناعي؛ فاستيراد القطاع الخاص الصناعي المشتقات النفطية سيكون بالسعر العالمي، وليس مدعومًا كما كانوا يشترونه من الدولة، سيزيد تكاليف الإنتاج ويرفع سعر البضائع التي ينتجونها. كذلك سيستنزف أرصدتهم من الدولار، وستغطى بإحدى طريقتين: إما من المصارف السورية، أو من خلال السوق السوداء، وفي الحالتين سوف يؤدي ذلك إلى تراجع سعر صرف الليرة السورية تباعًا، وكذلك سيسبب ازدياد العجز في الميزان التجاري، بالترافق مع عدم قدرة “حكومة” النظام على تعويض استنزاف العملات الصعبة، سواء من خزينتها، أم من السوق السوداء، وقد تضطر إلى فرض ضرائب جديدة على الإنتاج و/أو الاستهلاك. كل ذلك يقود إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وفي الأخص في القطاعين: الزراعي والصناعي، وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار، وازدياد الضغط على سعر صرف الليرة؛ فهل تقترب حياة معظم السوريين من حافة المجاعة؟

يبدو أن “حكومة” النظام لم تتأخر في اكتشاف مشكلات وإشكاليات قراراتها المتخبطة، والمرتجلة؛ فقد أعلن رئيسها خلال لقائه مع أعضاء غرفة صناعة دمشق و ريفها، أوائل نيسان/ أبريل 2017: “لقد حُسم الأمر، الحكومة ستبيع المازوت للصناعيين بـ 290 ليرة سورية، عبر مؤسسة محروقات التي ستقوم بالاستيراد للصناعيين عبر الاكتتاب”، وبرر ذلك بأن “الحكومة تسير بسياسة تصحيح لأسعار المشتقات النفطية،  حيث لا يمكن البقاء على الوضع الحالي على الأقل، مقارنة بالدول المجاورة، حيث تبيع تركيا ليتر المازوت بما يعادل 500 ليرة سورية، و يبيعه لبنان بما يعادل 350 ليرة سورية”. وكشف عن “وجود صعوبات يدركها الجميع في موضوع استيراد الوقود، وحدوث متغيرات، دفعت الحكومة لتغيير خطتها أكثر من مرة، فضلًا عن ارتفاع تكاليف استيراده، حيث تدفع الحكومة السورية 25 في المئة زيادة على الأسعار؛ بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية”.

أوضح أنّ “استيراد ليتر المازوت يكلف الحكومة 270 ليرة، في حين تبيعه بـ 180 ليرة، وهذا لا يعني بالمطلق أنّ المازوت يصل مدعومًا للمواطن، والأهم أنّ هذا الفارق السعري يخلق أبوابًا عريضة للفساد، قررنا إغلاقها ولا تراجع”. وأضاف “تم تخصيص 250 مليون دولار شهريًا لاستيراد المشتقات النفطية، لتلبية احتياجات البلاد، ومن ضمنها الاحتياجات الصناعية والإنتاجية التي تتم قيادتها بشكل يمنع حصول أي اختناقات”.

يشمل السعر الجديد لليتر المازوت المنشآت التجارية كافة، كالفنادق والمستشفيات الخاصة، والأفران الخاصة، ومستودعات التجار. يعني رفع سعر المازوت ارتفاع أسعار مواد الطاقة، وسيرتفع سعر خبز الأفران الخاصة، وأجور النقل، وتكاليف الطبابة في المستشفيات الخاصة. وعمومًا ستشهد الأسعار موجةً جديدةً من الارتفاع، وسيزداد تآكل القيمة الشرائية للدخول. وتتزايد أعباء السوريين ومعاناتهم. وسترتفع نسبة الفقر المُقدَّرة سابقًا من “الاسكوا” بنحو80 في المئة. فكم ستصبح نسبة الفقراء في سورية؟




المصدر