روسيا بحاجة إلى مساعدة أمريكية لإبرام الصفقة في سوريا


أدت الغارات الجوية الأمريكية ضد سوريا يوم الجمعة إلى تبديد جميع الأوهام لدى موسكو حول سياسة ترامب الخارجية.

كان رد الفعل الروسي على استخدام الولايات المتحدة للقوة شديداً، لكنه كان مدروساً كذلك. إذ أدانت موسكو التصرف الأمريكي ووصفته “بالعمل العدواني”، إلا أنها لم تُعطِ أوامر لوحدات الدفاع الجوي الروسية في سوريا لاعتراض الصواريخ الأمريكية، كما لم تُلغِ الكرملين الزيارة القادمة لوزير الخارجية “ريكس تليرسون”.
وتركز التفسيرات الروسية لموقف ترامب المتغيّر تجاه سوريا، تركز في معظمها على المتاعب الداخلية للرئيس الأمريكي، الذي يواجه ضغوطاً متصاعدة باضطراد فيما يخص التعامل مع شركائه في موسكو. ويُعدّ هذا بدوره دليلاً على نفوذ “الدولة العميقة” في أمريكا، المعادية لروسيا في جوهرها. لذا، فإن النظرية تشير إلى أن الرئيس ترامب من خلال إعادة تأكيد نفوذ الولايات المتحدة على الساحة الدولية، إنما اكتسب مهلة من خصومه السياسيين، لكن ذلك كان على حساب الاستسلام لأجنداتهم في السياسة الخارجية.
ومن المفارقات أن الرئيس ترامب من خلال إصداره أمراً بالتدخل المباشر في سوريا، تعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالطريقة ذاتها التي تعامل فيها بوتين بنفسه مع باراك أوباما في سبتمبر/ أيلول 2015 عندما تدخل الروس عسكرياً في الشرق الأوسط. أما الآن، تسهم البلدان بنشاط في الصراع في سوريا، ولا تسعيان إلا لتحقيق أهداف متداخلة جزئياً فحسب.
وقد ازداد خطر المواجهة منذ يوم الجمعة، لكن في المقابل، قد تفضي زيادة التدخل الأمريكي في سوريا إلى توثيق التعاون الروسي الأمريكي هناك، ليؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية ووضع حد للحرب الدموية التي استمرت 6 أعوام.
علاوةً على ذلك، من الممكن لتدخل الرئيس ترامب أن يعزز من موقف موسكو فيما يخص الرئيس السوري بشار الأسد بالإضافة إلى إيران وعملائها في حزب الله، هذان اللاعبان اللذان استغلا سيطرة النظام على مدينة حلب للضغط من أجل تحقيق نصر كامل، ما قوّض جهود التفاوض الروسية، ذلك أن روسيا بحاجة إلى حل سياسي في سوريا، الذي يعد الحل الوحيد أمامها للخروج، إلا أن حلفاءها مستعدون للقتال حتى الرمق الأخير.
و قبل أن يبدأ الرئيس الأمريكي باستخدام نفوذه، يبدو أن الرئيس بوتين كان يواجه مأزقاً دبلوماسياً بالإضافة إلى أنه بات رهينة للأسد، لكن هذا الوضع قد يتغير الآن.
وبطبيعة الحال، ليس من الواضح على الإطلاق ما الخطوة التالية التي سيقدم عليها السيد ترامب. فقد يوجه المزيد من الضربات لسوريا: ذلك أن وجود القوات البرية الأمريكية في سوريا قد يتوسع، وقد يحلّ تغيير النظام في دمشق محل هزيمة تنظيم الدولة ،ما يُعَد هدفاً عسكرياً وسياسياً أولياً بالنسبة للولايات المتحدة.

ومما لا شك فيه هو أن وجود أشخاص في واشنطن يقدمون النصح لترامب للتحرك في ذلك الاتجاه. وفي حال ساد رأيهم، ستواجه روسيا خيار الهزيمة المهينة أو الصراع مع أمريكا. وعندها ستكون هذه أخطر لحظة عرفها العالم منذ المواجهة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فوق كوبا عام 1962.
لكن في حال قررت واشنطن الدخول في اللعبة الدبلوماسية في سوريا، فإن الفرص في التوصل إلى اتفاقية ستتحسن بصورة ملحوظة؛ إذ لطالما كانت تدرك موسكو أن أهدافها في سوريا لن تكون مضمونة ما لم تتوصل إلى نوع من التسوية السياسية، التي ستكون مستحيلة دون مشاركة الولايات المتحدة.

بيد أن إدارة أوباما، وبرغم جهود وزير الخارجية السابق “جون كيري”، لم تُبدِ أي اهتمام في شراكة جديّة مع موسكو. وفي مناقضة حادة لذلك، قد يكون الرئيس ترامب مهتماً فعلاً بإبرام صفقة، وسيكتشف الروس هذا قريباً لدى زيارة السيد تيلرسون لموسكو.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس ترامب يفخر بنفسه على أنه منظم صفقات والآن لديه الفرصة ليحافظ على تلك السمعة. ولربما وجد خبراء الواقعية السياسية في موسكو نظراء لهم في كل من السيد تيلرسون ووزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” ومستشار الأمن القومي “ماكماستر”، نظراً لأنهم مخضرمون في قواعد لعبة السلطة ولا يقلون عنهم دهاءً. وحقيقة أن أوهامهم حول السيد ترامب وفريقه قد تلاشت، فذلك أمر جيد، لكن اللعبة لم تنتهِ الآن، وإنما هذه مجرد بداية.

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام