Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
«شطي مطي» و«قبقاب غوار» و«كعب الغزال».. سكر ذكريات الطفولة
حلويات شبه منقرضة
|
دمشق: هشام عدرة
حلويات الأطفال الدمشقية القديمة والتي ومع العولمة والحداثة وهجمة المأكولات الغربية تقاوم الانقراض وما زالت تتميز ببساطتها وبتسمياتها الشعبية الدارجة والمتعارف عليها منذ انطلاقها قبل عشرات السنين، بعضها يحمل أسماء طريفة كـ«الشطي مطي» و«قبقاب غوار» و«كعب الغزال» وغيرها.. هذه الحلويات لا تزال موجودة ولا تزال صناعتها مهنة قائمة يقوم بها عمال في ورشهم الصغيرة الموجودة في حارات وأزقة دمشق القديمة كالشاغور ومادنة الشحم وباب سريجة وغيرها، فالإقبال عليها لا يزال كبيرا من الصغار والكبار أيضا.في منشأة الكواكب بمنطقة الدقاقين بجانب سوق البزروية بدمشق القديمة كان هناك 3 عمال منهمكين بصناعة وتحضير حلوى «الشطي مطي» بألوانها الزاهية ومنظرها المميز وبمذاقها اللذيذ، في هذه المنشأة المتخصصة بتحضير هذا النوع من حلويات الأطفال يروي أحد أبناء أصحاب المعمل العامل فيها مع شقيقه الأكبر حسام بوارشي، لـ«الشرق الأوسط»، حكاية هذا النوع من حلويات الأطفال الدمشقية الشعبية وحكاية منشأته التي ورثها عن أسرته حيث حافظ على مهنة الآباء والأجداد، يبتسم حسام بوارشي وهو يقدم لنا معلومة يعتبرها متميزة، وهي أنه سمع من والده أن والد الشاعر السوري المعروف نزار قباني، توفيق قباني، كان شيخ كار مصنعي مثل هذه الحلويات في دمشق وهو من ابتكر «الملبس» المعروف حيث كان لديه ورشة في سوق البزورية يصنع بها «الملبس» و«النوغا»، وكان جده محمود بوارشي زميلا له في الكار، وأرى «الشرق الأوسط» صورة لجده مع قباني ومجموعة من تجار دمشق تعود للنصف الأول من القرن المنصرم ليبرهن على دقة معلوماته. ومعلوماته صحيحة ومعروفة لدى الكثيرين ويتداولها معظم العاملين في مجال الحلويات بدمشق، كما أنها مسندة في وثائق غرفة تجار دمشق. ويقدم بوارشي معلومة أخرى، وهي أن جده كان ضحية عمل هذه الحلويات قائلا: «كان جدي محمود ينتعل قبقابا في الورشة وهو يقوم بتحريك خليط (الشطي مطي) في القدر (الحلة) الكبيرة فتزحلق ووقع على الأرض ولازم الفراش لمدة أسبوع، توفي بعدها بجلطة قلبية نتيجة سقوطه بسبب الحزن لغيابه عن مصنعه قسرا».يستدرك حسام «أطلت بتفاصيل تاريخ منشأتنا وأؤكد لك أن جدي محمود أول من أدخل تصنيع (الشطي مطي) دمشق قبل نحو 70 سنة، وسأوضح لك طريقة تصنيع (الشطي مطي) وسبب تسميتها الدارجة لكونها تتمدد وتستطيل عند تناولها - بينما تسميتها الأساسية (غوم) - وهي عبارة عن نوع من الراحة تحضر من الماء المغلي والسكر والقطر (السكر السائل) يتم خلطهم مع بعض ويحرك الخليط لمدة ساعة تقريبا، ثم يتم إعداد مادة الجيلاتين الطبيعية المستخرجة من عظام الأبقار حيث تنقع بالماء ثم تضاف للخليط الأول وبعد أن تجمد بسبب الجيلاتين المكثف وبعد أن يجف يتم سحب الألوان وتترك يوما كاملا وبعد ذلك تقسم لقطع صغيرة بشكل يدوي وبأشكال بسيطة مرغوبة للطفل، ومنها النجمة والمربع والهلال والمستطيل وغيرها وتضاف لها نكهات متنوعة حسب رغبة ومذاق الناس ومنها طعم الكرز والفريز والدراق والموز والتفاح والبرتقال والليمون وحتى الكولا وغير ذلك وتأخذ ألوان هذه الأطعمة من أحمر وأصفر وبرتقالي وغير ذلك».هناك نوع آخر من «الشطي مطي» - يشرح لنا زهير غراوي، وهو مصنع آخر للحلويات والشيكولاته التقته «الشرق الأوسط» في سوق البزورية بدمشق في رحلتها مع حلويات الأطفال الدمشقية - يسمى «الآكار» ويختلف عن النوع الأول في أن المادة الأساسية به نباتية وليست الجيلاتين الحيوانية ويتمتع بمذاقه اللذيذ ولكن إنتاجه قليل وبالتوصية فقط، لكونه مرتفع الثمن قليلا قياسا بالنوع الأول (الغوم).
من حلويات الأطفال الدمشقية والتراثية البسيطة والتي ما زالت تحضر حتى الآن وتلقى إقبالا من الأطفال، هناك «الفندان» ويطلق عليها الأطفال تسمية طريفة وهي «قبقاب غوار»، يشرح زهير غراوي لـ«الشرق الأوسط» كيفية تحضيرها وأشكالها، وهي كما يقول تحضر بأشكال عديدة مثل الموزات والساعات والقباقيب، والأخيرة هي الأشهر وتحضر من سكر وقطر ومادة الجيلاتين حيث تطبخ على النار وتخفق جيدا حتى تجمد قليلا وتأخذ قواما خاصا وتوضع في قوالب خشبية تتضمن مادة النشا حيث يتم ضغطها في القالب المقسم إلى أجزاء متعددة في مكان وجود النشا وتقام بعد ذلك وتغربل وتضاف لها الصبغات الصحية الملونة من زهر وأزرق أو تبقى بيضاء اللون لتصبح جاهزة للتعبئة والتسويق، ويشترط في مكان تحضير هذا النوع من الحلوى أن يكون شديد الدفء والحرارة حتى لا يجمد الخليط بسرعة بسبب البرد.
هناك حلوى أخرى للأطفال ولكن باتت حاليا شبه منقرضة - يوضح غراوي - تسمى «كعب الغزال» أو «عين الغزال» ويحضر بحشوة خاصة من قطر وسكر ولوز مفروم ناعم يتم دعبلتها لتصبح كروية الشكل وتطبخ بعد ذلك على النار ويتم تركها في ما بعد لمدة يوم، وبعد ذلك تخفق بشكل جيد لتتحول إلى قوام خاص لتعبأ في ما بعد في تنكات وتوضع في قدر كبيرة تحتها ماء وبخار حيث يتم تغطيسها بواسطة شوكة، بعد ذلك تزين كل كرة منها بحبة فستق حلبي وتصبح جاهزة للتناول.
من الحلويات المنقرضة الخاصة بالأطفال والتي حاول الفنان التشكيلي الدمشقي نذير بارودي تخليدها في أعماله ولوحاته الفنية التشكيلية، هناك «ليل طلة» وهي - يوضح بارودي - عبارة عن سكاكر ملونة على شكل حلقات وأساور بألوان زاهية، وهناك حلوى أخرى اسمها «الملوى» وهي عبارة عن طاسات تحتوي على مادة القطر ويوجد في وسطها الجوز واللوز والبندق والفستق، والطريف هنا أن هناك طريقة خاصة لبيع هذا النوع من الحلوى من خلال الطاسة، حيث يأتي الطفل لبائع حلوى «الملوى» المتجول ويشتري «لحسة» فقط من الطاسة من خلال عود يشبه «مصاصة المتة» حيث يغط البائع العود بشكل سريع في طاسة «الملوى» ويتذوقها الطفل ليدفع مقابل ذلك ثمن التذوق، وطبعا كانت أيام زمان بالقروش، وكان هناك من «الملوى» أنواع كثيرة، ففي كل طاسة نوع مختلف منها، وهذا النوع من الحلوى الشعبية انقرض تماما، وأتذكر - يتابع بارودي - أن آخر بائع لها كان في منطقة العمارة بدمشق القديمة وتوفي قبل سبع سنوات ولم يرث أولاده هذه المهنة.