الأسد يهين روسيا ويستخف بـ “المنظمة الكيميائية”
15 أبريل، 2017
علاء الدين الخطيب
ادعى بشار الأسد في أول لقاء بعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون، أجرته معه وكالة الصحافة الفرنسية AFP””، الأربعاء 12 نيسان/ أبريل 2017، أن قصة خان شيخون مفبركة فبركة كاملة، وأنه لا يملك أسلحة كيماوية، ولا يأبه لاتهامات الغرب له، وأن الرئاسة الأميركية واجهة مسرحية فحسب، تخفي “النظام العميق Deep Regime”، وأن عملية المبادلة السكانية الأخيرة (الزبداني كفريا) هي موقتة.
أهم ما في اللقاء، أن بشار الأسد نسف ما قاله وزير خارجيته، وليد المعلم، وما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، اللذان اتفقا على رواية واحدة مختصرها: “قصفت طائرات النظام مخزنًا للأسلحة الكيماوية في خان شيخون تابع للنصرة، وأن هذا المخزن كان طريق إمداد لداعش في العراق وحلب بالسلاح الكيماوي”؛ وزعم بشار ألا أحد يعلم أي شيء عما حصل هناك، وهل كان هناك سلاح كيماوي أم لا، وادّعى أن القصة مفبركة تمامًا، بصورها وأطفالها وضحاياها.
كالعادة أغرق بشار الصحافي بمحاكماته ذات الظاهر المنطقي الصوري التي لو سمعتها زوجة سقراط لما اكتفت بسطل ماء بارد على رأس زوجها، وهو يضع أسس المنطق الصوري، فقد كرر رأس النظام الأسدي القصة التي يرويها موالوه، حول سؤال: لماذا سيستخدم نظامه سلاحًا كيماويًا وهو يحقق انتصارات عسكرية سريعة، ولم يستخدمها عندما تقدمت بعض الفصائل عسكريًا في ضواحي دمشق وحماة، الشهر الماضي؟ ويقفز إلى استنتاج أنها ردّ غربي على تقدم قواته عسكريًا.
طبعًا لا تهمه الإجابة، بالمنطق نفسه، عن السؤال الأساسي في سورية: إذا كنت رئيسًا ونظامًا شرعيًا ومتماسكًان وتحسب خطواتك بدقة وبعد نظر، وتدرك أبعاد المؤامرة الكونية عليك، وتحظى بتأييد أغلبية الشعب السوري، فأي قوة في هذا الكون تستطيع التسبب بقتل وإصابة ما يزيد على مليون ونصف سوري، وتشريد ما يزيد على 10 ملايين؟ وفي السياق نفسه: إذا كان الغرب يريد صدّ تقدمك العسكري، ألم يكن الأجدى عمل ذلك يوم تمكنت مع حلفائك من استرداد حلب، منذ أشهر قليلة؟ أليست حلب أهم مئة مرة من بضعة أمتار حول دمشق أو ريف حماة؟
في جزء آخر من المقابلة، هاجم بشار ترامب مهاجمة غير مباشرة، عندما قال: إن الرئيس الأميركي ممثل فحسب، يخفي “النظام العميق Deep Regime”، الحاكم الفعلي لأميركا؛ لكنه هنا ظلم الرجل، فترامب مثله يعتقد أنه ضحية مؤامرة كبرى تقودها “الدولة العميقة Deep state” في أميركا، وقد أمضى كل حملته الانتخابية والأشهر الأولى من رئاسته في اتهام الإعلام والإنترنت بالفبركة، ونقل الأخبار الكاذبة؛ لأن الدولة العميقة تخاف من رجولته الطاغية وشجاعته، وبذلك؛ فهو يلتقي مع بشار في خندق واحد. وكما يبدو أن بشار ظن أن ترامب انتقل إلى الخندق المقابل؛ لأنه طرد ستيف بانون من الطاقم الرئاسي الأميركي، وتراجع عن عدّ حلف الناتو منتهيًا، وتخاصم مع بوتين بسبب سورية، وفي هذا تسرع كبير؛ فربما في فرصة ثانية، قد يعيدان مع بوتين عرى الصداقة تحت مظلة محاربة “الدولة العميقة الأميركية”.
أضاف بشار إهانة لحلفائه الروس، فوق الإهانات التي ساقها الغربيون ضدهم، حين أكدّ أن الأميركيين أعلموا الروس بإطلاق الصواريخ قبل دقائق فحسب؛ حتى البنتاغون الأميركي الذي يُصعّد اللهجة ضد روسيا، أعلن أنه أعلم العسكريين الروس بالهجمة الأميركية قبل وقت كاف، كي لا يحصل أي احتكاك مع الجيش الروسي، فحتى الأميركيون احترموا الروس أكثر من حليفهم.
لم تمر المقابلة دون ضحكات بشار أمام الأسئلة المفاجئة، فقد ضحك كثيرًا عندما سأل الصحافي عن إمكانية أن يكون هناك أحد ما غير منضبط في جيش النظام قام بالعملية. يبدو أن بشار لم يسمع بالآلاف من العسكريين والضباط الذين انشقوا من نظامه، ولا بالأعداد الهائلة من المساجين العسكريين، ولا عن صدامات الجيش والأمن الأسدي وميليشيات ما يسمى “الدفاع الوطني”، فقد قال بيقين كبير إن الجيش السوري منضبط لأبعد الحدود، ولا يمكن أن يخرج عنصر منه عن النظام والتراتبية القيادية.
المنظمة الكيمائية
كرر الأسد في المقابلة عدة مرات عبارة: “The chemical organization” وتعني بالعربية “المنظمة الكيميائية”، وهو يقصد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية واسمها بالإنجليزي Organization for the Prohibition of Chemical Weapons، طبعًا المترجم إلى لعربي تلافى الخطأ، وكتب الاسم الصحيح باللغة العربية.
من الطبيعي أن يتعرض أي إنسان للنسيان، وخاصة الأسماء الطويلة، لكن في الوقت نفسه، فإن طالب صف ثالث إعدادي يدرك أن عبارة “المنظمة الكيميائية” هي عبارة مضحكة وساذجة، ولا تعني شيئًا عند المستمع؛ فبافتراض أن الذاكرة خانت بشارًا، كان يمكن أن يذكر اسم قريب من اسم المنظمة ووقتئذ ستفهم الناس ستفهم ما قصده، فالظاهر أنه لم يراجع الدرس جيدًا. وكي لا نتهم بالتحامل، فربما يكون ما يقصده بشار هو إظهار عدم اهتمامه بهذه المنظمات بطريقة غير مباشرة، فعلى الرغم من أن اسم هذه المنظمة قد حفظه السوريون غيبًا بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة، إلا أن بشارًا لم ينتبه حتى لوجود هذه المنظمة عام 2013 فنسي اسمها، فقد كانت أزمة الكيماوي وقتئذ بالنسبة إليه سحابة صيف عابرة.
[sociallocker] [/sociallocker]