مخيم اليرموك: المساواة والديموغرافيا!


مصطفى الولي

طبَق نظام عائلة الأسد، الدموي المتوحش الفاشي، مبدأ المساواة بين السوريين والفلسطينيين السوريين، بطريقة لم يكن يتوقعها كثيرون، ولا سيما أولئك المشككين بصدقية “نظام الممانعة والمقاومة والإخلاص القومي”؛ فقد أعطى لهم حصة متساوية من العذاب والقتل والتجويع والاختطاف والتدمير، لا تقل عن حصة إخوتهم السوريين. وعملية إحصاء لنسبة الشهداء والمختطفين والمعتقلين والمهجرين من الفلسطينيين، ومقارنتها مع عدد ضحايا القتل والاعتقال والتهجير من السوريين، قياسًا على عدد فلسطينيي سورية، ستفضي إلى نتيجة توضح “عدالة” نظام الأسد في علاقته مع الشعبين السوري والفلسطيني داخل سورية. وإن أضفنا عدد ضحاياه من الفلسطينيين في المجازر التي ارتكبها في لبنان، من تل الزعتر إلى حرب المخيمات؛ وحتى معارك طرابلس، فذلك يوضح “صدقيته” في تخصيص فلسطين والفلسطينيين باهتمام كبير؛ تأكيدًا “لقوميته” وتمثيله لأهم القضايا العربية.

وتكريما لهم، وتعزيزًا لمكانتهم العالية في سياسته وممارساته، افتتح بشار الأسد معاركه الجوية بسلاح الطيران المقاتل الـ “ميغ” ضد الثورة السورية بقصف الفلسطينيين في مخيم اليرموك، بعدّها أول هدية لهم (كانون الثاني/ يناير 2012). وسرعان ما أكد “مساواة” السوريين بهم، فشرع بـ الـ “ميغ” والـ “سوخوي” وأنواع أخرى، يحرث السماء فوق كل المدن الثائرة، ويدمر الأرض وما عليها. فأصبح شعار المتظاهرين من الفلسطينيين: واحد واحد واحد، فلسطيني وسوري واحد، مرشدًا للنظام الدموي أيضًا، وأثبت أنه يساوي بين الشعبين في القتل والبطش والتدمير والتهجير. يومذاك ظن السذج أن الطيَار قد “أخطأ”، ودلَس الموالون من الفلسطينيين للنظام، لكن السذج ما لبثوا أن تأكدوا من أن الطيار أجاد تنفيذ المهمة، إذ توالت غارات الـ “ميغ” والصواريخ الثقيلة على سكان المخيم.

لم تقتصر مساواة نظام القتل المتوحش “الممانع المقاوم” بين السوريين والفلسطينيين على موازنة الحصص في الضحايا والمعتقلين والمختطفين، وعلى استخدام ذات الأسلحة الفتاكة ضدهما، بل زاد من توضيح المساواة في الإجرام، ذلك عندما استخدم ورقة تنظيم الدولة الإسلامية والنصرة في المخيمات الفلسطينية، واليرموك بخاصة، تمامًا كما استخدمهما في المدن والبلدات السورية الثائرة والمتمردة. فوظف دورهما (النصرة والتنظيم) داخل المخيم؛ لتفتيت وحدة الفلسطينيين وإخضاعهم لأبشع الممارسات و”التشريعات”، بعد تصفية القوى المعتدلة في المخيم، فيما يحاصر -هو- المخيم من خارجه، ويمنع عن المدنيين الغذاء والدواء وكل ضروريات البقاء قيد الحياة. تمامًا كما فعل في باب عمرو والوعر ومضايا والزبداني ووادي بردى وداريا والمعضمية ومخيم خان الشيح.

أما المساواة المتكاملة بين السوريين والفلسطينيين، ولم يكن يتوقعها الفلسطينيون، فهي الاجتثاث من المكان خدمة للديموغرافيا المذهبية الطائفية التي ينفذها النظام باندماجه في الأجندة الإيرانية في هذا المجال. فكما فعل في المدن والبلدات السورية، لن يتورع عن ذلك مع الفلسطينيين في اليرموك، وسبق أن استخدم الاجتثاث لفلسطينيي مخيم خان الشيح غرب دمشق.

تتداول المواقع المختلفة، والناشطون والإعلاميون الذين يتابعون الوضع في اليرموك، وفي بلدات جنوب دمشق (يلدا وببيلا وبيت سحم والقدم وحي بور سعيد)، أن اتصالات تجري بين مندوبين عن النظام وكل من تنظيم الدولة الإسلامية و”هيئة تحرير الشام”، ومعهم فصائل فلسطينية موالية للنظام؛ لإيجاد حل لهذه البلدات، تحت غطاء انسحاب المقاتلين التابعين للتنظيم والنصرة إلى محافظة إدلب، مقابل ضمان سلامتهم، وبرفقة من يريد من أبناء تلك البلدات. وكل مطل على الوضع الجغرافي لمخيم اليرموك يعلم تمامًا أنه دون إخلائه من السكان، لن تكون السيطرة على جنوب دمشق، وجنوبها الغربي، مكتملة. وما يسهل نجاح هذه العملية القذرة أن العدد الأكبر من سكان اليرموك الذين لم ينزحوا أو يهاجروا بعيدًا، يعيش اليوم في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، والعدد المتبقي بداخله أقل من خمسة آلاف شخص.

في ظل هذا الواقع الممزق للفلسطينيين لن يجد النظام صعوبة في خلق أجواء تجعلهم ينشدون البقاء قيد الحياة؛ هروبًا من عمليات وحشية يرتكبها؛ بذريعة مطاردة “الإرهاب” (داعش والنصرة)، وكما هي العادة بعد فظائع وحشية يرتكبها النظام وميليشياته الطائفية المرتبطة بطهران، يكون المخرج هو الترحيل عبر اتفاق يطلق عليه إعلام النظام” مصالحة”، كما حصل في بقية المناطق السورية.

لقد سبق أن اجتثت “الديموغرافيا” الطائفية التي برمجها وخططها ملالي طهران، مخيم خان الشيح جنوب غرب دمشق، وحمَلتهم ميليشيات النظام وطهران في الباصات الخضر، جنبًا إلى جنب مع أشقائهم السوريين، في مساواة كاملة، انتزعتهم من أماكنهم بذريعة المصالحة، وألقت بهم في محافظة إدلب في تطبيق “مبدع” لاكتشاف أقرب الطرق إلى القدس، كما تدعي طهران وأدواتها الطائفية، وأولهم حسن نصر الله.

لم يكن الترحيل الديموغرافي للفلسطينيين موضوعًا على جدول أعمال النظام في السنوات الأولى للثورة، فالقتل والتدمير الذي مارسته أدواته في اليرموك، كان يسعى من ورائه إلى إخضاع الفلسطينيين لإملاءاته بالقوة، بعد أن فشل في كسب تأييدهم لسياساته القاتلة، ولكن التزاوج بين استبداد النظام الهمجي، ومخططات نظام الملالي الطائفي، أدى إلى اعتماد التغيير الديموغرافي الشامل في سورية؛ ولأن أيديولوجيا “زينب لن تسبى مرتين” التي تُعبَّأ بموجبها القطعان الفاشية للميليشيات الإيرانية، كان استهداف جنوب دمشق الذي يقع اليرموك في قلبه، بدعوى حماية مقام السيدة زينب الواقع في أقصى جنوب دمشق.

هل سينجز النظام وطهران استهدافهما الديموغرافي لجنوب دمشق بوقت قريب؟

سيبقى شبح ترحيل الفلسطينيين من مخيم اليرموك ماثلًا في نفوسهم، طالما بقي تحالف الأسد وطهران يتحكم بمقدرات سورية، باستخدام القوة الوحشية؛ لتحقيق أهدافه وتمزيق الوجود الاجتماعي السكاني في عموم سورية، وللفلسطينيين منه حصة ونصيب “مساواة” لهم مع أبناء سورية.




المصدر