واشنطن بوست: استفتاء تركيا هو التصويت النهائي على أردوغان


أحمد عيشة

سنة مضطربة في السياسة التركية ستبلغ ذروتها، ونقطة تحولها الأحد 16 نيسان/أبريل. بعد أنْ نجا من محاولة انقلابٍ في تموز/ يوليو، وقاد عملية تطهيرٍ كبيرة في المجتمع المدني، وفي مؤسسات الدولة في بلاده، يأمل الرئيس، رجب طيب أردوغان، الآن، أنْ يوافق الناخبون على خطته لتحويل تركيا من ديمقراطيةٍ برلمانية، إلى جمهورية يقودها رئيسٌ قويّ جدًا؛ إذ يخشى خصومه من أن تُصبح ديكتاتوريةً بحكم الأمر الواقع.

وهنا تصوّرٌ للاستفتاء الذي سيقرر مصير تركيا السياسي.

ماذا يحدث؟

يواجه الناخبون الأتراك خيارين قاسيين؛ فهم إما أن يقولوا نعم للتعديلات الدستورية التي من شأنها أن تعطي أردوغان سلطاتٍ كاسحة جديدة، أو لا، وهو فعلُ تحدي من شأنه أنْ يحافظَ اسميًا على الديمقراطية المنتهكة في تركيا.

قال هنري باركي، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين: إنَّ نظام أردوغان المقترح “ليس له موازٍ في العالم الحديث، وهو ينزع السلطة من كلٍّ من السلطتين التشريعية والقضائية في الحكومة، لصالح السلطة التنفيذية التي ستتركز في يدّ شخصٍ واحد.”؛ ما من شأنه -أيضًا- أنْ يخلق حدودَ ولايةٍ رئاسية جديدة، تسمح لأردوغان بالبقاء في منصبه إلى وقتٍ متأخر حتى 2029. إذا سارت الأمور وفق المخططٌ لها، فإنَّ أردوغان سيحكم أمته لأكثر من ربع قرنٍ حتى يستقيل.

ولم يُخّفِ أردوغان رغبته في إعادة تشكيل النظام التركي، فعلى مدى عقود، يرى أنصاره أنّ السياسة البرلمانية المغلوطة في تركيا، كانت عقبةً أمام الحكم الناجح، وأدت إلى أزماتٍ أشعلت انقلابات عسكرية. وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في العام الماضي، يقولون هناك ضرورةٌ قوية لرئاسةٍ، يمكنها أنْ تصمد أمام المؤامرات التي يرتبها المسؤولون غير المنتخبين.

“أصبح واضحًا لنا، أنّ نظامًا رئاسيًّا يُنتخب بموجبه الرئيس من جماعات القوى الشعبية للناخبين، عبر تسوياتٍ بينية، وتسمية مرشحٍ يمكن للجمهور -عمومًا- أنْ يؤيّده؛ للفوز بأكثر من 50 في المئة من الأصوات”، كما كتبت عيشة سوزن أوسلور، مستشارة السياسة الخارجية لأردوغان. وفي الوقت الراهن، هناك شخصيةٌ واحدة -فحسب- يمكن أن تفوز بهذه الحصة من الأصوات: إنّها أردوغان نفسه.

ما سياسات أردوغان؟

يرى عدد من المراقبين الخارجيين، بمن فيهم أكثر منتقديه صراحةً في الغرب، أردوغان، أولًا وقبل كل شيء، إسلامي. وهذا ليس خطأً، لكنه يضيّع الهدف. تجدر الاشارة الى أنّ أردوغان هو قوميّ يمينيّ على شاكلةِ الزعماء غير المسلمين، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، يعكس اعتناق أردوغان للإسلام، وتعريته المستمرة لعلمانية كانت منيعةً في الدولة التركية، مواقف جمهوره السياسية؛ وهم المسلمون السنة المتدينون، سواء من المناطق النائية في الأناضول، أو من أكثر المناطق فقرًا في المدن الرئيسة من البلاد الذين يشعرون بالتهميش من جانب النخب العلمانية في تركيا.

ملصق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاستفتاء المقبل، في إسطنبول في 27 آذار/ مارس. (إمراح غوريل /أسوشيتد برس)

حزب أردوغان: العدالة والتنمية حزبٌ حديث ليمين الوسط.  وتتعايش قوميته الدينية جنبًا إلى جنب مع مواقف عدم التدخل (دعه يعمل)، نحو إصلاحٍ تجاري واقتصادي. وعندما تولى أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، السلطة في عام 2002، أشاد بهما كثيرون على أنّهما نفسٌ تحرريّ من الهواء النقي. وشهد الملايين من الأتراك تغييرًا جذريّا، وإيجابيًا في ثرواتهم -بما في ذلك الأكراد الذين كانوا ممنوعين قانونًا حتى من كتابة لغتهم في أيام ما قبل حزب العدالة والتنمية.

قال عبد الله، وهو واحد من ستة عشر تركيًا شاركوا بوجهات نظرهم حول الاستفتاء، مع صحيفة “واشنطن بوست”: “رجاءً تفكّروا في الأمر، أنا ابن الفلاحين، والآن في طريقي إلى أن أصبح عالمًا بالتدريج، هل تعتقدون أنّ حزب العدالة والتنمية حزبٌ مخيف؟ ”

ولكن عندما استقر أردوغان في السلطة، نشأت مشكلات؛ إذ أظهرت سلسلة المضايقات السياسية والمحاكمات، أردوغان ودائرته المغلقة المقفلة، في حروبٍ عاصفة، أولًا مع مسؤولي البلد العلمانيين، وفي وقتٍ لاحق، مع المشتبه بهم الغولانيين، أتباع رجل الدين المنفي، وخصم أردوغان، في البيروقراطية المدنية في البلاد. وتدهورت علاقاته الواعدة مع الغرب؛ ما أدى إلى مقتل حلم تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. استنفر أردوغان، معلنًا عددًا من المؤامرات الاجنبية والمحلية ضد حكمه، وبعد أن سارت انتخابات عام 2015 ضده، أشرف أردوغان على انهيار عملية السلام مع الأكراد؛ تمرد عنيف حشدَ ناخبون قوميون لقضيته.

“لقد تخلى أردوغان -أيضًا- عن السياسة الخارجية الطموحة التي عزّزت اقتصاد تركيا، وساعدت في زيادة دور البلاد في الشؤون الدولية، واستبدلها بقوميةٍ “بدائية”، كما كتبت إلميرا بيراصلي، الأستاذة في كلية بارد.

فالعلاقات مع أوروبا في أسوأ أوضاعها، وشكلت سياسة أردوغان في سورية ضررًا؛ إذ خضعت في معظمها لمصالح محلية. ويقول النقاد إنّ التطهير المستمر الذي أدى إلى احتجاز أكثر من 100 صحافي، لدليلٌ على وجود دكتاتورٍ، من شأنه أن ينسلخ من ملابسه الديمقراطية.

ما الطريقة التي سيمضي بها التصويت؟

على الرغم من أنّ استطلاعاتَ الرأي تبيّن أنّ الناخبين منقسمون بالتساوي، تقريبًا، لكن لم يكن التنافس متساويًّا أو عادلًا. ويبدو أنَّ الدولةَ رمت بكامل ثقلها خلف حملة “نعم”، في حين يقول المعارضون أنهم واجهوا 143 هجومًا على مدار الحملة.

حزب الشعوب الديمقراطية المعارض والموالي للأكراد في تجمع “هاير” (“لا”) في استنبول في 13 نيسان /أبريل (عثمان أورسال / رويترز)

المعارضة التركية معاقة نتيجة شرذمتها التقليدية، وكذلك نتيجة عمليات التطهير؛ فقد دُمرَّ حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد، مع زعيمه اليساري الكاريزمي، صلاح الدين دميرتاش الذي يقبع الآن في السجن.

وكما هو الحال في الانتخابات التركية الأخيرة، فإنّ النتيجة قد تعتمد على اثنتين من الكتل المرجحة الرئيسة: الأكراد المتدينون الذين يحبون حزب العدالة والتنمية، ولكنهم حذرون من أسلوب أردوغان، ومتضايقون من حملته على مواطنيهم، والمتطرفون الذين يحتقرون الأكراد، ولكنهم غير مقتنعين بحزب العدالة والتنمية.

ماذا الذي سيحدث بعد ذلك؟

يخشى النقاد من أنْ يشكل الاستفتاء حالَ “خيارين أحلاهما مرُّ” في تركيا: الاختيار بين عدم الاستقرار المطول، أو حكم الرجل الواحد.

“إذا خسر الاستفتاء، فمن المحتمل أن يدعو السيد أردوغان إلى اجراء انتخاباتٍ مبكرة، وسيواصل سياسته المثيرة للانقسام، لتقديم الدعم لحزب العدالة والتنمية.

إن ذلك سيؤدي إلى تخندق تركيا في حال دائمة من الأزمات، يرافقها انشقاقٌ اجتماعي متعمق، ومزيد من الهجمات الإرهابية.” كما كتب سونر جاغابتاي، وهو باحث تركي مقره واشنطن، ومؤلف كتاب جديد عن صعود أردوغان، وأضاف: “إذا فاز في الاستفتاء، فإن السيد أردوغان، سيحاول إجبار البلاد على أن تُطوى تحت شخصيته القوية؛ ليصبح استبداديًا تمامًا”.

وإلى أن يحين ذلك؛ فإنَّ المستقبل لا يزال يبدو فوضويًّا، وغير واضح. لن يحظى أردوغان بتأييد كامل. فكلما تزداد قبضته، كلما أصبحت ردّة الفعل قاسية وعنيفة، كما حذّر جاغابتاي من إمكانية العنف والصراع الأهلي.

وقال إحسان، وهو مهندسٌ في إسطنبول، في رسالته إلى صحيفة “ذي بوست”: “إن التاريخ يبين أنّ أيّ من الأنظمة الاستبدادية لم يدمْ طويلًا، ولا سيما في الشرق الأوسط، لكنَّ أردوغان ما زال يريد مزيدًا من السلطة”. “السلطة مَفسَدة، والسلطة المطلقة مَفسَدةٌ مطلَقة.”

اسم المقالة الأصليTurkey’s referendum is the ultimate vote on Erdogan
الكاتبإسهان ثأرور، Ishaan Tharoor
مكان النشر وتاريخهواشنطن بوست، The Washington Post، 14/04/2017
رابط المقالةhttps://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/04/14/turkeys-referendum-is-the-ultimate-vote-on-erdogan/?utm_term=.9c76d2c22e76
ترجمةأحمد عيشة



المصدر