استقبال “البعث” للضربة الأميركية… من لم يقتلنا بعد؟


عارف محمود

لاتزال تداعيات الضربة الأميركية السياسية والدبلوماسية محط اهتمام العالم بأسره، في حين بدا الشارع الشعبي الموالي للنظام متخوفًا مما جرى، وانعكس في حملة التنديد والتخوين لكل من أيّد الضربة الصاروخية الأميركية، ومكررًا بيانات جيش النظام والإعلام الرسمي الروسي.

يصف الدكتور جميل، من قسم الهندسة في جامعة تشرين، الضربة الأميركية بـ “الحرب القذرة على الوطن، وتستهدف البنى التحتية للدولة السورية” متجاهلًا كل الضربات الروسية التي راح ضحيتها ألاف المدنيين السوريين، والبنى التحتية السورية على امتداد أراضي الوطن! ويضيف الأكاديمي الجامعي بأن “سرعة تنفيذ الضربة ومحدوديتها تحمل في طياتها رسالة مباشرة لروسيا، بأنها ليست اللاعب الوحيد في الملف السوري، ولا تحمل أي خير للشعب السوري” مذكرًا بتجربتي العراق وليبيا.

حاول النظام تخفيف صدمة مواليه من قصف قاعدة الشعيرات العسكرية إعلاميا وشعبيًا. لم تلغ الفاعليات التي أعدّها سلفًا للاحتفال بمناسبة ميلاد “حزب البعث”. بل جاءت الضربة الأميركية ملائمة لرفع المعنويات لدى جمهور “البعث”، وزعمًا بـ “مواجهة الإمبريالية العالمية والعدو الصهيوني”. لكن المفارقة العجيبة كانت بين مبادئ الحزب القومية وشعاره “أمة عربية واحدة” الذي جرى ترديده مع بدء الفاعليات، وبين ما طُرح خلال الفاعليات من تهجم على العرب باختزال العروبة -مفهومًا ثقافيًا وحاضنًا جامعًا لشعوب المنطقة- بمواقف حكومات عربية تجاه النظام السوري.

لا نعرف إن كان تغير موقف الإدارة الأميركية من سورية استراتيجيًا أم تكتيكًا، غير أن تصاعد الخطاب الدولي وتواتر اللقاءات الدبلوماسية لمختلف دول المركز والأطراف، يثير قلق الموالين من تكرار القصف الأميركي، خصوصًا مع ترحيب كثير من دول العالم والمنطقة بتدخل عسكري مباشر؛ لإزاحة النظام، أو لإضعافه، والعودة زمنيًا إلى عام 2012، حين كان النظام على شفا الانهيار لولا تدخل الميليشيات الطائفية، ولاحقًا التدخل العسكري الروسي.

يعتقد منير. م (62عامًا، من ريف جبلة) أن “واشنطن قصفت قاعدة الشعيرات؛ لتغطي مشكلات السياسة الداخلية للإدارات المتعاقبة؛ إذ من شأنها أن تزيد نسبة التأييد للرئيس الأميركي داخل حزبه والحزب المعارض له”. وفي ما يخص الإدارة الأميركية الحالية يضيف منير الذي أمضى سنوات من السجن في عهد الأسد الأب: “لقد وافقت حماقة النظام السوري في مجزرة خان شيخون هوى الرئيس ترامب؛ للتخلص من عبء الضغط المتواصل من قيادات في الحزب الجمهوري؛ لاتخاذ موقف أكثر جدية تجاه كل من روسيا وإيران، بعد أن كانت حملته الانتخابية تقوم على رؤية بوتين صديقًا، وما رافقها من اتهامات لروسيا بالتلاعب في تصويت الناخبين الأميركيين لصالح ترامب؛ ما جعل أميركا تبدو ضعيفة، وهو ما لا تتحمله أي إدارة أميركية”.

بالخروج قليلًا من مشهد الضربة الأميركية يتضح أن انقسامنا نحن السوريين يزداد حول ما يجري في بلدنا، من دون رؤية واضحة لمستقبلنا. إن المراهنة على الأميركي أو الروسي أو أي طرف أجنبي في إزاحة الأسد عسكريًا أو بالحل السياسي، يشير إلى مدى الخيبة التي نعيشها، فيما تستمر آلة القتل (غير الكيماوية!) الجسدية والمعنوية بعملها دون توقف.

لعلنا لا ننسى أنه في الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل 2017، وفيما كان أهلنا في خان شيخون يوارون الثرى أكثر من مئة شهيد، قضوا نتيجة وحشية نظام الأسد، ويحاولون لملمة جراحهم، كان أهلنا في الساحل يشيعون سبعة من أبنائهم قضوا نتيجة لتمسك الأسد بسلطة لم تجلب لبلادنا إلا الدمار والخراب، وما يزال السوريون وأبناؤهم يموتون، والأسد يرسل ابنه ليكمل دراسته في روسيا.




المصدر