on
كفرنبل ثائرة تسخر من الألم
لكلّ منزل وحيّ ومدينة في سورية قصة تطول. مدينة كفرنبل في ريف إدلب، ثائرة على الظلم والقبضة الأمنية، وساخرة متهكمة عليهما وعلى العالم، ومتمسكة بشعاراتها المدنية الجامعة، على الرغم من كلّ عرفته الثورة السورية من محاولات لسرقتها ووصمها بالجهادية التكفيرية.
وكفرنبل ليست حديثة العهد في مقارعة النظام. في يونيو/حزيران من عام 1980، أقدم أحد أبنائها ويُدعى أحمد رجب الدامور، على محاولة اغتيال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والد رئيس النظام الحالي بشار الأسد، عبر استهدافه أمام قصر الضيافة في دمشق. لكنّ حرّاسه الشخصيين حموه حينها، فيما فرّ الدامور إلى الأردن مع أخيه. وعلى الأثر، اعتقل النظام أفراد عائلته بعد مداهمة منزله في كفرنبل. حينها، كانت زوجته حاملاً فلم تخرج ابنته من السجن إلا بعد 20 عاماً، فتوجّهت العائلة إلى الأردن. وفي عام 2014 توفي الدامور هناك.
يوضح الناشط عبيدة كفرنبل في حديث إلى “العربي الجديد” أنّ “كفرنبل التي تقع في الريف الجنوبي من إدلب، كان عدد سكانها قبل الثورة في عام 2011 يبلغ نحو 35 ألف نسمة، فيما يقدّر اليوم بنحو 44 ألف نسمة، بعدما لجأ إلى المدينة نحو تسعة آلاف نازح”. يضيف كفرنبل أنّ “النظام كان ساخطاً على مدينتي منذ عقود، بسبب نشاط جماعة الإخوان المسلمين فيها، بالإضافة إلى محاولة أحد أبنائها اغتيال الأسد الأب”.
إلى ذلك، يقول كفرنبل إنّ “أهالي المدينة بمعظمهم يعملون في زراعة الزيتون والتين، فيما يخوض الشباب في بداياتهم تجربة العمل في معامل النسيج. كذلك، كنّا نجد أكثر من 800 شرطي، في حين أنّه من النادر العثور على ضابط واحد”. ويوضح أنّ “كثيرين من أبنائها لم يكونوا قادرين على العمل في مؤسسات الدولة، لعدم حصولهم على موافقات أمنية، على خلفية تقرير أو ما شابه يفيد بأنّ أحد أقاربهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين أو متعاطف معها. وذلك على الرغم من أنّ ثمّة عدداً كبيراً من المثقفين والجامعيين في مدينتي التي تضمّ كذلك أكبر عدد من الأطباء في المنطقة”. لكنّه يلفت إلى أن “التعليم تراجع بصورة كبيرة عقب الثورة، بسبب قيام النظام باعتقال الطلاب، الأمر الذي جعل عائلات كثيرة تمتنع عن إرسال أبنائها إلى الجامعات. كذلك راح تلاميذ المدارس يواجهون مخاطر القصف”.
من جهة أخرى، يفيد كفرنبل بأنّ “أبرز التيارات السياسية في المدينة كانت جماعة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي. لكنّ ثمّة من هرب من أعضائها إلى خارج البلاد وثمّة من اعتقل. وهو ما جعل كلّ أهالي المدينة متهمين، فتكثّفت التحقيقات الأمنية حولنا”. ويتابع أنّ “التدقيق عاد ليشتدّ عقب التحاق عدد كبير من شباب المدينة بالمقاومة في العراق ضد الاحتلال الأميركي”.
وعن انخراط المدينة في الحراك المناهض للنظام في السنوات الأخيرة، يقول كفرنبل إنّ “الشباب خرجوا في تظاهرات دفاعاً وتضامناً مع أهالي درعا وبانياس، وكذلك احتجاجاً على الظلم الذي كنا نعاني منه، لا سيما المتعلّق بمسألة عدم التوظيف”. ويتذكّر التظاهرة الأولى في المدينة: “كانت في بداية إبريل/نيسان من عام 2011، وكانت تضمّ 15 شاباً تقريباً. وقد انطلقت من أطراف المدينة إلى دوارها، لتتوالى بعدها التظاهرات وتكبر كما كرة الثلج، حتى إنّ أهالي المناطق المجاورة راحوا يقصدون المدينة للتظاهر”. يضيف أنّ “النظام نفّذ في منتصف الشهر ذاته حملة مداهمة للمدينة، اعتقل خلالها عدداً من الشباب. وعقب خروج قوات الأمن من المدينة، عادت التظاهرات وبزخم أكبر. فاقتحمها النظام من جديد مدعوماً بالمدرعات الثقيلة في مشهد لبثّ الرعب بين الأهالي، في بداية يوليو/تموز من عام 2011. فأُحرقت منازل ومحال تجارية فيما اعتقل عدد من شباب المدينة. وكان هذا السبب الرئيسي لبدء انشقاق أبناء المدينة عن قوات النظام، وأول حالة كانت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه”. ويكمل أنّ “في أغسطس/آب من عام 2012، أصبحت المدينة خارج سيطرة النظام، لتتعرّض إلى أوّل استهداف جوي تسبب في سقوط 26 قتيلاً وعشرات الجرحى. وحتى يومنا، يتواصل القصف بشكل متقطع”.
في سياق متصل، يتحدّث كفرنبل عن “تجارب سيّئة عانت منها المدينة، أبرزها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في بداية عام 2013. وقد عمل التنظيم على التضييق على جوانب الحياة المدنية التي تتميّز بها، فداهم مجلس المدينة وعدداً من مكاتب المنظمات المدنية والإعلامية. انتهت هذه التجربة في بداية عام 2014 عندما تمكّنت الفصائل المسلحة المعارضة من الضغط على التنظيم للخروج من المدينة من دون قتال”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الناشطين في المدينة حرصوا على تميّزها طوال سنوات الثورة، لجهة يافطاتها ولوحاتها الكاريكاتورية الساخرة والمتهكمة على كمّ العنف الهائل الذي يعاني منه السوريون في ظل صمت المجتمع الدولي. وقد ضجّت بذلك مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تناقلها السوريون بكثافة. فهي تعبّر عن حالهم”.
ويبقى أنّ أصول مدينة كفرنبل تعود إلى العصر الروماني في المنطقة، واسمها يعني “مزرعة النبلاء”. وما زال ممكنا مشاهدة آثار رومانية في المنازل القديمة وفي بعض المواقع الأثرية الواقعة في محيط المدينة.
صدى الشام