لماذا يواصل الأسد استخدام السلاح الكيماوي في قتل السوريين؟

كان السؤال الذي حاولت الإجابة عليه بعد مجزرة خان شيخون 4/4/2017، لماذا يستخدم الأسد السلاح الكيماوي في قتل شعبنا السوري؟ لم أشعر أن التحليلات التي خطرت في ذهني كافية للإجابة عن سؤال كهذا. عندما قصف صدام حسين حلبجة الكردية العراقية بالكيماوي، أعدتُ الأمور إلى فاشية صدام. لكن هل هذا كافٍ؟ بالطريقة نفسها غطى الغرب والعالم تلك الجريمة.

طرحتُ هذا السؤال على نخبة من الأصدقاء الكتاب والباحثين، منهم من أدلى بدلوه ومنهم من امتنع لأسباب متعددة، وأضع هنا بين يدي القارئ الإجابات التي حصلتُ عليها كوثيقة أو كجزء من أرشيف الثورة، ومن محاولة فهم طبيعة الأسدية وجرائمها.

أشكرُ الأصدقاء جميعاً، كما أريد أن أنوّه أن ترتيب المشاركات تم بناء على تاريخ إرسالها.

الكاتبة والأكاديمية سميرة مبيض:

أعتقدُ أن الأسد لمس دعماً دولياً غير مشروط له، أتاح له القتل والتدمير لمدة سبع سنوات، وعدم وجود نية للعقاب أو المحاسبة قد أوصلت له، عمداً أو عن غير عمد، رسالةَ أن بإمكانه الاستمرار وأنه محمي. احتاج أن يستخدم الكيماوي من جديد رغم أنه لا يحقق عدداً أكبر من الضحايا، لكنه يؤكد الدعم الدولي له، وخاصةً الأميركي بإدارته الجديدة، ويثبت ذلك لمن يشكك في دائرته الضيقة أو ضمن حاضنته الشعبية، وكل من بدأ يفكر في حلول أخرى.

لذلك كان الرد الاميركي وردود الفعل الإسرائيلية أموراً مفيدة في هذا السياق، إذ رفعت عنه علناً غطاء الدعم المطلق، الذي كان يعتقد هو وكثيرٌ من السوريين أنه غير محدود وغير مشروط.

الباحث والكاتب رستم محمود:

أظن أنا هناك هدفان وراء هذا الأمر: أولاً يريد النظام خلط الأوراق كلما وصلت المسألة إلى مكان يجب عليه أن يخضع فيه لمساومات ما، والأمر الآخر أن النظام يسعى لتفظيع الناس، للتهويل عليهم وكسر شوكتهم نفسياً وروحياً، ومن ثم تحطيم إرادتهم.

الكاتب محمد الحاج صالح:

الحافز هو اختبار أمريكا في عهد ترامب، في قناعتي أن اتصالات جرت بين إدارة ترامب وبشار الأسد، وقد تكون غير مباشرة، فهمَ منها بشار أن الإدارة الجديدة تريده معها في محاربة الإرهاب والحد من النفوذ الإيراني. وهنا أصابه الغرور وحرضته إيران على اختبار الإدارة الأمريكية بحدثٍ قوي، وهذا ما فعله. لا زال هو وإيران وروسيا يريدون انتصاراً حقيقياً كبيراً وناجزاً على المعارضة، ولا يمنع ذلك من «تلحيس» المعارضة التي ترتبها موسكو القليل من اللبن.

الكاتب بسام يوسف:

لا أخفيك يا صديقي أنني توقفت أمام هذا السؤال طويلاً منذ أن سمعت بالخبر، كان الأمر غامضاً لأن ما من أحمق يقدم على خطوة كهذه، ليس لجهة حسابات البشر وحياتهم فهذا النظام يمتلك من الوحشية ما يجعل من حياة الآخرين لغواً لا أهمية له، ولكن لجهة مصلحة هذه العصابة تحديداً.

بالنسبة لي ليس هناك أدنى شك في أن من قصف بالسلاح الكيميائي هو النظام، لكنني على يقين أن هذا النظام أصبح برؤوس متعددة، وهناك تحالفات خاصة لكل رأس من هذه الرؤوس مع أطراف وجهات دولية وإقليمية. والسؤال الذي يتبادر للذهن، أي من هذه الرؤوس أمر باستعمال الكيميائي ولماذا؟ لا يمكنني الجواب على هذا السؤال لأنني لا أعرفه، لكنني أميل إلى فكرة تعزيز تيار داخل النظام على حساب تيار آخر. ما أكاد أكون متيقناً منه هو أن صراعاً حقيقياً يدور داخل مجلس العائلة الحاكمة وتحالفاتها وارتباطاتها.

الكاتب والروائي عمر قدور:

يستخدم النظام، أو من وراءه، السلاح الكيماوي مرة جديدة في خان شيخون كنوع من اختبار لتصريحات إدارة ترامب الأخيرة، التي أعلن من خلالها عدة مسؤولين أن إسقاط الأسد ليس ضمن اهتمامات الإدارة. التصريحات وحدها غير كافية، وفق هذا التصور، بل من الأفضل اختبارها عملياً. ما يقوّي هذه المغامرة حسابات سياسية محصلتها أن إدارة ترامب لن تتورط في عمل دراماتيكي في سوريا، وهي الآن ليست جاهزة حتى لفتح جبهة واسعة ضد إيران، على رغم عزمها على المواجهة.

أيضاً هذا العامل الأخير قد يدلل على أن استخدام السلاح الكيماوي، واستفزاز الإدارة الأمريكية، قد أتى بإشراف أو قرار إيراني. في كل الأحوال، ليس مؤكداً ألا تنقلب الحسابات على أصحابها، لقد خبرَ النظام وحلفاؤه ذلك في قضية اغتيال الحريري على سبيل المثال.

الكاتب والروائي راتب شعبو:

النظام يستخدم الكيماوي لغرضين، الأول هو إيصال رسالة للسوريين عموماً بأنه طليق اليد تجاههم وقادرٌ على استخدام كل شيء ضدهم دون أن يمنعه أحدٌ فعلياً، إذ سوف يقتصر الأمر على إدانات هنا وهناك وربما على انعقاد جلسة لمجلس الأمن يتخللها فيتو روسي مع فورة إعلامية ليوم أو يومين، ثم يعود كل شيء على حاله. يريد أن يقول إنني أنا من ينتمي إلى المنظومة «المجرمة» التي تحكم عالم اليوم وليس أنتم. على هذا فإنه يقصد بالكيماوي أن يكون قاتلاً للأمل قبل أن يكون قاتلاً للروح.

الغرض الثاني هو ردع المسلحين المناوئين عن تجاوز توافقات عسكرية ضمنية، من مثل ما جرى مؤخراً في حماة. ويمكن اعتبار مذبحة خان شيخون عقاباً على التقدم الواسع الذي حققته الفصائل الإسلامية في حماة قبل هذا الهجوم الكيماوي بأيام.

الكاتب فاضل الخطيب:

قد يكون الجواب الصحيح من بين عدة تخمينات هو بعد بضعة أسابيع، من الممكن أن يكون قد تم إغراؤه من قبل الروس كي تكون عندهم حجة «أخلاقية» مقبولة للتخلص منه أو السماح بالخلاص منه، كما حدث مع غزو صدام للكويت وما قيل عن لقائه مع سفيرة أميركا في بغداد حينها، والتي أشعرته أن أميركا لا تتدخل بالخلافات بين الدول العربية. وقد يكون القرار من أحد أعوانه بهدف المساهمة بإيقاعه في ورطة قد تفضي لسقوطه وبالتالي صعود آخرين مكانه، وقد تكون رعونة منه وفقدان التوازن وتوقعه أن خطاب البيت الابيض قبل أيام بأن إسقاط الأسد ليست ضمن أولوياتهم هو جواز سفر، ما يدعوه لإخافة الداخل السوري أكثر، وقد يكون دخول قطر بشكل فظ ورعايتها ما قيل عن اتفاق بين جبهة النصرة وحزب الله بخصوص مسألة تهجير سكان الزبداني والفوعة وكفريا كل إلى مكان الآخر أعطاه متنفساً أكثر، أو شعر بقرب زواله ويستعمل طريقة «علي وعلى أعدائي يا رب»، وقد تكون التوقعات أعلاه مجتمعة ساهمت في هذه الجريمة. وربما وراء دفعه لهذه المجزرة إيران، لتقوم بعدها بمقايضته، أي بيعه مقابل تهدئة الحال مع إدارة ترامب.

الكاتب والروائي جان دوست:

من عجزه عن إيقاف الثورة ضده اولاً، ثانياً لترويع الناس وإفراغ البيئة الحاضنة للثورة، ثم وهذا الأهم، لأنه لا يجد رادعاً دولياً.

الكاتب والمترجم بكر صدقي:

يستطيع النظام طبعاً تحقيق أهدافه التدميرية بأسلحة غير السلاح الكيماوي، البراميل مثلاً أكثر فتكاً من الكيماوي وأكثر ترويعاً إذا كان الهدف هو الترويع والدفع بالعدو نحو الاستسلام أو النزوح. لكن إصرار النظام على استخدام الكيماوي، المرة بعد المرة، هو اختبارٌ دوريٌ لردود فعل المجتمع الدولي، والاطمئنان إلى أنه طليق اليدين في التصرف كما يشاء والضرب بأي سلاح كان، بما في ذلك السلاح المحرّم الذي من المفترض أنه سلّمه.

أما ضربة خان شيخون بالذات فقد جاءت بعد تشجيع حصل عليه النظام من الولايات المتحدة بالذات، بعد تصريحات مسؤوليها عن أن تنحية الأسد ليس أولوية، وأن الشعب السوري هو من يحدد مصير الأسد. فقد أراد النظام أن يختبر إدارة ترامب بعد تلك التصريحات، ليتأكد من أنه فوق القانون الدولي ولن يطاله العقاب مطلقاً. كما أنها تشكل رسالة طمأنة داخلية لقاعدته الاجتماعية بأن «أمريكا مع النظام»، فهذه الرسالة هي ما تحتاجه هذه القاعدة بقدر ما يحتاجها الأسد وأكثر.

الكاتب بهزاد دياب:

هذه ليست المرة الأولى التي يقوم النظام فيها باستخدام السلاح الكيماوي، لقد سبق واستخدمه في مناطق متعددة من سوريا كالغوطة وريف حلب وغيرها من المناطق الثائرة ضده، ومن المؤكد أن هدف النظام من استخدامه هو بث الرعب والترهيب في نفوس الشعب السوري ودفعه نحو القبول بالاستسلام والتخلي عن مطالبه في إسقاطه.

وقد استغل النظام الصمت والسكوت الدولي، واعتبره ضوءً أخضر للمضي في سياساته الإجرامية مستغلاً تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين، كوزير الخارجية الامريكي الذي صرّحَ في تركيا الأسبوع الماضي بأن تغيير بشار الأسد ليس من أولوياتهم، وإنما محاربة داعش والإرهاب هي في سلم الأولويات بالنسبة لهم، وقد فسّرَ النظام هذا التصريح على أنه ضوءٌ أخضر له كي يستمر في إجرامه بكل الوسائل.

غسان المفلح المصدر