كل هذه البشاعة الروسية والثورية
17 أبريل، 2017
نزار السهلي
ستة أعوام من المذابح، وللمرة الثامنة تستخدم موسكو حق النقض الفيتو، يكفي ذلك لتعرية نصف قرن من الأكاذيب المحمولة على شعارات طنانة وسياسات جوفاء، قدمت الحقبة السوفياتية سابقًا ذراها في الانهيار المدوي لكتلتها وأيديولوجيتها مطلع تسعينيات القرن الماضي، شكّل عندئذ الانحسار الروسي ما يشبه الانعزال عن الحقبة التي ظن أنه ورثها أو بصدد استرجاعها اليوم من البوابة السورية، وقبلها الأوكرانية والأوسيتية والقُرمية، وجعلته يتخذ طابعًا بشعًا ووحشيًا في سياسته العدوانية نحو الشعب السوري، إعادة بعث صلات موسكو مع أيديولوجيتها وشعاراتها؛ مقرونة بممارسات نقيضة في الوحشية ومتفوقة على “إمبريالية” كانت تدعي أنها شكلت سورًا منيعا في مواجهتها.
ارتسمت سعادة على وجه وليد المعلم وزير خارجية الأسد، لاستخدام موسكو حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الدولي الذي يدين استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، عبر عنها المعلم في قوله: “إحباط القرار جاء في التوقيت المناسب”. وكذا يحتفي محور موسكو بالفيتو الروسي كونه متكررًا خلال سنوات الثورة السورية وأسهم إسهامًا أساسًا في ارتفاع عدد ضحايا المجازر التي يرتكبها النظام، ويسمح لموسكو أيضًا بمواصلة العدوان على الشعب السوري، لكن اللافت أيضًا أن محور موسكو المنتشي ببطولتها، يدرك أن المقلب الآخر من التاريخ الملتصق بعلاقته مع مجلس الأمن وقرارات الفيتو الشهيرة، طالت بالأساس شعب اقتُلع من أرضه، كما يُقتلع السوري اليوم من أرضه، وعانى لليوم من الانحياز الفج والعدواني للقطب الأميركي مع المحتل الإسرائيلي، كما يعاني السوري من الانحياز الروسي لسفاح الشام محمولًا على مشاركته المباشرة في العدوان عليه.
التعرية لم تكن من نصيب السياسة الروسية فحسب، بل تطال كل الذين طافوا في فلكها يومًا ما، أو نهلوا من نهر أفكارها الثورية أو الفلسفية، أحزاب وقوى وحركات تحرر وطني ومثقفين كان مجالهم الفراغ لمدة عقدين، وحين اندلعت الثورة السورية نهضوا من عجزهم، حاملين بيد معول الهدم والانقلاب على التاريخ والأيديولوجيا المتوقفة عن “التحليل”، في ما يخص الساحة السورية، وفي اليد الأخرى يحملون منجل موسكو الحاصد لأرواح الضحايا، يُقبلونه ويثنون على بشاعة الفاشية التي تخلفها اعتداءاته المستمرة، تتبدى البشاعة ليس من الاحتفاء “بعاصفة السوخوي”، قبل عامين، من لوبيات عربية، تنتمي إلى حركات تحرر وطني وأحزاب طليعية وثورية، بل بشجاعة القاتل بالسارين والنابلم والقنابل العنقودية والفسفورية، تحول الفلك الذي دار ويدور حول موسكو إلى لوبيات قومجية وثورجية، دورها ومهمتها حماية الطاغية والثناء على جرائمه.
لكن ما الذي يجعل نقائض الشعارات والإيمان بالأيديولوجيا ينقلب على ممارسات جرى تكريسها على أرض الواقع؟ ببساطة الجواب المدوي في ميادين الشارع السوري تظهر أن حشد الدعم والتأييد للديكتاتوريات والطغاة مرده سقوط “طليعة” الجماهير وسيطرة العجز والإرباك عقودًا طويلة، مع استعادة الشارع زمام الأمور، شكل مرحلة بالغة السوء والصعوبة لمعسكر موسكو المهزوم، فوجد بوادر انتصاره تلوح وتتفاعل من جنزير الدبابة الروسية والطائرة والسارين والنابالم والفوسفور الأبيض، عله يعود متسيّدًا شعارات تهالكت مع أجساد الضحايا، هكذا تأخذ عملية التفاعل المضمون مع جرائم موسكو والانتصار لطاغية دمشق، بإعلان المواقف والانحرافات المدمرة، والقطع النهائي مع تبقى من أيديولوجيا حركات التحرر الوطني، أو القطع التام مع ثقافة لطالما بشرت بعناوين الناظم الثوري والإنساني لإسقاط الديكتاتوريات وإقامة الحريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ناظم يفقد سمته الأساسية في تحقيق مهماته، يخضع لثغرات عميقة وسحيقة، بقي في حالة التضاد المستمر مع الفاعلية “المفترضة” لا المنقرضة، يتفاعل مع نقيضها ويتحالف معها، ليُرضخ للانهيار المتبدي لحركات التحرر الوطني أولاً، ومن ثم؛ للقوى والأحزاب “الوطنية” التي اختارت تحالفاتها مع الطغاة والغزاة، كيف نفهم من أحزاب ثورية تحالفها مع طاغية يقتل شعبه بغاز السارين، وهي تشكو ممارسات المحتل، كيف نفهم تمجيدها لمجرم يعدم الآلاف من شعبه تحت التعذيب ومئات من أطرها (كادراتها)، بينما تشكو -هي- المحتل قيوده على أسراها؟ من ثم كيف نفسر كل الشعارات والأدبيات والتاريخ وكل الإرث “النضالي” بغير السقوط المدوي لراياته التي رفعت على ساريات حملها المسفوحون اليوم.
تآكل في الفهم، يليه تكلّس وعزل عن كل الأبعاد الإنسانية والأخلاقية، هي مصائر المواقف والممارسات المتبلورة منذ ستة أعوام، لا شيء يمحو هذه البشاعة التي اكتسبها اللوبي القومجي والثورجي من نقلته الكبرى والنوعية في إرضاء الطاغية والسفاح، وقطع حبالها مع الشارع قطعًا مُطلقًا، تنجح اللوبيات الداعمة للسفاح في اجترار عمل لوبيات كانت تشتكي يومًا ما من سلوكها وممارستها في تبني دعاية الاحتلال وحشد الطاقات لنصرته؛ لتجد اليوم أفضل الأساليب في نسخ الوظيفة التي تؤديها اليوم، حماية الطاغية وحمايته بكثرة المتاريس من الشعارات والأعلام، متناسية أن حركة الشعوب تفرض قوانين فعلها وتطورها على الأرض.
[sociallocker] [/sociallocker]