أتاوات حواجز النظام تشعل الأسعار في السويداء وتثير سخط أهلها


لم تكن الشمس قد أشرقت بعد عندما توجهت شاحنة لنقل مواد البناء من دمشق إلى السويداء، ورغم أن المسافة تبلغ 125 كيلومتراً إلا أن قطعها يستغرق نحو أربع ساعات بأحسن الأحوال، لكن ليس التأخر على الطريق هو ما يشكل عبئاً على السائقين ويزيد التكاليف بالنسبة لهم بل هناك أيضاً ما تفرضه الحواجز من أتاوات، حسبما يؤكد السائق “أبو عامر”، الذي تحدث لـ صدى الشام، مضيفاً: “في كل رحلة أقوم بها أدفع بالحد الأدنى 35 ألف ليرة سورية، أي نحو مليون ليرة شهرياً”.

وتابع: “أنا مجبر على الدفع لأني لا أضمن مصيري، فكل حاجز هو دولة قائمة بحد ذاتها ولا سلطة فوق سلطته، فمن يحاول أن يمتنع عن الدفع ولو مجرد محاولة قد يتم إيقافه عند الحاجز لساعات دون أن يكلّمه أحد أو يسأله ما وضعك، حتى يأتي الذي أمره بالتوقف منذ البداية، وبالإضافة لذلك فهو ممنوع من السؤال عن مدة التوقف”.

ويلفت أبو عامر إلى أنه قد يتم توقيف السائق في غرفة اعتقال الحاجز لساعات طويلة أو أيام، “وقد يُطلب منك أن تفرغ حمولتك، وإن كانت رمل أو بحص فيعني أنك خسرتها، فإعادة تعبئة أطنان منها لوحدك أمرٌ شبه مستحيل”.

واستطرد “أما الخيارات الأسوأ فهي أن يتم اعتقالك والتحفظ على السيارة، وهذا يعني أنه إذا لم تُلفّق لك أي تهمة، فمجرد دخولك إلى أحد الأفرع الأمنية يعني أنه سيتم توقيفك ما لا يقل عن ثلاثة أشهر قبل أن يتم سؤالك ما مشكلتك، ولن يُطلق سراحك بالطبع إلا بعد دفع مئات آلاف الليرات، وكله باسم الوطن وحمايتنا من الإرهابيين، فيكون دفع الأتاوات أهون الشرور”، وأوضح أن “هذه المبالغ تضاف إلى ثمن المواد، ولهذا تجد الأسعار في السويداء مرتفعة أكثر من بقية المناطق”.

 

 ابتزاز

شاهر.ع، تاجر أخشاب تطرق إلى موضوع الابتزاز الذي يتعرض له عندما يأتي ببضاعة جديدة من الساحل إلى السويداء، وقال لـ صدى الشام: “منذ أيام وصلت لي شاحنة محملة بالأخشاب، كلفتني 350 ألف ليرة أتاوات للحواجز فقط، وكل حاجز أصبح معلوماً كم تبلغ إكراميته مقابل حمايتنا، ولا حول ولا قوة لدينا”.

من جهته، قال أبو ماجد، سائق ميكروباص للنقل العام على خط دمشق السويداء: “الحواجز على الطريق بين دمشق والسويداء تشبه البوابات الجمركية، نحن ننقل معنا كميات قليلة من البضائع وخاصة للتجار الصغار، واليوم أصبحنا ندفع على كل ما نحمله، في الغالب يكلفني الطريق نحو خمسة آلاف ليرة، طبعا هذا على حساب أصحاب تلك البضائع”.

 

جميع البضائع و”المنقولات”

 تحدثت صدى الشام إلى العديد من التجار في مختلف المجالات، وأجمعوا على أنهم يدفعون أتاوات على كل البضائع القادمة من دمشق أو الخارجة من السويداء، حتى أن بعض المزارعين وتجار الخضار يبيعون إنتاجهم الزراعي بأسعار أقل مما هي عليه في السوق المحلية، وأصبحوا يتجنبون تسويقها خارج المحافظة خشية دفع أتاوات قد تفقدها تنافسيتها، كما اعتبروا أن جزءاً كبيراً من الغلاء التي تعانيه السويداء هو بسبب أتاوات تلك الحواجز، مقدرين نسبت الغلاء الناتجة عن الحواجز بأنها تفوق 30%.

يقول أبو شاكر، وهو موظف تجاوز الخمسين من العمر انتقل مع عائلته من دمشق إلى السويداء، لـ صدى الشام :”عندما نقلت أثاث منزلي إلى السويداء كان ذلك من أسوأ أيام حياتي، فعند كل حاجز كان يتم إيقافنا والتحقيق معنا من أي أتينا بهذا الأثاث رغم وجود جميع الأوراق المطلوبة والموافقة الأمنية من منطقتي، كل ذلك كان لابتزازي، يومها دفعت نحو 5 ألاف ليرة، كما أني خسرت طاولة وعددًا من الكراسي البلاستيكية إضافة إلى غاز صغير، أي ما يفوق 20 ألف ليرة”.

ولفت إلى أن “المحزن أنهم أخذوا مني المال وأغراض بيتي، وأنا لم أستطع أن أقول لهم لا أريد أن أعطيكم شيئاً، في حين كانوا يزاودونا علي بالوطنية وأنهم هنا لحمايتي، كم كنت أتمنى لو أستطيع أن أقول لهم لا أريد حمايتكم ولا رؤيتكم”.

 

غلاء

 بدأ الأهالي في السويداء يتململون من الغلاء الفاحش الذي أرهق الحياة المعيشية لآلاف العائلات في المحافظة أو النازحة إليها من مختلف مناطق البلاد، وهو الواقع الذي  تعتبر الأتاوات المفروضة من قبل الحواجز سبباً رئيساً له، حيث تعجز الكثير من العائلات عن تأمين احتياجاتها الأساسية اليومية.

يصوّر الناشط المدني في السويداء، أبو نبيل ما آلت إليه الأوضاع في المدينة، ويضيف متحدثاً لـ صدى الشام أن “أهالي المحافظة يتناقلون قصصاً للعديد من عناصر تلك الحواجز الذين تغيرت أحوالهم المادية، فاشتروا منازل وسيارات فاخرة بملايين الليرات كانت حتى وقت قريب حلماً صعب المنال بالنسبة لهم”، مضيفاً “لقد أصبحت أتاوات الحواجز حديثاً شائعاً بين الناس، وخاصة ضمن اللقاءات الأهلية، الأمر الذي قد يسبب حراكاً ضد هذه الحواجز، حيث بدأ الموضوع يثار مع مختلف الجهات للوصول إلى حل قبل وقوع أي صدامات”.

ولفت إلى أن الأمر يتفاقم في ظل تورط عناصر الميليشيات والأمن بقضايا السلب والخطف، في حين أصبحت ميليشيا الدفاع الوطني تفرض، بشكل علني، مبالغ مالية كبيرة مقابل ما يطلق عليه “رسوم ترفيق” حيث يتم إرسال دورية مع الشاحنات لحمايتها، وبالرغم من ذلك تقوم الحواجز بابتزازها وفرض الأتاوات.

 

تضييق مقصود

لكن ليست الحواجز على أوتوستراد دمشق- السويداء هي وحدها التي تأخذ الأتاوات، بل أيضاً تلك المنتشرة في المحافظة وخاصة على أطرافها الشرقية المفتوحة على البادية ومناطق شرقي البلاد، والملاصقة لمحافظة درعا أيضاً، حيث تتم عبرها نقل المواد الغذائية والوقود والأشخاص مقابل مبالغ مالية كبيرة، بواسطة شبكات تدار من متنفذين وضباط أمن فاسدين. حسبما يوضح أبو نبيل.

ويرى ناشطون أن “تضييق النظام على أهالي السويداء اقتصادياً، في ظل الفقر وانتشار البطالة، هو أمر مقصود وممنهج بهدف دفع شبابها إلى الانخراط بالقتال مقابل المال، وهو الذي يحاصر بداخلها أكثر من 35 ألف شاب رفضوا منذ سنوات الانخراط في الصراع الدائر في البلد، وقد خسر الكثير منهم دراستهم وأعمالهم جراء تمسكهم بعدم حمل السلاح”.



صدى الشام