السوريون في لبنان: ممنوع العمل


“أخي السوري.. الأمم المتحدة بتساعدك نحنا مين بيساعدنا؟” قد تُفاجأ للوهلة الأولى عندما ترى هذه اللافتة الطرقية في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، لكنكَ ستعتبر الأمر عادياً عندما تتجولُ في شوارع أخرى، وتعرف أن هذه اللافتات باتت جزءاً من الحياة في البلد ذي الاقتصاد “الرخو”، والذي يستضيف أكثر من مليون ونصف المليون سوري.

 

استياء واسع ظهرت ملامحه في الشارع اللبناني خلال الفترة الأخيرة، بسبب العمّال والمشاريع الاقتصادية السورية التي اعتبر لبنانيون أنها تقوم على حساب فرصهم في العمل، وتطوّر هذا الاستياء ليَتحوّل إلى ما يُشبه حملات في عدد من المناطق تنادي بمنع السوريين من العمل وافتتاح محلات تجارية.

هذا الواقع المستجد بتنا نراه حالياً رغم قِدَمْ عهد العمل السوري في لبنان، فموجات اللجوء المتلاحقة خلال السنوات الماضية أدت لازدياد حضور السوريين في بلاد الأرز، لكن وفي المقابل بقي كثير منهم لاجئين تتأرجح ظروفهم في مهب الاحتمالات، ليعيش مئات الآلاف دون أي إعالة أو دعم، وهو ما حتّم عليهم دخول سوق العمل اللبناني لتحصيل قوتهم اليومي، خصوصاً وأن كثيراً منهم يعيش بلا أفق لعودة قريبة إلى وطنه الأم.

 

مكافحة “العمالة الأجنبية”

 البداية من طرابلس، حيث أطلق نشطاء لبنانيون حملةً احتجاجاً على وضع محلات الموبايلات في المدينة، وقالوا إن هناك 70 محل سوري مقابل 35 محل لبناني، معبّرين عن استيائهم مما وصفوها بالمنافسة السورية، ومطالبين وزير العمل محمد كبارة بـ “حمايتهم من هذه المنافسة على رغيف خبزهم”.

وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من حملة قامت خلالها الأجهزة الأمنية بعمليات إغلاق لمحلات السوريين بشكلٍ واسع، بحجّة الرخصة وذرائع أخرى.

ومنذ بداية العام الحالي، بدأت السلطات اللبنانية بإغلاق محلات سوريين دون توضيح السبب القانوني، سوى منع منافسة العامل السوري للبناني.

وتقول وزارة العمل اللبنانية: “إن المحلّات السورية تسبب ضرراً للمؤسسات التجارية واليد العاملة في البلد”.

أم محافظ الشمال في لبنان “رمزي نهرا” فقد أكد: “أن قرار الإغلاق يأتي تنفيذاً لطلب من وزير العمل محمد كباره”، وأضاف :”ممنوع أن يضارب السوريون على اللبنانيين بمصالحهم وأعمالهم”.

وسبق أن طلبَ كبارة من المحافظين إغلاق عدد من المحلات التجارية التي يملكها لاجئون سوريون “ضمن حملة مكافحة العمالة الأجنبية غير القانونية من أجل القضاء على المنافسة غير الشرعية لليد العاملة المحلية”، وفق ما ذكرته وسائل إعلام لبنانية.

 

طريق مسدود

أمام هذه العراقيل بوجه تحصيل لقمة العيش، بات اللاجئون السوريون أو “النازحين” كما يُطلق عليهم في لبنان، أمام طريقٍ مسدود، فمن جهةٍ هم لا يحصلون على مساعدات إغاثية تكفي لسدّ احتياجاتهم الأساسية، ومن جهة ثانية تقوم السلطات اللبنانية بمنعهم من افتتاح مشاريعهم الخاصة بحجة منافسة المشاريع المحلية، أما من جهةٍ ثالثة فإن عمل السوريين لدى اللبنانيين أيضاً له مثالبه ومشكلاته الناجمة عن اتهامهم بمنافسة اليد العاملة اللبنانية كذلك.

حمّاد، لاجئ سوري يعيش في لبنان منذ أكثر من 4 أعوام، هرب بعد اعتقاله وإطلاق سراحه في مدينة حمص متجهاً نحو طرابلس.

أغلقت السلطات اللبنانية محلّ حمّاد أواخر عام 2016 الماضي، بحجّة عدم امتلاكه الرخص والوثائق اللازمة لافتتاحه. يقول لـ صدى الشام: “افتتحتُ سوبر ماركت صغير بعد أشهر من قدومي إلى طرابلس، وذلك بمبلغٍ كنتُ قد وفّرته خلال تواجدي في سوريا”. وأضاف حماد أنه كان يحصّل من خلال هذا محلّ قوته اليومي لا أكثر، ويركّز أكثر على بيع المنتجات السورية التي تخص اللاجئين السوريين، وأن معظم زبائنه كانوا منهم، لكن تمّ إغلاق محله بحجة منافسة أقرانه اللبنانيين.

ويعقّب على ذلك: “لم أنافس أحداً حتى أن معظم بضائعي كنت أجلبها من سوريا والنسبة الأكبر من الزبائن سوريون”، موضحاً أنه منذ ذلك الوقت يبحث عن عملٍ دون جدوى، فيما تراكمت عليه أجرة المنزل والمصاريف الأخرى.

لا يختلف الأمر كثيراً عند “مصعب” الذي افتتح صالوناً للحلاقة في طرابلس ، لكنه أُغلق بعد أشهرٍ من افتتاحه، لأنه ينافس صالونات الحلاقة اللبنانية ويسحب الزبائن منها. بحسب السلطات اللبنانية.

يقول مصعب لـ “صدى الشام”: “إن الأجهزة الأمنية اللبنانية قامت بإغلاق معظم صالونات الحلاقة السورية التي يبلغ عددها أكثر من 30 في طرابلس وحدها”.

ويضيف: “أنا مسؤول عن كلامي، من النادر أن يقوم مواطن لبناني بحلاقة شعره أو تزيينه في أي من الصالونات السورية بسبب الاختلاف بالأذواق في هذه المهنة”، لافتاً إلى أن الحلاق سوري والزبائن سوريون والأموال التي تصرف وتُعطى سوريّة فلماذا تم إغلاق الصالون، يتساءل مصعب.

 

 

ملاحقة

ولا تتوقّف معاناة السوريين عند افتتاح مشاريعهم الخاصة، وإغلاقها بحجّة منافسة المشاريع اللبنانية، فإذا اتجه السوري إلى العمل بأجر عند اللبناني فسوف يواجه التهمة ذاتها، بأنه يقوم بمنافسة اليد العاملة المحلية.

هذا الأمر بات يحدث بعد أن تبدّلت عادات العمل السوري في لبنان، فقبل اندلاع الثورة السورية، كان هناك الكثير من العمّال السوريين في هذا البلد الصغير، لكن معظمهم كانوا يمثلون حالة مؤقّتة، ويقومون بجمع مبلغ مالي لفترة تطول أو تقصر أو تتواتر ليكملوا حياتهم في بلدهم، أما اليوم وبعد هذا السيل الهائل من اللجوء اختلف الوضع، وبات العمل للسوريين حاجة ملحّة ومستدامة، والأهم أن الدخل والإنفاق يتركّز داخل لبنان وليس في سوريا.

“ابراهيم س” عمل في منطقة الحدث ببيروت لمدّة أشهر في استراحة تقدّم بعض المشروبات والسندويش للسيارات العابرة، وبعد أشهر أوقفته دورية للأمن العام اللبناني وطلبوا منه ترك العمل لأنه يأخذ فرصة مواطنين لبنانيين عاطلين عن العمل ومن حقّهم أن يأخذوا هم دوره. كما قيل له.

ويشير ابراهيم إلى أن مالك المقهى حاول الدفاع عن بقائه في العمل لكن الدورية أخبرته أنه من الممكن أن يتحمّل المسؤولية لأنه أجنبي ويعمل دون تصريح عمل، ما اضطره لتركه فوراً.

كان الشاب البالغ من العمر 26 عاماً يتقاضى 450 دولار شهرياً، ويعمل لمدّة 10 ساعات يومياً، وهو يؤكّد أنه من المستحيل أن يقبل أي شاب لبناني بالعمل بهذا المبلغ، لافتاً إلى أنه اضطر للقبول بسبب عدم وجود فرص مناسبة وكافية.

على غرار ابراهيم، يوضّح ناشط حقوقي سوري مقيم في لبنان، أن الأمن اللبناني لا يلاحق السوريين ضمن عملهم فقط، وإنّما يقوم بمتابعة إقامتهم، كأن يمنع السوريين الذين دخلوا بإقامات طلّابية من العمل ويقوم بملاحقتهم، ما يجعل مهمّة التحصيل العلمي أمراً صعباً بالنسبة للسوريين والطلّاب منهم على وجه التحديد، الذين بدأ قسم كبير منهم بمغادرة هذه الجامعات والسفر لدولة ثالثة أو العودة إلى سوريا.

 

 

صعوبة قوننة العمل

يضيف الناشط الذي رفض الإفصاح عن هويته لـ “صدى الشام”: “أنه ما من مسّوغٍ لإغلاق المنشآت الاقتصادية للسوريين أو حتى منعهم من العمل بحجّة أنها لا تملك إطاراً قانونياً، ويتابع: “في الوضع الطبيعي من الممكن مطالبة هؤلاء بتسوية الوضع القانوني والترخيص، لكن في الحالة السورية فإن هناك لاجئين لا يملكون وثائق تثبت هويتهم بسبب الحرب، وهم بالوقت ذاته غير قادرين على العودة إلى بلادهم ما يجعل التذرع بضرورة ترخيص المنشآت تغطيةً على السبب الحقيقي المتمثّل بالضغط على جهاتٍ دولية للحصول على مزيد من المساعدات التي تأتي على اسم السوريين ولا يحصول إلى على القليل منها فقط”.

أما فيما يخص إبعاد العمّال عن عملهم الذي يدرّ لهم مبالغ زهيدة، بسبب منافسة اليد العاملة اللبنانية، فأوضح الناشط أن هذا الأمر يمثّل أكبر اعتراف بأن “أصحاب العمل في لبنان يقومون باستغلال السوريين من حيث الرواتب وساعات العمل، والسبب الأبرز في ذلك هو تقصير السلطات في حماية السوريين من هذا الاستغلال ومنحهم حقوقهم العمّالية”، لافتاً إلى أنه في حال تطبيق القرارات الخاصة بمنع العمل ومنع فتح المنشآت فإن السوريين من الممكن أن يموتوا جوعاً في لبنان.

 

 

تصاعد الخطاب المعادي

ومع استمرار هذه الأزمة، بقي لبنان من أواخر الدول التي من المحتمل توجه السوريين إليها، بعد إغلاق طريق البلقان إلى أوروبا، وفرض تركيا تأشيرة دخول على السوريين، حيث تتصاعد وتيرة الخطاب الرافض للنزوح من قبل المسؤولين اللبنانيين، تزامناً مع ازدياد عددهم بعد دخول ما يُعرف بـ “نظام الكفالة” حيز التنفيذ.

وكان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اعتبر أن بلاده تقترب من “نقطة الانهيار” بسبب ضغوط استضافة 1.5 مليون لاجئ سوري” معرباً عن خشيته من اضطرابات قد تندلع بسبب التوتر بينهم وبين اللبنانيين.

وتابع: “نحن لا نريد اتخاذ قرارات كما فعلت بلدان أخرى فتحت أبوابها وتركت السوريين يذهبون إلى أوروبا”، في إشارة إلى تركيا التي تستضيف قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري”.

ومنذ بدء الثورة السورية، دقّت بيروت والمنظمات الدولية مراراً ناقوس الخطر للتنبيه إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في ظل وجود اللاجئين، غير أن الحريري أكد أن الوضع أكثر خطورة من أي وقت مضى، خصوصاً على الصعيد الاجتماعي.

ووسط هذه التطوّرات، تغيب أي حلول في الأفق على صعيد المعارك في سوريا، ما يجعل عودة هؤلاء اللاجئين حلماً بعيد المنال حالياً، ليواجهوا مزيداً من المصاعب مع مرور الوقت، ومع تصاعد الخطاب الرافض لوجودهم، بغض النظر عن الأسباب والذرائع.



صدى الشام