‘المحلل المتخصص بالشأن الروسي “بسام البني”: الروس يدافعون عن مصالحهم التي تقتضي التوصل إلى حل سياسي في سوريا’

18 أبريل، 2017

عاشت الأوساط الديبلوماسية الروسية تخبطاً واضحاً في أعقاب المجزرة الكيميائية التي ارتكبتها قوات النظام في خان شيخون، وما تلاها من ضربة أمريكية على مطار الشعيرات، هذا التخبط ظهر جلياً من خلال تداول أكثر من رواية متناقضة من قبل الروس للالتفاف على الحقيقة الدامغة المتمثلة بتورط نظام الأسد في هذا الهجوم.

ولذلك فقد حاولت موسكو حشد تأييد دولي لإجراء تحقيق حول المجزرة في محاولة منها -على ما يبدو- لامتصاص الضغوط، ومع الحراك السياسي الذي عاشته العاصمة الروسية عاد الحديث عن خيارات جديدة ومواقف مختلفة محتملة قد يتخذها الروس حيال نظام الأسد.

ورغم أن التجارب السابقة مع روسيا تؤكد لجوءها بين وقت وآخر لمناورات سياسية توحي بالمساومة على مصير الأسد، فقد اعتبر رئيس “حركة الدبلوماسية الشعبية السورية”، والمحلل السياسي المتخصص بالشأن الروسي، بسام البني، أن روسيا قد تتخلى عن بشار الأسد في حال ثبت لها استخدامه للسلاح الكيمياوي في مدينة خان شيخون، وزعمَ البني أن روسيا غير متمسكة بالأسد بقدر تمسكها بالشرعية الدولية، مشيراً كذلك إلى أن قتالها في سوريا، بغرض الدفاع عن مصالحها في المنطقة.

وفي حوار خاص بـ”صدى الشام”، استبعد البني من موسكو، حديث بعض المراقبين احتمال حدوث صدام عسكري  في سوريا بين الأطراف الدولية الفاعلة، مُرجعاً ما يجري من توترات بين واشنطن وموسكو إلى رفع كل منهما لسقف تصريحاته بغية الحصول على تنازلات أكبر في القمة المرتقبة التي ستجمع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بنظيره الروسي فلا ديمير بوتين.

 

وفيما يلي نص الحوار:

– لم تُظهر موسكو حتى الآن ليونة في التعاطي الدولي ما بعد مجزرة خان شيخون، فإلى أي مدى ستبقى ثابتة على مواقفها، وهل تتوقعون تغيراً في سلوكها السياسي حيال النظام السوري؟.

الروس دائماً يحاولون تثبيت فعالية الاتفاقيات التي تم التوصل إليها ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهم يصرون على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بخصوص ما حدث في خان شيخون، وقبل استهداف الولايات المتحدة بشكل فردي لمطار الشعيرات العسكري أبلغت الروس بذلك، نظراً لوجود اتفاقية تنسيق جوي مشترك بين روسيا والولايات المتحدة لمنع التصادم، ولذلك لم تستخدم روسيا منظوماتها الدفاعية احتراماً لبنود تلك الاتفاقية التي أشرنا إليها، لكن بما أن الولايات المتحدة لم تحترم ذلك، أعلنت موسكو في اليوم التالي عن تعليق الاتفاقية.

 

– مع أن النهار لا يحتاج إلى دليل، لكن في حال ثَبتَ لروسيا مسؤولية النظام المباشرة عن هذه المجزرة، فهل سيكون هنالك تغيير جوهري في موقفها، أم أن ذلك لن يحدث نهائياً؟.

في حال ثبتَ (لروسيا) استخدام النظام للسلاح الكيميائي فعلى الغالب لن تبقى إلى جانبه، وستتخلى عنه، وستحاول أن تحمي مصالحها في سوريا بدون النظام وبأدوات جديدة، فالروس يتمسكون بالنظام لأنهم يعتبرون أن قواته هي القوات الوحيدة القادرة على القتال على الأرض، بالتالي هي لا ترغب أن ترسل قواتها البرية للقتال، نعم هي أرسلت كتائب رمزية للشرطة، لكنها كتائب صغيرة، أي  ما زال الروس يعتمدون على جيش موجود، ولذلك هي تدافع عن النظام، بمعنى آخر إن كان النظام وراء مجزرة الكيماوي فإنه وضعَ حليفته روسيا في موقف لا تحسد عليه، وهي التي تتعرض اليوم لكل هذا التصعيد العالمي.

 

– بعيداً عن حديث روسيا عن الشرعية الدولية وما إلى ذلك، اليوم لدينا معطيات جديدة بعد الضربة، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد اتصالاته مع حلف الناتو، بعد أن كان ينظر له بشيء من الدونية، وكذلك الصين تراجعت عن موقفها الداعم للروس في الملف السوري. أمام ذلك إلى متى ستبقى روسيا لوحدها قادرة على التمسك بالأسد؟

 

روسيا لن تدخل في حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، فهذا ضرب من الجنون، لكن الخيارات متاحة لدى الروس في المضي بمواقفها، ودعني هنا أنقل ما يتحدث به بعض المحللين والسياسين الروس عن خيارات روسيا، هم يتحدثون عن خيارات عديدة، من بينها إعلان سوريا منطقة تحت حماية القوات الروسية، ومنع أي طرف من الاقتراب منها شأنها بذلك شأن الأراضي الروسية، وكذلك لديها خيار استخدام الأسلحة المتطورة مثل المنظومات الجوية الدفاعية المتطورة التي تمتلكها بعد الإعلان من موسكو عن تزويد النظام السوري بها، حتى وإن لم يسلموه إياها. بالتالي روسيا تتصرف بعقلية باردة، وتمضي فيما تريد غير آبهة بما يجري.

أضف إلى ذلك أن هذا التصعيد الذي تقوم به الولايات المتحدة، خصوصاً بإعلانها عن استخدام السلاح الجديد المسمى بـ “أم القنابل” في أفغانستان، هو تصعيد دعائي قبل القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين، وهو أيضاَ للاستهلاك الداخلي، بالتالي يجب ألا نعطي الأمور أكثر من حجمها، ودعني أشير هنا وبكل وضوح إلى أن كل الأطراف غير بريئة من الدم السوري، أي لا يوجد في سوريا ملائكة، سواء من الروس أو الأمريكان أو الأتراك أو إيران أو…. الكل يبحث عن مصالحه.

 

 -تحدث بعض المراقبين عن أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو مؤخراً كانت بهدف عقد صفقة مع الروس لدفعهم للتخلي عن الأسد، ما تعليقك على هذا؟

في السابق أسمعت روسيا كل من زارها من المسؤولين السعوديين بأنها دولة لا تساوم على مقايضة الأسد مقابل مكاسب، لقد أبدت روسيا انزعاجاً حيال هذه الطريقة، ولذلك تمسكت بالأسد إلى هذا الحد، فهي دولة لا تبيع، لأنها تقول إنها تدافع عن الشرعية الدولية، ولا تريد تغيير الأنطمة السياسية في العالم بالقوة، وسأتحدث لك نقلاً على لسان مسؤول روسي كبير، أكد لي أن روسيا تلقت عرضاً مالياً كبيراً من مسؤولين من الخليج العربي مع بداية الثورة مقابل تخليها عن الأسد، وكان العرض يتضمن شراء سلاح وتعاون اقتصادي واستثمارات في روسيا، لكن بوتين رفض هذا العرض، وتكرر الأمر مع عرض أكبر، لترد روسيا بشكل حازم.

 

– لكن نحن نتحدث عن طرف أمريكي، سيما وأن الظروف تغيرت، إذ لم يبقَ من داعم للأسد إلا الروس فقط، وأضف إلى ذلك الحديث أيضاً عن بوادر خلافات بدأت بالظهور في المحور السوري الإيراني الروسي؟

عبر التاريخ لا وجود لحلفاء دائمين ولا أعداء دائمين، في الحروب تجد هناك من يتحالف مع طرف ومن ثم قد يتحول هذا التحالف إلى عداوة أيضاً، أي أن الأمور تقاس بحسب المعطيات المتغيرة، وفي الحالة السورية ظهرت تحولات في المواقف، بالتالي الروس والأمريكان يدركون ذلك.

 

– أثناء زيارة وزير الخارجية تيلرسون الأخيرة إلى موسكو، صرح نظيره الروسي لافروف بأنه “ينبغي ألا تتكرر الضربات الأمريكية للنظام السوري”، بالمقابل فإن تيلرسون لم يستبعد ضربات أخرى مستقبلاً، هل يعني هذا التضارب في التصريحات فشل الزيارة في تحقيق أهدافها، وهل سنشهد ضربات أخرى؟

 

إن كلاً من روسيا وأمريكا ترفعان من سقف التصريحات للحصول على تنازلات في القمة المرتقبة، بمعنى آخر ليس هناك من فشل وهو غير مسموح أصلاً، أما عن الضربات فلندعه للقادم.

 

– لننتقل إلى محور آخر، ما هو تأثيرالتطورات الأخيرة المتسارعة، أي ارتكاب النظام لمجزرة خان شيخون، وأيضاً الضربات الأمريكية التي وجهت لمطار الشعيرات، على مسار العملية السياسية السورية، وهل تتوقعون تغييراً سلبياً أم إيجابياً؟

بالتأكيد سيكون لذلك تأثيرٌ كبيرٌ، لكن بأية وجهة لا أستطيع الجزم، أعتقد أن روسيا ماضية في التوصل إلى حل سياسي سلمي، وتسعى إليه بكل قوة، وقد تضطر لاستخدام السلاح من أجل التوصل لذلك.

 

– ضدّ أية جهة تقصد، هي استخدمته وما زالت ضد المعارضة؟

ضد الطرف الذي يعطل الحل السياسي وحتى إن كان النظام، بالنهاية الروس يدافعون عن مصالحهم، وهذه المصالح تقتضي التوصل إلى حل سياسي في سوريا. الروس بحاجة أكثر من أي طرف للوصول إلى حل في سوريا، لأن روسيا أصبحت جزءًا من الوضع القائم.

 

– اليوم يذهب كثير من المحللين إلى وصف الجولة القادمة من المفاوضات في جنيف بـ”الحاسمة”، وأكثر من ذلك ذهب بعضهم إلى الحديث عن بديل للأسد، ولدي معطيات تفيد بأن الرئيس الأمريكي ترامب طلب من وسائل إعلامية طرح تساؤلات عن بديل للأسد؟

 

نعم هناك حالة من التصعيد غير المسبوق، وتحدثنا عن الرسائل السابقة بين واشنطن وموسكو، بالتالي هناك رهانات من طرفي الصراع السوري على تنازل الطرف الآخر بشكل أكبر من السابق، اليوم لدى المعارضة شبه يقين بأن هذا التصعيد الأمريكي سيؤثر على موقف النظام، وهو ما يمكنها من الحصول على تنازلات أكبر من ضمنها البدء بمرحلة انتقالية، لكن أقول هنا بأنه لدى كل طرف أوراقه التي يلعب بها، لا نعلم ما هي الأوراق التي يمكن أن تقلب الطاولة، وأثبت لنا الوضع السوري أنه لا النظام استطاع إنهاء المعارضة ولا المعارضة فعلت ذلك، وكذلك أثبتت لنا الحرب السورية بأن كل توقعاتنا كانت خاطئة، واللعبة الدولية اليوم أكبر من مستوى التحليل السياسي، هناك مصالح متضاربة وتحالفات متشابكة. أما عن الشق الثاني من السؤال، فيما يتعلق بالروس، فلا أعتقد أن هناك حديثًا عن بديل للأسد، على الأقل في الوقت الراهن.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]