بَصَمات للنظام في تفجير “الراشدين”.. وخسائره على امتداد الجبهات


شهد تنفيذ اتفاق “المدن الأربع” والقاضي بتهجير سكان ومقاتلي بعض المناطق في ريف دمشق مقابل خروج أهالي ومسلحي بلدتي كفريا والفوعا المواليتين في إدلب، تعثراً وأحداثاً دامية، في وقت تكثفت الضغوط  الدولية على نظام بشار الأسد، وخاصة الأمريكية، وذلك بعد استخدامه السلاح الكيمياوي في بلدة خان شيخون بإدلب.

وبينما كانت الحافلات التي تُقلّ الخارجين من كفريا والفوعة تتجمع في حي الراشدين، غربي حلب، إثر تعثر تنفيذ الاتفاق لبعض الوقت، ضربَ تفجير قوي تلك الحافلات ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين والمسعفين ومقاتلي فصائل المعارضة.

وتعددت التفسيرات حول طبيعة التفجير، هل تمّ بسيارة مفخخة أم بانتحاري يقود سيارة، مع تأكيد وسائل إعلام النظام الفرضية الثانية، فيما تؤكد مصادر في المعارضة السورية المسلحة مسؤولية النظام عن المجزرة، في حين وجدَ آخرون بصمات تنظيم “داعش” في التفجير.

وذكر التلفزيون الرسمي أن “انتحارياً كان يقود سيارة فجّر نفسه في الجموع، بينما أكدت مصادر المعارضة أن إحدى السيارات التي أرسلها النظام إلى العالقين في الحافلات الخارجين من كفريا والفوعة على أساس أنها تحمل طعام وأدوية، انفجرت بين الحافلات.

وكان اتفاق “المدن الأربع” الذي عقد بين النظام وإيران من جهة، وجيش الفتح من جهة ثانية، تعثّر تنفيذه بسبب عدم احترام ميليشيات ايران لبنود الاتفاق، وبعد مرور ساعات على المجزرة، نجحت الاتصالات في استئناف عملية تبادل قوافل المهجّرين بين النظام والمعارضة في نقطة التجمع في حلب، حيث وصلت الحافلات من كل جانب إلى هدفها الأخير وهو مدينة إدلب بالنسبة للخارجين من ريف دمشق وزاد عددهم عن 3000 شخص بينهم 400 مقاتل من الجيش الحر، ومناطق سيطرة النظام في حلب بالنسبة للخارجين من كفريا والفوعة والذين زاد عددهم في الدفعة الأولى عن خمسة آلاف شخص.

وقد بدأت تتكشف بعض المعطيات حول التفجير في حي الراشدين بما يشير إلى تورط النظام في التفجير بهدف استغلاله للمتاجرة به سياسياً وإعلامياً، وفي هذا الإطار نشرت صفحة “دمشق الآن” الموالية خبراً قبل ساعتين من وقوع التفجير، قالت فيه إنه تم “برعاية اللجنة الصحية وبالتعاون مع الهلال الاحمر إدخال طعام وأغذية لأطفال كفريا والفوعة العالقين لدى المسلحين بمنطقة الراشدين في حلب”، لتعود وتؤكد أن “السيارة المفخخة التي انفجرت قرب تجمع أهالي كفريا والفوعة في الراشدين كانت محملة بمواد غذائية للأطفال”.

وبعد أقل من ساعة عدّلت الصفحة الخبر ليصبح “الشاحنة التي فجرها الانتحاري كان يفترض أن تكون محملة بالمواد الغذائية”.

وتقول المعارضة إنه “بعد توقف قافلة أهالي كفريا والفوعة في منطقة الراشدين بريف حلب، وأهالي مضايا والزبداني في منطقة الراموسة جنوب حلب نتيجة عرقلة المفاوضات، أرسل النظام ثلاث سيارات محملة بالمواد الغذائية والطبية من طريق حلب-الراموسة للخارجين من كفريا والفوعة، وأدخلتها المعارضة من دون تفتيش على أنها محملة بالمواد الغذائية والطبية، وبعد أقل من 20 دقيقة انفجرت إحدى هذه السيارات”.

وأعلنت فصائل المعارضة مقتل 30 من أفرادها في هذا التفجير، وهم من عناصر حواجز المعارضة في منطقة الراشدين، الذين كانوا يقومون بعملية تنظيم خروج ودخول حافلات المهجرين من بلدتي مضايا والزبداني باتجاه إدلب وحمايتهم، وأيضاً حافلات المدنيين والمسلحين من أهالي كفريا والفوعة بريف إدلب نحو مدينة حلب.

ومن الدلائل على تورط النظام في التفجير، الصور التي بثها ناشطون عبر مواقع التواصل والتي تُظهر عناصر الهلال الأحمر السوري التابع للنظام في مكان يبعُد ويشرف على موقع التفجير دون أن يقتربوا من المكان، وبعد حصول الانفجار لم يتوجهوا لأداء مهامهم في إسعاف المصابين.

 

معارك ضد قوات النظام

 في غضون ذلك، تواصلت المعارك بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام على أكثر من جبهة في أنحاء البلاد، ففي مدينة حماة، أكدت فصائل المعارضة خروج مطار حماة العسكري التابع لقوات النظام عن العمل، وذلك بعد استهدافه بأكثر من 30 صاروخاً من نوع “غراد”، وعشرات قذائف المدفعية، ما تسبب بأضرار كبيرة في المطار واحتراق عدد من الطائرات والآليات العسكرية داخله.

كما أعلنت الفصائل تدمير عدد من الآليات والدبابات لقوات النظام واغتنام أخرى في عدد من محاور القتال.

وتحاول قوات نظام الأسد المدعومة بالميلشيات الأجنبية التقدم إلى مدينتي حلفايا وصوران ومناطق أخرى، لكن فصائل المعارضة تتصدى لتلك المحاولات.

ومن جهتها، صعدت طائرات النظام وروسيا قصفها على مدن وبلدات ريف حماة الشمالي واستهدفتها بعشرات الغارات والبراميل المتفجرة، بما في ذلك استخدام قنابل الفوسفور والأسلحة المحرمة دولياً ما أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، واشتعال الحرائق ودمار كبير في ممتلكاتهم.

أما في جنوبي البلاد، فقد ألقت الطائرات المروحية التابعة للنظام عشرات البراميل المتفجرة على أحياء درعا البلد ومنطقة الجمرك القديم فيما شنت الطائرات الروسية غارات جوية، بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية على حي المنشية في درعا البلد، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي من قبل قوات النظام المتمركزة على أطراف الحي.

جاء ذلك بعد تمكن فصائل المعارضة السورية من تحقيق تقدم جديد في إطار سعيها لإنهاء وجود قوات النظام في حي المنشية، آخر معاقله في درعا البلد.

وأفادت “غرفة عمليات البنيان المرصوص” بأنها سيطرت على مواقع جديدة لقوات النظام في الحي المذكور، وقتلت الكثير من عناصر النظام والمليشيات الموالية له، وأشارت إلى أنها سيطرت على نقطة المقسم التي تعتبر غرفة تواصل لقطاعات النظام ومقرّ قيادة عسكرية، إضافة إلى حاجزين، وأوضحت الغرفة أن “المعارك تتمحور حول السيطرة على حاجز الإرشادية، آخر مواقع النظام في حي المنشية”.

كما أعلنت فصائل المعارضة السورية سيطرتها على أكثر من 30 نقطة عسكرية في حرستا الغربية، وبساتين برزة شرقي العاصمة دمشق، واغتنام دبابتين وعربة BMB، إضافة لقتل عدة عناصر لقوات النظام، وجاء هذا إثر هجوم مباغت للمعارضة على مواقع عسكرية، كانت قوات النظام قد سيطرت عليها في الفترة الماضية، لكن سرعان ما انسحبت منها، لأن الهدف كان تكبيد النظام خسائر وليس التشبث بالأرض كما أعلنت تلك الفصائل.

 

معركة الرقة

 وفي شرقي البلاد، أعلنت مليشيا “قوات سورية الديمقراطية” بدء اقتحام مدينة الطبقة المحاصرة في ريف الرقة الغربي، وسيطرتها على قريتين في أطراف المدينة، وذلك في إطار المرحلة الرابعة من حملة “غضب الفرات”.

وذكرت “قسد” على حسابها على موقع “فيسبوك” أن مقاتليها دخلوا مدينة الطبقة وسيطروا على حيي عايد الصغير غربي المدينة، والإسكندرية في جنوبها الشرقي وقتلوا 16 عنصراً من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مشيرة إلى أن العملية مستمرة بمساندة طيران التحالف الدولي.

وكانت الميليشيا أعلنت سيطرتها على قرية مشيرفة الشمالية شمالي الرقة، بعد معارك مع “داعش” قُتل خلالها 27 عنصراً للتنظيم، وذلك بالتزامن مع اقتحام الأحياء الشرقية والغربية الأولى لمدينة الطبقة والتي تُعدّ ضمن مدينة الطبقة القديمة.

من جهة أخرى، نقلت وكالة “سمارت” عن مصادر محلية قولها إن “لواء صقور الرقة” التابع لـ”قوات سورية الديمقراطية” سحب قواته من محيط مدينة الطبقة بعد الغارات الأميركية التي استهدفته بالخطأ قبل يومين.

وقالت المصادر إن اللواء المذكور وهو من أبرز فصائل المكون العربي داخل “قسد”، سحب كامل قواته من محيط مدينة الطبقة، إلى مدينة تل أبيض شمالاً للتحقيق في ملابسات الغارات، حيث ساد التوتر بين المكونين العربي والكردي.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية أوضحت في بيان لها أن الضربة كانت بناء على تحديد “قسد” لإحداثيات الموقع المستهدف على أنه موقع لتنظيم “الدولة” ليتضح بعدها أن الموقع للواء المذكور، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى بين عناصره.

وفي السياق ذاته، ذكرت مصادر محلية أن خلافات حادة نشبت مؤخراً بين مسؤول فصيل “قوات النخبة” التي يقودها رئيس الائتلاف الوطني المعارض السابق أحمد الجربا، و”قوات سورية الديمقراطية”، أفضى إلى عزل الفصيل من المشاركة في معركة الرقة وإعادة أفراده من حيث أتوا، وأوضحت أن “الإشكال بدأ مع قيام عناصر من فصيل النخبة بفتح باب التطويع أمام رجال المنطقة، وحثهم على الانضمام إلى صفوفها، وترك قوات “قسد” ما أثار انزعاج قيادة الأخيرة، خصوصاً بعد أن حصلت على شهادات حية من بعض المواطنين في المنطقة حول تواصل قوات النخبة معهم وإبلاغهم بضرورة العمل ضمن صفوفها.

وتضم “قسد” عدداً من الفصائل الكردية والسريانية والتركمانية والعربية، بقيادة “وحدات حماية الشعب” الكردية، وهي الجناح العسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا.

 

النظام مُحاصَر سياسياً

 وبعد الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات، والتصعيد السياسي واللفظي الأميركي الغربي تجاه نظام الأسد لدرجة وصف الرئيس الاميركي رئيس النظام بـ”الحيوان”، تداعى حلفاء النظام إلى عقد اجتماع طارئ في موسكو لمواجهة الموقف.

وفي استمرار لتصعيد اللهجة الروسية، اعتبر وزير الخارجية سيرجي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية النظام وليد المعلم والإيراني محمد ظريف، أن الضربة الأميركية لمطار الشعيرات “تمثل عملاً عدوانياً وانتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.

وأعلن لافروف أن الوزراء الثلاثة بحثوا التحضير لعقد اجتماع جديد حول سوريا في أستانا مطلع مايو/أيار المقبل، مشيراً إلى أن خبراء من روسيا وإيران وتركيا سيُجرون في طهران مشاورات في إطار عملية أستانا.

وخصّص لافروف جزءاً كبيراً من كلامه في المؤتمر الصحافي لنفي وقوع مجزرة في خان شيخون، متحدثاً عن “توفر شهادات عديدة تدل على أن استعمال الكيميائي في محافظة إدلب كان مسألة مفبركة”، مضيفاً أن “محاولات عرقلة الاقتراح الروسي الإيراني الخاص بإجراء تحقيق موضوعي غير نزيهة”.

من جهته، أكد المعلم أن نظامه لن يوافق على إجراء تحقيق في “القصف المحتمل” في خان شيخون من الأراضي التركية.

وتحاول التصريحات الروسية التشكيك في النتائج التي أثبتت استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، واستباق النتائج التي ستصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أرسلت فريقاً من خبرائها إلى تركيا لجمع عينات في إطار التحقيق بشأن الهجوم، وأعلن وزير الصحة التركي، رجب أقداغ، وفاة 6 أشخاص من أصل 34 مصاباً نقلوا إلى تركيا عقب الهجوم الكيميائي على خان شيخون، مؤكداً أن نتائج التشريح كشفت استخدام غاز السارين في الهجوم بشكل قطعي، كما أعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة، جواد أبو حطب، في تصريح صحافي أن نتائج الفحوصات التي أجرتها المؤسسات المستقلة أظهرت وجود مادة السارين في مكان وقوع هجوم خان شيخون، مؤكداً مسؤولية نظام الأسد عن تلك الهجمات.



صدى الشام