تباين في الرأي السوري العام حول معارك دمشق الأخيرة
19 أبريل، 2017
تشنّ كتائب معارضة في الغوطة الشرقية منذ عدة أيام هجوماً عنيفاً على منطقة العباسيين في العاصمة دمشق التي يسيطر عليها النظام السوري، وأطلقت كتائب المعارضة على علمياتها العسكرية الأخيرة اسم “يا عباد الله ،اثبتوا” وذلك بعد يوم واحد من انطلاق عمليات التهجير في حي الوعر بمدينة حمص، وقد شكلت هذه المعارك صدمة مفاجئة وغير متوقعة لقوات النظام، وعلى إثر انطلاق المعارك قام الأخير على الفور بنشر قواته من الفرقة الرابعة في محيط المنطقة الساخنة، وأطلقت طائراته مدعومة بطائرات حليفه الروسي حملة قصف عشوائي مكثف على المنطقة وغيرها من المناطق البعيدة عن مكان الحدث مئات الكيلومترات.. إذ لم تسلم منه إدلب وريفها وغيرهما في الشمال السوري حيث قامت طائراته بعدة مجازر استهدفت المدنيين.
وقد تركت المعارك الأخيرة أثرها في الشارع السوري عموماً وفي الشارع الثائر خصوصاً وذلك لأنها أتت في سياق مضطرب للغاية حيث عمليات التهجير تجري على قدم وساق وبرعاية دولية، واللامبالاة الأميركية بالملف السوري والتي ترجمت بصمت سعودي أميركي مطبق إبان زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن الأسبوع الماضي، فضلا عن العلاقة التركية المرتبكة مع أوروبا خلال الأيام القليلة الماضية، وقد شكلت تلك المعطيات وغيرها عمود المحاججات السورية إثر الانقسام الحاصل والذي تنعكس مفرداته على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما الفيسبوك فشهدت صفحاته نقاشاً حاداً يعبر عن توجهات الرأي السوري العام المتناقض حيال قضاياه اليومية.
وبينما رأى بعض السوريين بأن هذه المعارك درع حقيقي لمنع عمليات التهجير التي من الممكن أن يقوم بها النظام ضد سكان الغوطة بعد انتهاء عملية التهجير من حي الوعر في حمص، فإنه على الطرف المقابل يرى بعض المعارضين للمعارك بأنها ذريعة جديدة للنظام ليقوم بعملية التغيير الديموغرافي وتهجير السوريين ، إستجرار الثورة إلى ميدان المعارك والحروب قائمة منذ ست سنوات.
استطلع “السوري الجديد” آراء عينة من الناس لرصد رأي الشارع السوري المعارض حول القضية، وبالرغم من القلق والترقب الذي يعيشه السوريون، إلا أن ذلك لم يمنعهم من استخدام عبارات المعركة وعناوينها، كأداة للتهكم من جيش النظام على شاكلة “إذا أطلقت المعارضة معركة” يا عباد الله اثبتوا” فإن النظام أطلق مايسمى “ياجنود بشار، اهربوا”.
في هذا الإطار يقول الناشط السوري كريم سليمان :
” إن المعارك في دمشق هي الخلاص الوحيد لنا، هذا لا شك فيه، ففي دمشق يقع مركز عمليات النظام وميليشياته وكل مقاره الأمنية، وبالتالي فإن قوته هناك ولا بد من معارك من هذا النوع من أجل كسر النظام. صحيح أنه قد تنتج عن مثل هذه المعارك خسائر لاسيما في الأرواح، ولكننا في كلتا الحالتين ندفع يومياً من دم أهلنا السوريين في كل المناطق، لا خطأ في المحاولة، وإذا تم اعتبارها شر فيبدو أنه لا مفر منه.
مصطفى كرموت ناشط ومعتقل سابق يرى بأن:
“نظام الأسد هو صاحب اليد الحديدية والتي يقصف ويقتل ويعذب ويهجر، وبالتالي فإن كل الدم السوري تم هدره على أيدي النظام، أو هو مسؤول عنه بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن أي ردة فعل على جرائم النظام اليومية أمر مبرر بل وطبيعي، ولا يوجد شيء يمكن أن يغني عن المعارك ضده، خصوصاً تلك القريبة منه إلى هذه الدرجة، والتي من الممكن أن تستنزفه و تضغط عليه وتضعه تحت مرمى نيران السوريين. أنا مع العمليات الأخيرة وآمل بالخلاص”
على الجانب الآخر يرى عبد الرزاق علوش أن هذه المعارك ليست في صالح وقف التهجير بل على العكس من ذلك يقول علوش:
” لا أظن بأن هذه المعارك جزء مما يتناقله المؤيدون لها على أنها معركة تحرير لدمشق أو سوريا.. بل إنها فيما يبدو من أجل تحريك الوضع في الغوطة ليطالها التهجير والقتل والتدمير، كما طال حلب وحمص وداريا والمعضمية.. هذا الأمر يتكرر كثيراً، هذه المرة ليست الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا .. ولا .. لقد تكرر الأمر كثيرً،ا وكان علينا أن نتعلم الدرس، وتكرار هذه الأخطاء سيجعلنا ندفع الكثير و الكثير.. “
الإعلامية السورية ميسون ملحم تبدي تخوفها من المعارك الأخيرة و تطرح على صفحتها على الفيسبوك العديد من الأسئلة منها؟ هل نحن أمام حلب جديدة في دمشق وريف حماه؟ وإذا كان كذلك، من سنلوم عندما يعاد مشهد الباصات الخضراء وركام ما بعد المعركة؟
ولكن الصحفي مازن اسماعيل كتب على صفحته على الفيسبوك بأنه لطالما قال الكثير من السوريين المعارضين إذا أردتم النظام فاذهبوا إلى دمشق وحين قرروا الدخول إليها وأصبحوا في عمقها صار الكثير منهم ضدها؟!
الكثير من السوريين يبدون تخوفهم أيضا من هذه المعارك و إن كانوا يحلمون يوما بسماع نبأ إسقاط النظام والخلاص منه ولكن لايخلو الأمر من تشكيك بنوايا الفصائل المقاتلة وقدراتها حيث تتعدد وجهات النظر وهناك من يقول على الكثير من صفحات الفيسبوك بأن: النظام السوري عنيف وقاتل ويستحق معركة حقيقية تجهز عليه في قعره، تبقى المشكلة بالدعم والخطط الإستراتيجية العسكرية والسياسية التي يتلقاها من حلفائه والقوى الكبرى. أما معظم الكتائب فهي قريبة من هذا النهج ولكن باختلاف كبير جداً إذ أن الذي يدعمهم باليد اليمنى يأتيهم بطعنة غادرة باليد اليسرى.
ومن جانبه يعتبر بسام القوتلي أن مثل هذه الحرب لابد منها، و الخوف هو على المدينة حيث يقول:
“دمشق مدينتي ولا أتمنى لها الدمار، وأتمنى لو تقف الحرب اليوم. لكن في ظل استمرار سياسة الحرب والتهجير فدمشق هي ساحة المعركة الأساسية التي يمكن أن تؤثر على عصابة الأسد. قلبي مع أهلي في دمشق وأصدقائي في ريفها”
وفي سياق معارك الكرّ والفرّ ذاتها بين قوات النظام وثوار الغوطة صدر بيان عن فيلق الرحمن فيه لغة طالما افتقدها السوريين من حيث الدعوة إلى حماية المدنيين والالتزام بالأخلاقيات التي طالما نادت بها الثورة، وإثر البيان تتالت ردود الفعل حول البيان حيث قالت الفنانة مي سكاف على صفحتها على الفيسبوك بأن هذا البيان يمثلها.
من جهته قال الفنان التشكيلي نزار الأحمد بأنه يرى في البيان بأنه وطني ومهم جدا، وأنه يتوجب على الأوساط السياسية و الاجتماعية تبنيه مسرعاً باعتباره يمثل الخط الوطني للثورة السورية بشكلها العسكري.
ويضيف الأحمد:
“هذا الاختراق قد يكون فرصة مهمة جداً وربما نادرة لإحياء الخطاب الوطني وإعادة الروح إلى الثورة وسط هذه الفواجع والنكسات الداخلية التي لا تنتهي..”
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]