ميزان الأسرة السورية عاجز بنسبة 80%
19 أبريل، 2017
دخل إلى متجره صباحاً واتجه نحو العمّال وهو على عجلةٍ من أمره، أخذ شهيقاً وزفيراً ليرتاح ثم تمتم في أذن أحدهم: “إرفع جميع الأسعار بمعدّل 50 ليرة لأن المواد الأولية ارتفع سعرها”، هزَّ العامل رأسه واتجه نحو لائحة الأسعار ليبدأ بالشطب والتعديل.
ليس أبو يوسف وحده من اتخذ هذه الخطوة، بل أقدم عليها الجميع في ظل ارتفاع غير مسبوق للأسعار منذ مطلع العام الحالي، الذي شهد ازدياداً في حدّة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السوريون في الداخل.
وبينما ترتفع الأسعار في كلِّ يوم، يتقلص الدخل بالمقابل مُشكّلاً عجزاً في الميزانية الشخصية والعائلية، الأمر الذي دفع الجميع للبحث عن مصادر بعضها مُجدٍ والآخر ينال فقط “شرف المحاولة”.
في هذا التقرير قامت “صدى الشام” بحسبة اقتصادية للفارق بين متوسط الدخل ومتوسط الإنفاق لأسرة سورية مكوّنة من 5 أشخاص، إضافةً إلى نسبة العجز وأبرز الحلول التي لجأ السوريون إليها لسد هذا العجز.
حد الكفاية
مع نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، بلغ الإنفاق الشهري على الأساسيات بالنسبة للأسر السورية 317 ألف ليرة سورية وذلك لتحصيل حد الكفاية والذي يُشير إلى الحد الأدنى من تأمين ظروف الحياة.
وبحسب دراسة بحثية أجرتها مجلّة سوريّة محلية فقد توزّع هذا الرقم على تأمين السكن والغذاء والشراب والصحة والتعليم والاتصالات والمواصلات والألبسة.
ووفقاً للدراسة، التي رصدت واقع الحياة المعيشية في الأشهر الثلاثة الأولى لعام 2017 ، فإن كلفة الغذاء لهذه الأسرة بلغت 93600 ليرة، بمعدّل 640 ليرة يومياً للفرد الواحد.
وتتوزّع هذه المبالغ على الحاجة إلى 2400 سعرة حرارية من المواد الغذائية المتنوعة، ويُضاف إليها الزيوت والشاي والقهوة وتكاليف الغذاء والمشروبات الأخرى.
وعلى غرار الغذاء، فقد كلّف السكن 87 ألف ليرة، من ضمنها أجرة المنزل والتأمين والمبلغ الذي سيحصل عليه السمسار، إضافةً إلى فواتير المياه والكهرباء والحاجة بشكلٍ مستمر لشراء مستلزمات وأثاث منزلي.
وبلغ الحد الأدنى لإيجار منزل في ضواحي العاصمة دمشق قرابة 50 ألف ليرة، ووصل لأكثر من 200 ألف في الأحياء الغربية.
أما الألبسة فاحتاجت الأسرة السورية ما تكلفته 19500 ليرة شهرياً، بمعدّل زيادة 13% على الألبسة الصيفية والشتوية لأفراد الأسرة الخمسة، والتي تُقدّر بـ 13%، إذ ارتفعت تكاليف اللباس الصيفي هذا العام بشكلٍ كبير مع اقتراب فصل الصيف.
وبلغت تكاليف النقل للأسرة 19500 ليرة توزّعت بين التنقل اليومي ضمن أحياء المدينة الواحدة، إضافةً للتنقّل بين المحافظات، في حين وصلت الاحتياجات من الخدمات الصحية بشكلٍ شهري 10500 ليرة، بمعدّل زيادة قدرها 10%، حيث ارتفعت أسعار الأدوية بشكلٍ كبير من المسكّنات والمضادات الحيوية، ليصبح معدّل ثمن الأدوية شهرياً 2300 ليرة، تُضاف إليها تكاليف الاستطباب والمعاينة عند الأطباء والتحاليل والصور الإشعاعية.
هوّة بين الدخل والإنفاق
لا يتعدّى متوسطّ الرواتب لدى السوريين 60 ألف ليرة في أحسن الأحوال، وبالتالي فإن نسبة العجز للأسرة الواحدة تبلغ 257 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ تقوم الأسرة بتأمينه من مصادر دخل متنوّعة.
“بلال” 47 عاماً، مواطن سوري يعمل في مصنع للأدوات المنزلية بمنطقة “صحنايا” غربي دمشق، ويعيش بمنطقة السومرية القريبة، وهو أب لثلاث فتيات. يعاني بلال من صعوبات اقتصادية، فهو يحتاج في الأوضاع الطبيعية إلى أكثر من 200 ألف ليرة شهرياً ليتمكن من تأمين اللوازم الأساسية لأسرته.
يقول بلال: “استثنيت كل السلع التي تندرج ضمن نطاق الرفاهية وحاولت التقشف إلى أبعد الحدود إلا أن تكاليف المعيشة في سوريا لا تتناسب نهائياً مع الدخل”.
ويتقاضى بلال 45 ألف ليرة شهرياً، وبالتالي فإن العجز في ميزانية أسرته يبلغ حوالي 80%، ويحاول تفادي هذا العجز عن طريق زيادة ساعات العمل من 8 إلى 12 ساعة، ورفع “أحزمة التقشف” لعائلته حسب وصفه، إذ يقول إنه يستغني عن كل المتطلبات التي يشعر أن بإمكان عائلته الاستمرار دونها، أما في حالات الضائقة الاقتصادية الكبيرة فيضطر للاستدانة من أحد أقاربه.
نسبة العجز هذه تزيد أو تنقص حسب الوضع الاجتماعي للأسرة ودخلها، حيث تتراوح الأجور في سوريا بين 20-40 ألف ليرة للموظف الحكومي حسب درجته الوظيفية، بينما تتراوح أجور العمال في القطاع الخاص بين 25-45 ألف حسب خبرته، أما أصحاب المهن المختلفة (نجار، تمديدات صحية، مطاعم وغيرها) فمعدل دخلهم الشهري غير معروف بشكل دقيق.
الحالة ذاتها يعاني منها عبد الرزاق، وهو يعمل في أحد المكاتب العقارية بمدينة حلب، يقول لـ صدى الشام إن راتبه البالغ 60 ألف ليرة يكفي لمدّة 10 أيام في أحسن الأحول، ويضيف أنه يؤمن مصاريفه من مصادر أخرى.
حلول إسعافية
يحاول الناس إيجاد طرق من شأنها تخفيف المصاريف عنهم، ويأتي على رأسها عمل بقية أفرادها- حسب قدراتهم- سواء من الذكور أو الإناث، بعد أن كانت عقلية العائلات السورية ترفض عموماً عمل الفتاة، إلا أن الضيق الاقتصادي أجبرها على التنازل عن هذا المطلب تدريجياً، واتجهت أُسر كثيرة لدفع فتياتها على العمل بمجالات مختلفة.
“ياسمين 20 عاماً” تدرس اللغة الفرنسية بجامعة دمشق وتعيش في العاصمة، بدأت ياسمين العمل في “خدمة الغرف” ضمن فندق بدمشق، وهي تقول: “طالبت والدي بإصرار أن يسمح لي بالعمل بعد أن لاحظت عوز عائلتنا، إلا أنه رفض الأمر بشكل قاطع، لكنه بعد فترة بادر وقال لي أن أبحث عن عمل مناسب، فطلبت من صديقتي أن تؤمن لي فرصة معها في الفندق وبدأت”.
وبحسب الفتاة فإن معظم الموظفين في الفندق هم من الفتيات ولا سيما الجامعيات على وجه الخصوص.
سلال غذائية وحوالات
يضاف إلى هذه الحلول محاولة الاعتماد على السلة الغذائية التي تؤمنها “الأونروا” للمهجّرين، وتحتوي كميات من الأرُز والسكر والشاي والفول والمعكرونة وغيرها، حيث نشطت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع هذه الإعانات الخاصة بالمهجّرين بشكل واضح ضمن أسواق دمشق، ولا سيما أسواق “الشيخ محي الدين، المزة، باب سريجة والقنوات”.
ومن أكثر الحلول البديلة التي يلجأ إليها السوريون “الحوالات الخارجية” التي تصلهم من أقرانهم المغتربين وحتّى اللاجئين، فقد غادر حدود سوريا حوالي 5 مليون شخص وفقاً لأرقام مفوضية اللاجئين، وهؤلاء الأشخاص إمّا حصلوا على لجوء أو سافروا بشكلٍ عادي وبدؤوا العمل خارج بلادهم كحال الموجودين في الخليج وتركيا ولبنان وغيرها، ومن خلال عملهم يقوم هؤلاء بتخصيص مبلغٍ شهري بالعملة الصعبة “الدولار” ويرسلونه بشكلٍ دوري إلى أقاربهم في الداخل لمساعدتهم على سد النقص المتزايد.
[/sociallocker]