هل سيحط الصحن الطائر في بساتين أبي بكر الرازي؟

19 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017

8 minutes

فؤاد عزام

ربما كان اللقاء الأخير الذي جمع المرشد الإيراني، علي خامنئي، بالمهدي المنتظر الذي يتنقل مستخدمًا الصحن الطائر، بحسب ما أفاد مسؤول ديني إيراني، قد أعطى الإذن بتنفيذ المرسوم التشريعي الذي أصدره رأس النظام عام 2012، المتعلق بتنظيم منطقة جنوب شرق المزة، وجنوبي المتحلق الجنوبي، أو ما يعرف ببساتين الرازي؛ فقد أعلنت محافظة دمشق -أخيرًا- إطلاق “شركة دمشق الشام القابضة المساهمة المغفلة”، تتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة، خلف مستشفى الرازي، على أنقاض بيوت الدمشقيين الذين رُحّلوا من المنطقة.

لا ترغب القيادة السياسية في إيران التوقف عند نقطة المنتصف في سورية، فهي ترى أنها في مرحلة جني الاستثمارات التي وظفتها في النظام حماية له، من خلال السلاح والمال والميليشيات التي استقدمتها من جنسيات متنوعة، بهدف استراتيجي أساسه التمدد للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، تستحوذ عليها في البلاد من خلال هذا النظام، فبعد العقود التي فرضتها على النظام، ومنها السيطرة على مرفأ في الساحل السوري، وشراء العقارات المحيطة بـ “مقامات دينية” خصوصًا، هي الآن قاب قوسين أو أدنى من وصل منطقة “السيدة زينب” التي باتت مستعمرة لها بعد تهجير أهلها أو قتلهم، مع منطقة داريا التي باتت -كذلك- مستعمرة تحيط بـ “مقام السيدة سكينة”، وكذلك مع منطقة بساتين الرازي الممتدة بين هاتين الكتلتين الاستيطانيتين، لتتربع السفارة الإيرانية على قوس، يحتوي نصف العاصمة من الجهة الجنوبية.

يأتي التمدد الإيراني المتضخم، الجديد القديم، من خلال تجار كبار مساهمين في شركة دمشق القابضة، والمشرعن من النظام، في ظل أوضاع مختلفة عما كان في السابق، فإيران الآن تتعرض لضغوط دولية، بدأت تطلب منها ومن ميليشياتها الانسحاب من سورية، وكذلك مع تململ في الشارع الإيراني بدأت بوادره تظهر من خلال احتجاجات محدودة في مدينة ايرانشهر في مقاطعة بلوشستان؛ بسبب اعتقال ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، إمام جامع المدينة، مولوي فضل الرحمن كوهي، بعد إطلاقه فتوى بحرمة الذهاب إلى سورية؛ للقتال إلى جانب الميليشيات الإيرانية، وفقًا لوكالة الأنباء الاحوازية “تستر”، وذلك بعد ازدياد عدد قتلى إيران في سورية، وأيضا يترافق مع  المظاهرة التي تُعدّ الأولى من نوعها في إيران، وجرت في مدينة سردشت في إقليم كردستان، غربي إيران، ضد مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام أخيرًا في مدينة خان شيخون، من ريف إدلب .

تفاقم الأزمات في المجتمع الإيراني غالبا ما يجري حله على أساس حشد العامة ضمن مفهوم الدين والعقيدة من رأس النظام هناك، والمسمى المرشد الأعلى، الولي الفقيه الذي ينتظر الإمام المهدي، وتنتظره العامة بعد أن غاب عام 260 هجري، فهو الجامع الروحي لغالبية الإيرانيين، وتروج الأدبيات المذهبية الإيرانية أن الإمام المهدي لا يتصل إلا مع الخامنئي، وفي السر.

واللقاءات بين الجانبين، غالبًا ما يعلن عنها من خلال رجال دين مقربين من الخامنئي عند الحاجة لتعبئة شعبية، تترافق مع اعتزام القيادة الإيرانية السياسية القيام بأعمال كبرى، أو عند تفاقم الأزمات في المجتمع الإيراني، وقد بلغ عدد تلك اللقاءات 13  مرة، بحسب  ممثل الخامنئي لإدارة شؤون مسجد جمكران في قم، والرئيس السابق لمنظمة “شهيد محمد حسين رحيميان”، كما قالت وكالة “رسا” للأنباء، التابعة لحوزة قم، وجرت جميعها في سرداب في المسجد المذكور، وهذه اللقاءات هي من أجل استلهام بصيرة وحكمة الإمام المهدي، بحسب المصدر نفسه، وترجمتها عمليًا على الأرض من الخامنئي .

اللافت في هذه الفترة تأكيد رحيميان أنه كان شاهدًا على اللقاء الأخير بين المهدي المنتظر والخامنئي، وهو مخالف لما كان يحكى سابقًا عن أن اللقاءات تحدث بين الجانبين فحسب؛ لأن المهدي لا يُرى من العامة، وقد أعطى رحيميان دليلًا على ذلك، بأن الأخير تودد كثيرًا للإمام، وهو ما يعني للعامة أن المهدي لا يريد الظهور؛ لأن قسمًا منهم ابتعد عن الدين والعقيدة، كما يقول المرجع الديني الإيراني مكارم الشيرازي، ومن خلال شهادة رحيميان ثمة رغبة بإعطاء اللقاء  صدقية، ما يشير إلى تفاقم الأزمة في إيران تفاقمًا أكبر مما كان عليه سابقا.

لا تريد إيران سوى الحسم العسكري في سورية؛ فهو ما يحمي نفوذها السياسي والاقتصادي، كما ترى؛ إذ تدرك -تمامًا- أنها قوة احتلال متخلف ومرفوض من الأغلبية العظمى من السوريين، وقد أمعنت قتلًا وتدميرًا في البلاد، فهي تسعى، استنادًا إلى ذلك، إلى أن تترافق همجيتها العسكرية مع التغيير الديموغرافي الشامل في البلاد، وأهم ما فيه العاصمة دمشق؛ حيث استوطنت من خلال ميليشياتها ومن خلال التجار العملاء، وشراء العقارات في مناطق “المقامات الدينية للسيدات زينب وسكينة ورقية”.

كان استملاك منطقة بساتين الرازي التي يسكنها نحو مئة ألف قد سبقه تهجير نحو نصف مليون نسمة من مدينة داريا، وكان المرسوم 66 تاريخ 18 أيلول/ سبتمبر 2012، قد حدد إحداث منطقتين تنظيميتين في مدينة دمشق؛ الأولى في منطقة جنوب شرق المزة، من المنطقتين العقاريتين مزة – كفرسوسة، وتعرف محلياً بخلف مستشفى الرازي، والثانية جنوب المتحلق الجنوبي، وتضم المناطق العقارية مزة – كفرسوسة – قنوات -بساتين داريا – القدم.

شهدت المناطق المذكورة، مع بدء الثورة أكبر المظاهرات ضد النظام، وتعد حاضنة شعبية للثورة وللجيش الحر.

ومن أجل استملاك المنطقة، جرت -أخيرًا- عمليات هدم للمنازل، على الرغم من رفض عدد من السكان إخلاءها. وكان النظام قد وجه إلى الأهالي في تموز/ يوليو الماضي إنذارات، سلمها لهم موظفو محافظة دمشق، بمساندة عناصر فرع الأمن العسكري، بعد أن أعطوهم مهلة شهرين لتسليم منازلهم إلى قوات النظام.

شركة دمشق الشام القابضة المساهمة المغفلة، الخاصة بتنفيذ مشروع تنظيم 66، تنفيذًا للمرسوم الذي يحمل الرقم نفسه؛ فهو يجيز تأسيس شركات خاصة لإدارة أملاك الدولة أو استثمارها، والشركة بدأت -بحسب المحافظة- برأسمال قدره 60 مليار ل.س.

يرجح أن تشهد منطقة بساتين الرازي، في المستقبل القريب أبراجًا تحيط بسفارة إيران، وتجتاح المنطقة الجنوبية لدمشق، وهذا جزء من الثمن الذي تقبضه إيران من النظام، لقاء استثماراتها فيه، ولن تعود نتيجته على العامة، أو على من قُتل من ميليشيات إيران، ولا على قتلى النظام الذين دافعوا عن تلك السلطتين المافويتين المخبأتين تحت عباءتي العلمانية أو الدينية؛ فالأولى تعطي ساعات تعلّق على الجدار، أو رأس ماعز لقاء القتيل، والثانية تعِد بالمهدي المنتظر الذي آخر ما قيل عنه أنه يركب وسيلة فائقة التطور، قد تكون أشبه بالصحن الطائر، ويشق بواسطتها قلب السماء، بحسب تصريح للمرجع الديني الإيراني، مكارم الشيرازي؛ ما يعني أن على الإيرانيين الاحتشاد خلف الخامنئي الذي يتصل معه، وهذا يتطلب تقربهم من العقيدة والدين؛ لتهيئة الأوضاع لظهوره، أي الخضوع التام لنائب المهدي على الأرض  الذي من الممكن أن يقول لهم: إن الصحن الطائر سيحط، بعد استنفاذ ذريعة التحشد لحماية المقامات الدينية، في بساتين الطبيب والعالم الفارسي، أبو بكر الرازي.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]