أهالي مضايا في إدلب… أهوال الرحلة وقساوة المستقر


جيرون

“يمكنني أن أنسى كلّ الألم، سنوات الحصار والقهر والقصف، لكن لم -ولن- أستطيع نسيان رحلة تهجيرنا القسري من أرضنا، ولا سيّما تلك الساعات التي أمضيناها في الراموسة بعد تفجير الراشدين”. ويضيف الناشط حسام محمود، من مضايا، عن عملية التهجير القسري من مضايا إلى إدلب؛ فقد “حوصرنا بالميليشيات الشيعية من كل الجهات، وانتشر القناصون حول الكراج. كانت صدمة نفسية كبيرة جدًا، اعتقدنا أنها النهاية، لم نتوقع أن نخرج أحياء، يومان لا يمكن أن تمحوهما الذاكرة بكل ما حملت من آلام، وبكل ما حُفر عليها من قصص مروعة”.

وفي حديثة لـ (جيرون) أكدّ أن مشقات الرحلة ومأسويتها تركت في النفوس ندوبًا يصعب التآمها، وتعقيد المرحلة التأسيسية الجديدة يفاقم الأوجاع. وتابع قائلًا: “وصلنا إلى إدلب فجر الأحد 16 نيسان/ أبريل الحالي الساعة الخامسة صباحًا، ووُزّعنا على مراكز إيواء بتجهيزات محدودة، وبعد مرور ساعات شهدنا نشاطًا للمنظمات الإغاثية التي زوّدتنا ببعض المستلزمات، إلا أن عملها كان فوضويًا، ما أدى إلى تقسيم غير عادل للحاجات، ومنْ لم يبادر بنفسه لأخذ بعض الأغراض، لم ينل من المعونات شيئًا. نُقل المرضى والمصابون إلى المستشفيات في المدينة وريفها، واستأجر بعض الأهالي ميسوري الحال بيوتًا في مناطق آمنة نوعًا ما”، منبّهًا إلى أن “القسم الأكبر من المهجرين لا يزال في الخيام التابعة لمراكز الإيواء، وأن أوضاعهم حرجة؛ لأنهم خرجوا من منازلهم بثيابهم، وليس لهم أقارب في هذه المناطق؛ لكي يساعدوهم في توفير حاجات المرحلة الأولى”.

من جهته قال محمد يوسف، وهو طبيب من مهجري مضايا، لـ (جيرون): “يُدرك الأهالي معنى التهجير القسري، وما يترتب عليه من خيبات؛ لذا، صمدوا كثيرًا تفاديًا لوقوعه، لكن ما باليد حيلة، وها هم اليوم يبدؤون من الصفر، وسط أوضاع نفسية وإنسانية موجعة، يزيد من حدتها إحساسهم بالخسارة والخذلان، وقلقهم على من تبقى من أهلهم تحت رحمة النظام، أضف إلى ذلك أن هؤلاء الأهالي قد خرجوا من حصار طويل استهلكهم نفسيًا، وأنساهم القدرة على العمل والحياة والإنتاج، الأوضاع في مجملها مؤلمة جدًا، وتوجد مصاعب في توفير السكن والحاجات الرئيسة، من طعام وكساء. وقد قدّمت المنظمات الإغاثية بعض المساعدات المعاشية لكنها لا تستطيع تغطية جميع الحاجات”.

بدورها قالت الناشطة منتهى عبد الرحمن، وهي من المُهجرات أيضًا، لـ (جيرون): “ما حدث معنا خلال رحلة التهجير لا يمكن وصفه بالكلام، إنه أشبه بفِلم رعب، ابتداءً من الخروج وتركِ أهالينا هناك، مرورًا بمحطة احتجازنا في الراموسة، وانتهاءً بوصولنا ونزولنا في مركز الإيواء. تفرّقت العائلات؛ لأن بعض أفرادها مطلوب للنظام، اضطررتُ لترك ابنَتَيّ في مضايا لأنهن يكملن تعليمَهن، وينبغي عليهن تقديم امتحان الثانوية العامة بعد أشهر، ولا أعرف متى سألتقي بهن، أو إن كنت سألتقي بهن يومًا، وكثيرون حالهم كحالي، بعض الرجال أبَوا الخروج، وتعهدوا بالبقاء حتى الرمق الأخير، إلا أنهم أخرجوا زوجاتهم وأولادهم خوفًا عليهم من غدر النظام، وهم اليوم نازحون في إدلب أطفالًا ونساءً بلا معيل، ولا يوجد منْ يرعاهم أو يتكفّل بهم”.

وتابعت قائلة: “نعاني حاليًا من  مصاعب كبيرة، في توفير الحاجات والمأوى، ولا نعرف مصير أهلنا هناك، والأوضاع الصحية لكبار السن والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة غيرُ مستقرة، لأنهم تعرضوا لانتكاسات في أثناء الرحلة، وتظهر مضاعفاتها حاليًا وسط شحّ في اللوازم الصحية وخوف من المستقبل”.

تصل أجرة المنزل في المناطق الآمنة نسبيًا في إدلب إلى 100 دولار أميركي، أما في المناطق التي تُقصف دوريًا، بحسب محمود، فإن “أجرتها تراوح بين10 آلاف و20 ألف ليرة سورية، وهي فارغة كليًا من الأثاث والمتطلبات الرئيسة، فمن استطاع أن يستأجر منزلًا اليوم ربما لن يستطيع تحمّل تكاليفه ونفقاته غدًا”.




المصدر