الأمم المتحدة تدعو للقضاء على الاتجار بالبشر في سورية


شذى ظافر الجندي

قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إن الاتجار بالبشر ما زال ممارسة قائمة في العصر الحالي، وأصبحت شبكاته دولية، وضحاياه في 106 دول.

وفي جلسة مجلس الأمن التي تناولت موضوع الاتجار بالبشر في أثناء الصراعات والعمل القسري والعبودية، وغير ذلك من الممارسات المماثلة، قال غوتيريس: “تفيد منظمة العمل الدولية بأن عدد ضحايا العمل القسري والاستغلال يبلغ 21 مليون ضحية في أنحاء العالم. وتُقدّر الأرباح السنوية لتلك الممارسات بـ 150 مليار دولار. وبعيدًا عن الأرقام، هناك تكلفة بشرية؛ إذ يلقى أشخاص حتفهم، وتمزَّق مجتمعات، وتُرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي”.

ويتخذ الاتجار بالبشر أشكالًا عدة، كذلك تُستهدف النساء والفتيات استهدافًا خاصًا ويقعن ضحايا للاستغلال الجنسي والإجبار على ممارسة الدعارة والعبودية الجنسية. ويزدهر الاتجار بالبشر عندما تضعف أو تغيب سيادة القانون، ولا سيّما في مناطق الصراعات المسلحة. وأضاف: “في بعض صراعات اليوم، نواجه جماعات مسلحة لا تنخرط في الاستعباد والعمل القسري فحسب، وإنما تجادل وتدّعي أن تلك الممارسات قانونية. في سورية، نظّم تنظيم الدولة الإسلامية أسواقَ النخاسة، وأصدر كتيبات لإرشاد مقاتليه بشأن كيفية أسرِ النساء والفتيات والاتجار بهن”.

وتجبر الجماعات المسلحة في سورية الرجالَ والنساء والأطفال الخاضعين لسيطرتها على الأعمال الحربية في الخطوط الأمامية، أو تستعبدهم للعمل في المنازل. وفي أثناء فرارهم من تلك التهديدات، يواجه النازحون واللاجئون مخاطر جديدة، تتمثل في المهربين الذين يحاولون استغلالهم في طريق الفرار. ويستخدم الإرهابيون والمتطرفون الذين يلجؤون إلى العنف العبوديةَ الجنسية أداةً للتجنيد، ويلجأ المتاجرون بالمخدرات إلى أعمال الاختطاف، وطلب الفِدى لتمويل عملياتهم.

وشدد الأمين العام على ضرورة العمل للتصدي للاتجار بالبشر، ومنع وقوعه في المقام الأول. ومن تلك التدابير تعزيز أطر العمل القانونية القوية، ومنها معاهدة الأمم المتحدة للتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود، مؤكدًا ضرورة أن تعزز الدول الأعضاء من تعاونها في مجال تنفيذ القانون، وإجراء التحقيقات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

الاتجار بالبشر في سورية

عادت مشكلة الاتجار بالبشر في سورية؛ لتحتل عناوين الصحف، وهذه المرة يتعلق الأمر بالاتجار بالفتيات والأرامل السوريات بذريعة الزواج والحماية. يعيد هذا الأمر إلى الذاكرة الويلات التي جرّتها الحرب على العراق؛ إذ تعرضت بعض اللاجئات إلى محاولات للاتجار بهن في الدول المجاورة للعراق. إن الاتجار بالبشر ظاهرة تنشط في الحروب وحالات عدم الاستقرار. ويصرّح “البروتوكول” الخاص بالأمم المتحدة بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، ولا سيّما النساء والأطفال، ويعرّف الاتجار بأنه تجنيد أو نقل أو تحويل أو إيواء أو استلام الأشخاص عن طريق التهديد، أو استخدام القوة، أو أي نوع آخر من أنواع الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام القوة، أو الاستغلال لموقف ضعيف، أو إعطاء أو تلقي دفعات أو فوائد؛ للحصول على موافقة شخص يتمتع بالسيطرة على شخص آخر بهدف الاستغلال. وخطورة هذه الجريمة تبدو من خلال انتهاك حق الإنسان العالمي في الحياة والحرية والتحرر من العبودية بجميع أشكالها.

ولا تتوافر معلومات دقيقة حول الاتجار بالبشر في سورية؛ إذ لا يُنشر أي تقرير عن الموضوع باستثناء بعض التصريحات الإعلامية لـ “وزارة الداخلية السورية”، ذلك أن معظم هذه العمليات الإجرامية تتخفى تحت ستار نشاط شرعي، وتتشابك في مسارات عابرة للحدود يصعب استقصاؤها، أو تتبع تحركاتها. وفي تقريرٍ نشرته وزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر في سورية عام 2016، أكد أن عمليات الاتجار بالبشر تجري سرّيًا من خلال وكالات السفر والهجرة والتوظيف والاستخدام. وتمارس خلف هذه الواجهة أبشع انواع الاستغلال، ويُضلّل الضحايا بإقناعهم بأنها وسيط وحلقة وصلٍ تربط بين “العميل” وسوق العمل، أو ربّ العمل المحتمل. والواقع أن هذه الوكالات تُغرق ضحاياها بالوعود المعسولة التي لا يتكشف زيفها إلا بعد أن ينهوا رحلتهم عبر قنوات مريبة ومحفوفة بالمخاطر، في أكثر الأحيان، فتتبدد صورة حلم العمل أو حلم الهجرة الذي يبغون الوصول إليه في أوروبا أو الخليج، على سبيل المثال، أو عندما يكتشف هؤلاء الضحايا أن الأعمال والوظائف التي تنتظرهم لا صلة لها بالعمل الذي وُعدوا به في الأصل، لا من حيث نوعه ولا قانونيته ولا شروطه.

وأكد التقرير أن سورية باتت -اليوم- دولة منشأ في الاتجار بالبشر، بعد أن كانت دولة عبور؛ إذ صُنفت في الدرجة الثالثة. ووفق صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، فإن عمل الإنتربول الدولي انخفض في سورية إلى 10 في المئة، وذلك نتيجة الأوضاع التي تمر بها سورية؛ ما أدى إلى تكاثر شبكات الاتجار بالأشخاص المتواصلة مع بعض السوريين في الداخل؛ لتجنيد السوريين والمتاجرة بهم؛ إذ ضُبط كثير من الشبكات التي تُقدم على ترحيل النساء السوريات إلى بعض دول الجوار؛ بهدف الزواج من أشخاص غير سوريين، كذلك انتشرت في سورية خلال السنوات الأربع الماضية عمليات الخطف التي ترتكبها مجموعات كثيرة، منها ما هو بهدف الابتزاز والحصول على المال، ومنها ما هو بهدف الانتقام وتصفية الحسابات، ومنها ما هو بهدف الاتجار بالبشر أو الأعضاء. الجدير بالذكر أنَّ رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق، حسين نوفل، قدّر في وقت سابق عددَ حالات سرقة الأعضاء في المناطق الشمالية من سورية، بنحو 18 ألف حالة، معظمها من الأطفال.

ووفق إحصاءات “حكومية”، قدّرت “وزارة الداخلية السورية” أن عدد حالات الاتجار بالأشخاص المضبوطة عام 2016، بلغت نحو 1500 حالة، معظمها لشبكات تعمل خارج سورية، وتتواصل مع سوريين في الداخل، مشيرةً إلى أن نسبة الضحايا من النساء بلغت 65 في المئة من إجمالي الحالات التي ضُبطت.

تسببت الأزمة الراهنة بانتشار حالات الاتجار بالأشخاص، ولا سيّما النساء والقاصرات السوريات في مخيمات النزوح واللجوء في لبنان وتركيا والأردن؛ وحتى في مصر، بعناوين متعددة، من استغلال النساء لجني الأرباح عن طريق تزويجهن بمهور زهيدة، وبطرق تمتهن الكرامة الإنسانية، ” ويُقنع كثير من اللاجئين ببيع أعضائهم”.

وفي العام الماضي سلّط إعلان توقيف أخطر شبكة للاتجار بالبشر في لبنان، وتحريرِ 75 فتاة، معظمهن من الجنسية السورية، من أسرِ هذه الشبكة، الضوءَ على تلك التجارة الإجرامية التي تبدو مزدهرة في خضم الحرب. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن عدد السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية بلغ نحو 14 مليونًا، ومن الواضح أن تلك المعاناة الجمعية الرهيبة باتت تهيئ أفضل بيئة لتوسع وانتشار شبكات الاتجار بالسوريين.

تنتعش في داخل سورية شبكات الخطف؛ من أجل الفدية، و”تتورط فيها ميليشيات مسلحة من الأطراف المختلفة؛ لأن الأرباح التي تحققها كبيرة، إذ يمكن الإفراج عن المخطوف مقابل مبالغ تتراوح بين 5 آلاف و50 ألف دولار، بحسب أهمية المخطوف ووضع عائلته المادي، وتعمل بعض شبكات الخطف في تجارة الأعضاء، وقد عُثر على جثثٍ لسوريين، وقد أُخذ بعض أعضائها، ما يشير إلى أنهم خضعوا لسرقة أعضاء”.

وتندرج في تلك التجارة أعمالٌ إجرامية كثيرة، تبدأ بالخطف من أجل الفدية أو من أجل التجنيد الإلزامي، مرورًا ببيع الأعضاء، ووصولًا إلى الاستغلال الاقتصادي والجنسي. بعض تلك الشبكات كانت قائمة في سورية قبل اندلاع الثورة، بحسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، يوضح انتشار استغلال الفتيات في سورية لأغراض التجارة الجنسية؛ إذ شكلت الحرب والدمار الواسع والتهجير الفرصةَ المثلى لانتعاش ونمو الاتجار بالبشر.

وقد أفاد مصدر قضائي سوري أنّ عدد عصابات الاتجار بالبشر التي تُحاكم وصل إلى 9 عصابات، معظمها عملت في استجرار مواطنين سوريين للعمل خارج سورية، مستغلين حاجتهم إلى المال؛ نتيجةَ الأوضاع المادية السيئة التي يمرون بها.

وقد تحدثت جريدة “الغارديان” عن السوري “أبو حمادة”، مهندس رحلات الاتجار بالبشر من مصر إلى أوروبا. وقال كاتب التقرير: إن “أبو حمادة” (62 عامًا)، وهو مهندس مدني سوري، لم يبنِ كثيرًا من المباني في الآونة الأخيرة، إلا أنه استطاع جمع نحو مليون ونصف مليون دولار أميركي في الأشهر الستة الماضية، وذلك بفضل استثماره في تجارة تهريب البشر من الفلسطينيين والسوريين، بعد انتقاله من سورية إلى مصر. وأضاف التقرير أن” ‘أبو حمادة’ الذي دفعته الحرب الدائرة في سورية إلى ترك بلاده، يتربع اليوم على عرش شبكة تهريب السوريين من مصر، فأغلبية السوريين الراغبين في اجتياز البحر المتوسط من مصر إلى إيطاليا، يلجؤون إلى أحد سماسرته؛ لتنفيذ عمليات تهريب البشر “. وبحسب كاتب التقرير؛ فإن رجال (أبو حمادة) ينظمون رحلتين أسبوعيًا، ويجني أبو حمادة نحو 30 ألف دولار من كل مركب”.

ما الذي يمكن فعله؟

لا توجد حلول سهلة لمشكلة معقدة، تتشابك فيها الجريمة المنظمة والإرهاب والممارسات التجارية التي تبدو في الظاهر مشروعة، وغالبًا ما يكون ضحاياها مخفيين.

وعلى الرغم من أن هناك كثيرًا من القوانين والأدوات القائمة لمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أن تطبيقها صعب؛ لأن القوانين التي تحظر غسل الأموال وتمويل الإرهاب لا يمكن أن تمنع انتقال الأموال عبر طرق غير رسمية، تلتف على النظام المصرفي الرسمي، مثل نظام “الحوالة” الشائع في منطقة الشرق الأوسط.

ولحل هذه المشكلة، يقترح تقرير جامعة الأمم المتحدة نهجًا متعدد الجوانب، يشمل استهداف التدفقات المالية قدر الإمكان، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي، وترسيخ نظم العقوبات القائمة، وتطوير أدوات أفضل لرصد المشكلة، وتقديم تقارير بشأنها، وعرض حالات الاتجار بالبشر والعبودية على محاكم الحرب الدولية.

ويحث التقرير مجلسَ الأمن على مساعدة الدول في اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي هذه الجرائم. ولكن سيادة القانون في بلدان الصراع التي ينتشر فيها الاتجار بالبشر، عادة ما تكون ضعيفة، بينما تنشط الجماعات المسلحة دون عقاب. إضافة إلى أن الدول لا ترغب في التخلي عن سيادتها في هذه المسألة.

وفي تقرير حول (تأثير الحرب السورية على وضع اللاجئين والاتجار بالبشر) أكدت النتائج أهمية الدعم الإنساني والنفسي والطبي والاجتماعي والتعليمي والتوعوي للاجئين السوريين؛ إذ قال التقرير: “من غير المرجح أن يكون تضييق الخناق على مرتكبي الجرائم فاعلًا ما لم تُوفّر سبل عيش بديلة للأعداد المتزايدة من النازحين”. وكشفت دراسةٌ حول أثر الحرب السورية في الاتجار بالبشر، أجراها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، أن كثيرًا من حالات الاستغلال التي تحدث تنطوي على تورط “أفراد من الأسرة والمعارف والجيران”، وليس جماعات الجريمة المنظمة فحسب. وفي هذا الصدد، تشير الدراسة إلى أنه “غالبًا لا يكون أمامَ الأُسر والمجتمعات المحلية النازحة، بسبب الحرب، بدائل للبقاء على قيد الحياة سوى حالات، يمكن أن توسم بالاستغلال”. وعلى الرغم من ذلك، قد يكون للتدخلات الإنسانية، مثل رفع القيود المفروضة على العمل لطالبي اللجوء واللاجئين، وبرامج التحويلات النقدية، وتحسين فرص الوصول إلى التعليم للأطفال اللاجئين، تأثير أكبر في الحد من الاتجار بالبشر والاستغلال، من ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم. وقد قالت كيت كينيدي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): يجب إيجاد طرق “لتوثيق الرقّ والاتجار بالبشر بين اللاجئين اتجارًا منهجيًا”، ويتعين دمج جهد مكافحة الاتجار بالبشر في استراتيجيات التصدي لأزمات اللاجئين والنازحين.

وفي حلقة العمل التي شكلت الأساس لتقرير جامعة الأمم المتحدة، رأى كثير من المشاركين أنّ القضية لا تحصل سوى على قدر قليل من الاهتمام في نهج الأمم المتحدة الميدانية؛ نظرًا إلى عدم معالجة الاتجار بالبشر معالجة محددة في نهج المجموعات القطاعية للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتضمّن أحد الاقتراحات في هذا الشأن تدشين حملات إعلامية في الأماكن التي يتجمع فيها الأشخاص المعرَّضون للخطر، مثل المعابر الحدودية ومراكز معالجة اللاجئين، ومراكز توزيع الأغذية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ للتوعية بمخاطر العمل الجبري والاتجار بالبشر. وعلى سبيل المثال، نظمت منظمة الهجرة العالمية حملة؛ لتعزيز الوعي بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر في الأردن؛ بهدف الاستجابة لحاجات حقوق الإنسان للاجئين السوريين. ويهدف “المشروع” إلى تعزيز توعية المجتمعات بأنواع الاتجار بالبشر والاستغلال، وكيفية التعرف إليها، والإبلاغ عن تلك الجرائم.

أخيرًا؛ إن قضية الاتجار بالبشر مأساة إنسانية حقيقية، وجريمة بحق الإنسان، وعلى الأمم المتحدة والدول، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، أن تتعاون في محاربتها، وسنّ قوانين واضحة وصريحة؛ للحدّ منها، ووضع استراتيجيات وخطط؛ لكشفها وملاحقتها، ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها؛ إذ إن صعوبة مواجهة هذا النوع من الجرائم المنظَّمة تكمن في كونها عابرةً للحدود الوطنية؛ ما يستوجب تضافر الجهد المحلي والدولي للقضاء عليها.




المصدر