حين تتغيّر المعادلة


عقاب يحيى

لا شكّ في أن الضربة الأميركية قد ألقت بظلالها القوية على الوضع السوري والإقليمي والعالمي، وأشّرت إلى إمكانية تغيير المعادلة بسرعة خارقة؛ ما يستدعي من المعارضة السورية أن تعرف كيف تتعامل معها، وكيف تعيد حساباتها، وترتّب أوضاعها، وفقًا لها، ولتفاعلاتها المقبلة.

نعم، الضربة محدودة الأثر، وقد لا تتكرر، خصوصًا إذا ما انصاع النظام لرسالتها القوية، وهي، كما يُصرّح ترمب وأركان إدارته، عقوبة على استخدام النظام للسلاح الكيماوي، بمعنى أوضح: قد لا تطال جرائم النظام باستخدامه الأسلحة الأخرى التي لا تقل فتكًا عن الكيماوي، كالبراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، والنابالم الحارق، إضافة إلى أن هذه الضربة لا تعني بالقطع تغييرًا في الموقف الأميركي من النظام ورأسه، ومصيرهما، باتجاه إنهائه بالوسائل العسكرية، أو عبر الحل السياسي الشامل، وقد تكون جزءًا من رسائل لروسيا للمقايضة على مناطق متعددة في العالم، ليست بلادنا في مركزها الرئيس، ومنسوب تعقيدات الوضع الداخلي الأميركي، والصعوبات والاتهامات التي تواجه الرئيس الأميركي وحاجته الماسّة إلى تصريف الأزمة، أو ترحيلها إلى الخارج، واكتساب شعبية هو بحاجة كبيرة إليها.

هذه الاحتمالات وغيرها واردة؛ كي لا نذهب نحو مراهنات مغلوطة، وغير مبنية على وقائع صحيحة، أو نندفع في التأييد، أو الابتسار.

الذي لا شكّ فيه أن الضربة الأميركية، وبغض النظر عن محدودية أثرها، وموقعها، وخلفياتها المتعددة، قد أحدثت واقعًا جديدًا يمكننا دون مغالاة أن نعدّها محطة مختلفة عن الذي ساد طوال المرحلة الأوبامية، وأنها حرّكت الوضع في مختلف الصعد، وأوجدت مناخات مغايرة يمكن أن تولّد معطيات جديدة في الحالة السورية، والإقليمية، والدولية، وعلينا أن ندرس المعطيات بعناية، وان نتعامل معها بمسؤولية وواقعية، عساها أن تكون حافزًا لتلافي الثغرات، ودفعة قوية لبناء معادلتنا الخاصة التي تجعلنا جزءًا فاعلًا في المعادلة.

أكّدت الأعوام السابقة من عمر الثورة، وعبر تصريحات واضحة من أصحاب الشأن والقرار في المجتمع الدولي، أنه غير مسموح لطرفيّ الصراع، خاصة للمعارضة، إنجاز حسم عسكري ساحق، وأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد الذي يجب علينا التعاطي معه، وكان الغياب الأميركي أحد أهم عوامل تجويف هذا الحل، وعدم التقدّم أي خطوة مهمة فيه، بل بدا وكأنه ضوء أخضر لاستمرار النظام والنزيف السوري، ولمحاولة روسيا الاستحواذ والاستفراد، وتكريس الحل الأمني العسكري الذي ينتهجه النظام وحلفاؤه منذ سنوات.

تنتعش اليوم الآمال بإمكانية حدوث تطورات مهمة على صعيد مسار الحل السياسي، بأمل دخول الولايات المتحدة بثقلها على خطه، والتوصل إلى اتفاقات تفرض تطبيق القرارات الدولية، خاصة بيان جنيف 1، ونصّ القرار 2254، وبقية القرارات الأممية ذات الشأن، وتخضع النظام للانصياع لها، ومعه الأطراف الداعمة. في حين أن تفاعلات قواعد الاشتباك العسكري، إذا ما عرف تواصلًا يمكن أن تؤدي إلى تغيير تلك القناعات، وخلق معطيات جديدة قد تتطور إلى إسقاط النظام بالقوة، أو إرغامه على الامتثال للحل السياسي العادل. هنا تحضر احتمالات تطبيق ما للحظر الجوي فيبدّل المعادلة، أو فرض مناطق آمنة محمية، أو تحييد قوى النظام العسكرية، خاصة الطائرات، أو قصقصة التدخل الإيراني والمليشيات الطائفية الوافدة، أو تقديم شيء من الدعم النوعي في السلاح للجيش الحر، وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات، وتلك الفاعلة في اصطياد الدبابات، ومن شأنها خلق ميزان قوى جديدًا، يوقف تمدد النظام وحلفائه، ويمكن أن يؤدي إلى انهياره، فضلًا عن أثر ذلك في إجباره على القبول بالحل السياسي.

في جميع هذه الاحتمالات، فإن على المعارضة أن تتحرك لإثبات وجودها، وقدرتها على الإسهام الفاعل في جميع الاحتمالات، وأن تعيد النظر في حساباتها، وواقعها وحتى جدول أعمالها.

نعم، آن الأوان لوحدة عمل المعارضة وفق صيغة توافقية، تضع القضية الوطنية فوق جميع الحسابات، والخلافات، ويمكن أن تحقق ذلك في لقاء موسع يضمّ أهم قواها وفاعلياتها؛ للخروج من حال الشرذمة والضعف إلى التوحد. إضافة إلى أن التوجه الجاد للشعب السوري وبناء الجسور مع فاعلياته وهيئاته مهمة يجب أن تحتل الأولوية في الحركة وبرامج العمل.

سيكون توحيد العمل العسكري في إطار واحد، مهني، يرفع علم وخطاب الثورة وأهدافها دون أي راية أخرى، أو برامج خاصة، أمرًا حيويًا، وعاجلًا يجب أن يشارك في إنجازه السياسيون والعسكريون؛ لتنظيم العلاقة بين العسكري والسياسي، وتلافي الثغرات والسلبيات التي برزت خلال الأعوام الفائتة.

الحاجة ماسّة إلى التوجه بخطاب المصالحة مع جميع فئات الشعب السوري، بترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية، وأن التغيير يعني الجميع، ويحفظ حقوقهم في دستور عصري، وقوانين ناظمة تسري على الجميع دون تمييز.

سيكون ضروريًا أن تتقدّم المعارضة بخطاب عقلاني، حداثي، موحد منبثق من جوهر الثورة وأهدافها، ومن تمثيلها لمختلف أطياف وقوى الشعب السوري، وحرصها على وحدة البلاد الجغرافية والمجتمعية والسياسية، ومحاربتها للإرهاب بكل صوره وتنوعاته، وحرصها على تكريس العدالة الانتقالية البعيدة عن روحية الثأر، والانتقام، والاستئصال، والاستحواذ.

مهمات كثيرة وعاجلة تمليها التطورات، وكثيرها واضح ومكتوب، وقابل للتطبيق، خاصة حين تتوفر النيّة الجديّة، وحين تبدأ الخطوات الأولى على السكة الصحيحة، وتستعيد المعارضة زمام المبادرة في قراراتها الوطنية، وفي مدّ الجسور مع الداخل وفاعلياته، وتنجح في وحدة العمل العسكري بقيادة سياسية.




المصدر