هل يستطيع أحد ترجمة الألم السوري؟


غالية شاهين

في ظاهرة ملفتة للنظر بدأ كثير من الكتاب والشعراء السوريين المقيمين في منافيهم المختلفة، محاولة اقتحام المنابر الثقافية للدول التي يقيمون فيها، من خلال ترجمة بعض نصوصهم -القصيرة غالبًا- إلى لغة تلك الدول، وهو ما يُعدّ خطوة مهمة وضرورية لإيصال تفاصيل الوجع السوري، ونقل ثقافة وإبداع هذا الشعب العريق.

ظاهرة جميلة حملت في بدايتها أملًا بكسر الحاجز الكبير بين الثقافة العربية، عمومًا، وثقافات الدول المستقبِلة لعدد كبير من الكتّاب، وبخاصة السوريين منهم الذين اضطرتهم الأوضاع الكارثية، في سورية والشرق الأوسط، إلى مغادرة بلادهم والتشتت في كل بقاع الأرض.

ولأسباب مختلفة كانت ألمانيا أكثر دول العالم استقبالًا للاجئين الذين كان من بينهم عدد كبير من الكتاب والشعراء السوريين، سرعان ما بدأت أسماؤهم تتردد ترددًا كبيرًا رُسُلَ ثقافة وحضارة، بعدما شرعوا في محاولة إعادة بناء عوالمهم المهدمة، بنتاجات أدبية جديدة، تحمل أكثر ما تحمله ذلك الوجع السوري، صراخًا بحجم الألم أو أنينًا بلون الفاجعة.

لكن كثافة وعمق ما يلبس السوريّ اليوم من ملامح الموت والخيبة والتشرّد، كانت عثرة كبيرة أمام قدرة المترجمين على نقلها، ما جعل كثير من القصاصين والشعراء يرفضون ترجمة قد تخون نصوصهم أو تشوهها في حالات كثيرة، بسبب ضعف المترجمين المتاحين، أو إدراك هؤلاء الكتاب الفارق بين الثقافات؛ ما سيمنع وصول وجعهم طازجًا إلى المتلقي الألماني، وقد يغيّر شكله أو يمسخه أحيانًا.

في المقابل، هادن بعض الكتّاب في جودة الترجمة والنقل، أو حتى أنهم باتوا يكتبون نصوصًا على مقاس الترجمة الساذجة، في محاولة لتحقيق ذات مريضة، يقودهم إلى ذلك وهم الشهرة والظهور الإعلامي الذي بات يشكّل قاعدة هشّة ترتكز عليها أسماء جوفاء.

بموازاة هؤلاء، ظهرت على السطح أسماء كثيرة لا تضم سيرتها الذاتية سوى هذا الحضور الوهمي، بنصوص مترجمة إلى الألمانية ومشاركات قليلة في فاعليات، تقام هنا وهناك، بجهد منظمات ومؤسسات ثقافية ألمانية، بدأت تهتم بالوافدين الجدد، دون ان تكون قادرة حتى الآن على التمييز بين الأصلاء والفطور الثقافية التي احتلت مساحات كبيرة من الساحة الثقافية السورية.

ربما يجب، في الصعيد الشخصي، ألا نقيم وزنًا لهذا الاختلال في التوازن، لكونه سيزول مع الزمن، ولن يستمر إلا من يستحق الاستمرار، لكن الوجه الآخر لهذه الظاهرة هو التشوّه الحقيقي الذي اعترى صفة “الأدب السوري”. فمع الاعتزال شبه التام للمبدعين السوريين الحقيقيين لموضوع الترجمة العاجزة عن عكس ما تحمله نصوصهم، واكتساح النصوص الضعيفة والبسيطة، حد السخافة أحيانًا، باتت صورة الأدب السوري هزيلة ومشوهة، خاصة بعدما ادعى من ليس لهم علاقة حقيقية به، تمثيله في هذه البلاد!

قد يكون الأمر قابلًا للحل حتى الآن، لكنه سيصبح مشكلة حقيقة إن استمر الحال على ما هو عليه. وبما أنه لا يمكن لأحد أن يصادر حق أي “كاتب” في الترجمة والنشر والمشاركة، فإن الحل الوحيد هو تشجيع المبدعين على ممارسة هذا الحق، في محاولة لإعادة التوازن، وهو ما يتطلب جهدًا كبيرة ومبالغ مالية أكبر، لا يستطيع أفراد بعينهم تقديمها، بل يلزمها تبنٍّ كامل من مؤسسات ثقافية عربية أو سورية، لمشروع يأخذ على عاتقه تلك المهمة الجليلة، في ترجمة ونشر الثقافة السورية خصوصًا، والعربية عمومًا، محافظة على الملمح السوري الوحيد المتبقي، والقادر وحده على إعادة صوغنا من جديد.

هو الاستثمار في الأدب والثقافة طوقنا الوحيد للنجاة، فبغير ذلك لن يستطيع صوت السوريين، وهو كل ما تبقى لهم، الوصول إلى أحد، وعندها سيموتون فعلًا.




المصدر