أنا حصان أصيل، لكني رُبطت مع بغل “مثل بابلي”


غسان الجباعي

من المؤلم، في ظل كل هذا الدم والخراب الذي تتعرض له بلادنا، أن تجد فريقًا منا –نحن السوريين- جند نفسه وتفرغ لتخريب من نوع آخر، هو التشهير والإدانة والشتم والاتهامات العشوائية لسوريين آخرين، لا يستحقون إلا التقدير والاحترام؛ ذنبهم الوحيد أنهم باتوا رموزًا وطنية، أو شخصيات معروفة، أو فاعلة في الحراك المجتمعي والسياسي والثقافي.

بات من الرومنسية -وربما العبثية- القول: إن “الشجرة المثمرة تُرمى بالحجارة”؛ لأن الهدف ليس الثمرة، بل تلويث سمعة الشجرة، واتهامها بأنها جرداء يابسة، تخلو حتى من ورقة خضراء واحدة؛ فلا تصلح إلا للنار!

كذلك باتت مقولة “أن تشعل شمعة أفضل من أن تلعن الظلام” مقولة سريالية في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، والرجل الحر بالوطواط!

يقول كمال جنبلاط، ما معناه: “إذا أشرت بإصبع الاتهام إلى شخص ما، فتذكر أن ثلاثة أصابع في كفّك تشير إليك”. وإذا كانت الإشارة بالسبابة تحتاج إلى شجاعة المواجهة والموقف، فالكتابة عبر الإنترنت أعفت الجبناء من هذا الشرف، أو حتى من البوح بأسمائهم الحقيقية.

لقد مكّنتنا شبكات التواصل الاجتماعي من التعبير عن أنفسنا، وما يدور حولنا من أحداث، وهي بذلك منحتنا حقًا طالما افتقدناه وناضلنا من أجل الحصول عليه، وهو حق التعبير، لكنها –عمليًا- وضعتنا وجهًا لوجه؛ ليس أمام معنى الحرية فحسب، وإنما أمام معنى المسؤولية أيضًا؛ فحق التعبير ليس عظمة تنتزعها من شدق كلب؛ لترميها في وجه هذا وذاك! وهو ليس شرفة للنميمة ومراقبة العابرين والعابرات، وكيل الاتهامات لهم، بسبب ومن دون سبب.

يحق للسوريين السخرية من كل شيء، ونقد أي شخصية كانت! وهم اليوم يملكون “سلاحًا شخصيًا” يمكّنهم من التواصل مع العالم، ويستطيع الشرفاء منهم -في أي وقت، ومن أي مكان- طرح قضيتهم، والتعبير عن أحلامهم وشجونهم وطموحاتهم، وتوجيه سهام الاتهام إلى صدور من خذلهم أو خانهم أو تآمر عليهم أو سرق قوت يومهم… لكن بعضهم –وهو كثير- وجّه هذا السلاح إلى صدور السوريين ورموزهم الوطنية، ذلك؛ لقتل معنوياتهم وكسر إرادتهم وتشويه ثورتهم العادلة؛ بذريعة نقد مساوئها والذود عنها وإصلاح مسارها! وهم –في الواقع- يمارسون “العهر” تحت راية الشرف، والنذالة تحت راية النبل، و”الخيانة” تحت راية الأمانة. عبيد يدّعون الحرية، طائفيون يدّعون الوطنية، مستبدون يدّعون المشاركة والديموقراطية، متعصبون حاقدون يدّعون الانفتاح والتسامح… فهل ينطلي هذا علينا بعد اليوم، وهل يستطيع هؤلاء تزييف الحقيقة وتشويه وعي الناس؟

إن قطرة واحدة من القذارة قادرة على إفساد جرة من الماء العذب! هنا تكمن خطورة الوسخ والخبث، وقدرة المنافقين على التخريب. والمثل العربي يقول: “إذا كنت لا تخجل، فافعل ما تريد”! إنها مسألة أخلاق، وحدٍ أدنى من الضمير.

لن نذكر أسماءهم، كما يفعلون، وليس لدينا الوقت والجلَد لمواجهة هذه المكائد، ولن ننجرّ إلى ساحتهم ونستخدم أساليبهم الرخيصة في التشهير والتطاول وتزوير الحقائق؛ فقضيتنا أكبر بكثير من هذه المعركة المفتعلة، وتحتاج إلى أفعال لا أقوال. فأنت تستطيع، إذا نبح كلب في وجهك، أن ترميه بحجر وتكمل دربك، لكن ماذا يستطيع رجل محترم شريف أن يفعل، إذا طُلب من مأجور أن يشتمه، على صفحات التواصل، ويشهّر به، ويكيل له اتهامات شتى!؟ إنه لخاسر في الحالتين، فإن ردّ عليه انزلق إلى مكانة لا تليق به، وإن صمت أوحى بأنه مدان!

هؤلاء هم الوجه الآخر للثورة المضادة، وهم -اليوم- أخطر على قضيتنا من الاستبداد والطغيان، وهذه الأساليب الخبيثة، تُعدّ أقذر ما يمكن أن يستخدمه الوضيع ضد الرفيع، والجبان ضد الشجاع، فماذا تفعل الشمعة في وجه هذه العتمة؟ وهل تستطيع الشموع وحدها أن تطرد خفافيش الظلام؟

رحم الله البابلي الذي قال: “أنا حصان أصيل، لكني رُبطت مع بغل”.




المصدر