راما نجمة: المبادرات و”المشاريع” الثقافية السورية المرتبطة بالحراك المدني والتغيير الديمقراطي


جيرون

تعمل الباحثة راما نجمة لإنجاز بحث ضمن إطار برنامج أولويات العمل الثقافي السوري. يحمل البحث عنوان: المبادرات و”المشاريع” الثقافية السورية المرتبطة بالحراك المدني والتغيير الديمقراطي، ويهدف إلى رسم خريطة للمبادرات والمشروعات الثقافية التي نشأت وتطورت، بوصفها جزءًا من المشاركة المدنية في الثورة السورية. ويسعى البحث إلى التوصّل إلى نتائج كمية ذات صدقية، تظهر واقع الحركة الثقافية السورية بعد 2011، ونقاط قوتها وضعفها؛ ما يمكّن من استنتاج مكامن الفرص والتحديات، فضلًا عن وضع مخططات رقمية تصنّف المبادرات الثقافية الموجودة، بحسب عدد من المتغيرات (النوع الفني، المكان الجغرافي، أشكال التمويل، الأدوات الثقافية المستعملة، الشكل المؤسساتي، الاستمرارية، العلاقة مع المجتمع المحلي… إلخ).

تقول الباحثة راما نجمة حول سياق البحث: “خلال عقود طويلة أسّست الفنون السورية لتقليد خاص بها من انتقاد السلطة، ولكن بلغة مجازية وضمن مسافات مدروسة، جعلت النشاط الفني والثقافي السوري يُصنف -غالبًا- نشاطًا نخبويًا. لكن، ما اختزنته سورية من طاقات، تكفّلت الثورة بإخراجه إلى العلن. فمع انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، ظهرت مئات المحاولات الفنية لتكون جزءًا أساسًا من الحراك المدني للثورة السورية. أنتجت الثورة كثيرًا من الأشكال والابتكارات الفنية التي تجعل من الفضاء العام مجالًا للانفلات من عقال الاستبداد، عبر رسوم الغرافيتي وعدسات الكاميرات، وتحدى الفنانون السلطة ورموزها، عبر الكاريكاتير والكتابات الأدبية، وساهموا في الحراك السلمي، عبر الأغاني واللوحات، وكان لهم دور في نقل المأساة السورية للعالم عبر السينما والأفلام التسجيلية، ويسهمون اليوم في الإغاثة والتعليم والعلاج النفسي لضحايا الحرب، عبر المسرح والعروض الأدائية وغيرها”.

مشكلة البحث

وعن مشكلة البحث، تقول الباحثة: “تعمل اليوم المشروعات الثقافية وفق شروط صعبة وإمكانات محدودة، بخاصة في الأماكن المحاصرة، وهي لا تملك مصادر تمويل ثابتة أو أساليب إدارة واضحة أو خطط استراتيجية مكتوبة، ويعمل بعضها وفق رؤى آنية بحتة، ما يهدّد استمراريتها. فيما يستمر النزوح الفني منذ خمس سنوات، لينتقل النشاط والحراك الثقافي السوري إلى الدول المجاورة. إن المشهد الثقافي للقطاع المستقل اليوم ضبابي، لا يمكن تصوره بسهولة، فضلًا عن أنه فوضوي، بسبب عدم وجود هياكل ثقافية تنظّمه ومرجعيات قانونية يعتمد عليها، إضافة إلى تشتّته بين دول كثيرة. وفي هذا الإطار، فإن السؤال عن دور القطاع الثقافي المستقل في مستقبل سورية وفي إنجاز التحول الديمقراطي المنشود، أو حتى طرح السؤال الأسبق والأصعب، عن دور هذا القطاع في حاضر سورية اليوم، وإمكانياته لممارسة دور أكبر في حماية سورية من الانهيار والتفكّك، يبدو بحاجة إلى قاعدة معرفية أكبر. فما هذا القطاع، مم يتألف، ما علاقة عناصره بعضها ببعض، ما الأدوات التي يستعملها، وما علاقتها بالموارد الثقافية السورية؟ من هم الفاعلون واللاعبون الرئيسون فيه، وما حجمه الحقيقي، ما الأدوات التي يستعملها وما مصادر تمويله؟ كيف يتوزع جغرافيًا، وهل هناك مناطق منسية فنيًا؟ وما الفنون التي تحظى بالنصيب الأكبر فيه؟ وهل هناك فنون مهمشة؟ هل يذهب التمويل في اتجاهات محددة، ولماذا؟ هل هناك نخبة فنية جديدة آخذة في التشكل، والاستحواذ على حصة الأسد، من المشهد الثقافي؟ هل هناك ثقافة مسيطرة جديدة تتحدث باسم الآخرين؟ ما معدل الاستدامة والاستمرارية؟ ما جانبها التنموي؟”.

تأتي أهمية البحث من ضرورة فهم خريطة العمل الثقافي الجديدة، بوصفها أحد الخطوات المهمة في بناء أشكال ممأسسة للفعل الثقافي المستدام، وفي توجيه التركيز باتجاه جبر أكثر المناطق هشاشة في هذا الخريطة، أو الاستفادة من مراكز قوتها. ويأتي هذا البحث في إطار أوسع يتعلق بمشروع أولويات العمل الثقافي السوري الذي تسعى من خلاله مؤسسة اتجاهات إلى بلورة سياسيات ثقافية يقودها القطاع المستقل، ويتطلع إلى تغيير ديناميات العمل المستقل في سورية، فمع تحديد اتجاه البوصلة لابد من فهم مكان الانطلاق وإحداثياته وشروطه، أي -ببساطة- معرفة الواقع الذي يُراد تغييره أو إدارة مكوناته.

اختيار المنهج

حول المنهج المتبع في تنفيذ البحث، تقول راما: “يُنفذ البحث بأسلوب البحث الكمي، عبر دراسة عدد من المتغيرات وقياسها وتفكيك علاقاتها بالمشروعات الثقافية السورية المرتبطة بالحراك المدني. إذ سيجري الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المشروعات والمبادرات الثقافية المرتبطة بالحراك المدني، ووضعها ضمن تصنيفات ترتبط بعدد من المتغيرات (التوزع الجغرافي، الاستمرارية، النوع الفني، زمن الانطلاق، التمويل …الخ) وسيجري الخروج بنسب إحصائية يمكن تعميمها على مجتمع البحث، بحيث تعكس هذه النسب شكل خريطة القطاع المستقل وتحولاتها خلال السنوات الأربع الماضية.”

الجدير بالذكر أن أولويات العمل الثقافي السوري هو برنامج يسعى إلى إعادة النظر في المشروع الثقافي السوري، في سياق التحولات السياسية والاجتماعية في سورية. يعمل المشروع لتجميع المعنيين بالشأن العام، من المختصين والفاعلين في المجالات الثقافية والإبداعية المختلفة، لمناقشة القضايا المرتبطة بالتغيير الثقافي، والعمل لنكون “قطاعًا مستقلًا” فاعلين ومساهمين في صناعة القرار فيه، ويجري بالتعاون مع المجموعة غير الرسمية لأولويات العمل الثقافي السوري، بدعم من مؤسسة المورد الثقافي.




المصدر