صحيفة فزغلياد: قدَّموا لروسيا عرضًا لا يمكنها إلا أنْ ترفضه


سمير رمان

صورة: وكالة رويتر

قدَّم وزير خارجية بريطانيا لروسيا عرضًا تدخل بموجبه روسيا ضمن التحالف الذي شكَّلته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، يفضي إلى تحقيق خروج منظَّمٍ للأسد. وفي محاولةٍ لتغيير موقف روسيا في سورية، يتظاهر بوريس جونسون أنَّه لا يعرف موقف روسيا من هذا التحالف، ومن بشار الأسد؛ ما اقتضى إنعاش ذاكرته.

كتب وزير الخارجية البريطانية، بوريس جونسون، في صحيفة “ديلي تلغراف”: أنَّ بوسع روسيا الانضمام إلى تحالف الدول الغربية في محاربة الإرهاب، وأنَّ على روسيا -في المقابل- تقديم دعمٍ حقيقيٍّ لعملية وقف إطلاق النار في سورية؛ لوضع حدٍّ لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة في تلك البلاد، وكذلك لتنفيذ مشروع التسوية السلمية الشاملة وتحرير الشعب السوري من سلطة بشار الأسد.

لا يمكن تغيير موقف روسيا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية

” الروس أنقذوه، وبمقدورهم المساعدة في إخراجه عبر عملية انتقالية مُراقَبَة، تحافظ على مؤسسات الدولة وتحقق مستقبلًا مستقرًا متعددًا للبلاد”.

يشير جونسون إلى أنَّه بتحقيق هذه الأهداف، يكون بإمكان روسيا الانضمام إلى تحالف الدول الغربية، والمحافظة على مصالحها الإستراتيجية في سورية، ومنحها -أيضًا- أملًا في علاقاتٍ مثمرة مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب. ويبدو أنَّ جونسون يأخذ في الحسبان مكافأةً أُخرى ستحصل عليها روسيا:” مع الوقت سيساعد الغرب روسيا في النهوض بالبلاد”. ويقول جونسون أنَّه ” مازال لدى روسيا الوقت لتأخذ الجانب الصحيح”. أي أنَّ وزير الخارجية البريطاني يدعو روسيا، مقابل تحسين العلاقة مع ترامب، والمحافظة على مصالحها الاستراتيجية في سورية، إلى الانضمام إلى التحالف الأميركي؛ لقتال تنظيم الدولة الإسلامية وتحقيق خروج الأسد.

فما الذي يرمي إليه جونسون، وكيف ستردُّ روسيا؟

أولًا، لا تقع مسألة تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ضمن قدرات جونسون. علاوةً على ذلك، وكما لاحظ نائب المندوب الدائم الروسي في الأمم المتحدة، سافرونكوف، أنَّ الإنكليز أصابهم الذعر و”جافاهم النوم” من إمكانية التقارب بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. تعمل بريطانيا العظمى جاهدةً، ولا سيما في ظلِّ أوضاع “البريكس”، إلى تمتين تحالفها مع الولايات المتحدة في كل الجوانب؛ لتستغلَّها في لعبتها على الساحة الأوروبية، وفي غيرها من مناطق العالم. ولهذا لا يناسب التقاربُ بين بوتين وترامب بريطانيا البتَّة. ومن ثم، فإنَّه يمكن عدّ قلق جونسون بشأن العلاقات الروسية – الأميركية قلقًا “مفتعلًا” يدعو إلى السخرية.

ثانيًا، وهو الأهمُّ، موقف روسيا الاتحادية من التحالف الذي شكَّلته الولايات المتحدة الأميركية، معروفٌ جيدًا، ولا يمكن تغييره. سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أنْ أعلنّ بناء التحالف ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2014، عشيَّة الذكرى السنوية الثالث عشرة لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2011. وفي ذلك العام، حقَّق تنظيم الدولة الإسلامية نجاحات مبهرة؛ ما اضطرَّ واشنطن إلى إظهار موقفٍ جادٍّ تجاهه؛ فبنت تحالفًا من دول حلف الأطلسي وبعض الدول العربية، من بريطانيا العظمى إلى المملكة العربية السعودية، كان يُفترض بهذا التحالف أنْ يقهر تنظيم الدولة الإسلامية.

قبل تشكيل التحالف بنحو ستة أشهر، فرضت إدارة أوباما عقوبات على روسيا، ولهذا؛ لم تدعَ للانضمام إلى هذا التحالف، بعد أحداث شبه جزيرة القرم، أعلن الغرب أنَّ بلادنا(روسيا) تمثِّل إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية التهديد الأكبر للعالم، ولهذا لم يكن ممكنًا دعوة شريرٍ لقتال الشرير الآخر. وفي حقيقة الأمر، لم تكنْ روسيا لتنضمَّ إلى تحالفٍ كهذا؛ لأنَّه لا يلبِّي مصالحها، وكذلك؛ لأنَّه لا يخدم موقف [النظامين في] سورية أو إيران. قالت روسيا، وقتئذ، أنَّ محاربة تنظيم الدولة الإسلامية غير ممكنةٍ بدون دعمٍ من الأسد، وخاصَّةً في أوضاع يقاتل أعضاء التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية وضدَّ الأسد (بالطبع ليس مباشرة، ولكن عن طريق دعم “الإسلاميين” [يسمي الكاتب المعارضين السوريين بالإسلاميين، ليسوغ عدوان بلاده على الشعب السوري. المحرر] الذي يحاربونه). ولكنَّ واشنطن لم توافقها الرأي حينئذٍ. ولهذا بالتحديد لم تدعم روسيا قيام التحالف.

ماذا قال فيتالي تشوركين خريف عام 2014؟

“لن ننضمَّ إلى تحالفٍ يعمل خارج نطاق قرارات مجلس الأمن، وبدون تفويض منه. إنَّهم يقصفون أراضي سورية بدون موافقة النظام السوري، وبدون موافقة مجلس الأمن. في العراق- نفهم الأمر. فهناك حصلوا على موافقة الحكومة العراقية، أو أنَّهم تفاهموا معها. في سورية الأمر مختلف”.

خلال السَّنة الأولى، لم يتمكن التحالف، الذي ضمَّ 65 دولة (تشكل 12 دولة عموده الفقري)، من تحقيق نجاحٍ ملموسٍ في العراق أو سورية؛ فالدولة الإسلامية لم تتراجع، بل وسَّعت المساحة التي كانت تسيطر عليها، وأصبح الوضع بالنسبة قوات [النظام] السوري أكثر صعوبةٍ، ولم يعد بإمكانها الصمود أمام ضربات “الإسلاميين العاديين” [المعارضة] وضربات مقاتلي تنظيم الدولة. في صيف عام 2015، بدأت روسيا تنشيط فكرة إقامة تحالفٍ شاملٍ جديد ضد “الإرهابيين”[يعني الكاتب بالإرهابيين قوات المعارضة السورية. وقد دأب نظام موسكو، وإعلامه الذي يسيطر عليه نظام بوتين، على وصف المعارضة السورية بالإرهابيين. المحرر]، وتوجهت بالفكرة إلى الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وإلى المجتمع الدولي عامَّةً. كان المفترض أنْ يكون الهدف الرئيس لهذا التحالف هو تنظيم الدولة الإسلامية. والفارق بين هذا التحالف والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سيكون بحصوله على تفويضٍ من الأمم المتحدة، وكذلك مشاركة الدولة التي ستدور على أراضيها المعارك ضد العدو “المشترك”، أي الأراضي السورية.

تحدَّث فلاديمير بوتين عن هذه المبادرة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في أيلول/ سبتمبر عام 2015، ولكنَّ مبادرته قُوبِلت بالرفض من الولايات المتحدة الأميركية؛ ما دفع بروسيا للقيام بعمليتها العسكرية في سورية بمفردها. والفرق بين العمليَّة الروسية والعمليات التي ينفذها التحالف الغربي أنَّ روسيا تصرَّفت بناءً على دعوة تلقتها من [نظام] دمشق، وبالتعاون مع جيش [النظام] السوري. وبالطبع تشارك إيرانُ روسيا في القتال إلى جانب نظام الأسد. بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية، عرضت موسكو على واشنطن تنسيق عمليات التحالفين في الأجواء السورية، بيد أنَّ الأميركيين لم يوافقوا، واستمروا بإصرارهم على ضرورة خروج الأسد. من جانبها، اتهمت روسيا الولايات المتحدة بأنَّ أولويتها إسقاط الأسد، وليس هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

قال سيرغي لافروف، خريف عام 2015:” شركاؤنا الأميركيون إمَّا أنَّهم، ومنذ البداية، شكَّلوا تحالفهم بدون تخطيط، وإمَّا بيَّتوه تبييتًا يهدف إلى تحقيق أهدافٍ غير تلك المعلنة. تشكَّل التحالف على عجلٍ. خلال أيامٍ أُعلن تحالف يضمُّ عدة دول، وبدئ بشنِّ ضرباتٍ ما. آملُ أنني لا أخذل أحدًا عندما أقول إنَّ بعض الزملاء من الدول المنضوية في هذا التحالف يقولون إن كانت تتوفر لديهم، أحيانًا، معلومات محدَّدة عن أماكن وجود تنظيم الدولة الإسلامية، هنا أو هناك، ولكنَّ قائد التحالف لا يعطي الموافقة على شنِّ الضربات الجوية عليها”.

في عام 2016، بدأ الموقف من الأسد بالتغيُّر تدرّجًا، – عندما اتَّضح أخيرًا أنَّ تحولًا أساسيًّا قد حدث فعلًا في الحرب في سورية، وكذلك عندما تمكَّنت روسيا من تنسيق عملياتها، ليس فقط مع إيران، بل ومع تركيا أيضًا. وعلى الرغم من أنَّ إدارة أوباما لم تتخلَّ رسميًا عن المطالبة برحيل الأسد، إلا أنَّ “الجميع” أدرك أنَّ رحيله لم يعد أولوية بالنسبة لها.

في عهد دونالد ترامب، لم يعدْ أحدٌ يشير إلى ” رحيل الأسد أولًا، ثمَّ تأتي التسوية”. تحدَّثتْ واشنطن علنًا عن تفهمها ضرورة الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية أولًا، والاتفاق بعدئذ حول مصير النظام السوري. إضافةً إلى ذلك، عُقد خلال شباط/ فبراير، وآذار/ مارس اجتماعان بين رؤساء أركان روسيا والولايات المتحدة، وكان ذلك للمرة الأولى خلال السنوات الماضية، نُوقِش خلالهما (خلف الأبواب المغلقة بالطبع) تنسيق العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سورية.

جاء الهجوم الكيماوي على إدلب، ومن بعده الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية السورية ليتفجِّر الوضع؛ فقد عاد الأميركيون إلى الحديث من جديد عن عدم قبول الأسد- وهنا بالضبط تأتي مقترحات جونسون.

فما جوهرها؟ جوهر العرض ليس في الطريقة “الفجَّة”: “على الأسد الرحيل”. تقول لندن لروسيا نحن نتفهم مصالحكم في سورية، ونحن نستطيع أنْ نضمن الحفاظ عليها مستقبلًا، ولكن في ظلِّ سلطةٍ جديدة تشكَّلُ بإشرافنا معًا. ولهذا يلزمنا انضمامكم إلى تحالفنا، والتخلي عن إيران (هذا الأمر لا يصرَّح به، ولكنه مفهومٌ بطبيعة الحال من خلال المؤلفات الأنكلو- سكسونية التي تشير إلى نظام الملالي الشيعي، رعاة الإرهاب، ولا تتصور وجود إيران في تحالفٍ واحدٍ مع الغرب الديمقراطي والدول الملكية السنيَّة)، ولاحقًا تأخذون الأسد إلى روسيا.

ليس لدى روسيا سببٌ واحدٌ يدفعها حتى لمناقشة مقترحات جونسون، لا الدخول في التحالف الأميركي، ولا تحقيق خروجٍ آمنٍ للأسد يلبي مصالحها القومية. وفي ما يتعلَّق بالعلاقة مع ترامب، فإنَّ باستطاعة بوتين إيجاد طريقة ما من دون مساعدة بوريس جونسون.

اسم المقالة الأصليРоссии сделали предложение,от невозможно не отказаться
الكاتببيتر أكوبوف
مكان النشرصحيفة فزغلياد
تاريخ النشر16-04-2017
رابط المقالةhttps://www.vz.ru/politics/2017/4/16/866520.html
اسم المترجم سمير رمان



المصدر