هل يلعب الاتحاد الأوروبي دورا في إعادة إعمار سوريا؟


أناليسا بيرتيغيلاأناليسا بيرتيغيلا

زميلة باحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (إسبي). تحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإيرانية وتركّز أبحاثها على أمن الشرق الأوسط والجماعات المسلحة غير الحكومية وسياسة إيران الداخلية والخارجية.


يوجينيو داكريمايوجينيو داكريما

يوجينيو داكريما مرشح لشهادة الدكتوراه في جامعة ترينتو، إيطاليا، وهو يتكلّم اللغة العربية. كما أنّه باحث مشارك في المعهد الإيطالي للدراسات الدولية (إسبي). عاش في سوريا من 2009 إلى 2010 حيث عمل في السفارة الإيطالية. في عام 2016، كان أستاذاً زائرا في الجامعة الأميركية في بيروت. داكريما هو مساهم منتظم في العديد من الصحف الإيطالية ويكتب تقارير استشارية للبرلمان الإيطالي.

بقلم , . ترجمه‫/‬ته إلى العربية .

بعد ستة أعوام من الحرب الأهلية الدامية، سورية اليوم غارقة بين ركام الأنقاض. وتختلف تقديرات الدمار بين مصدر وآخر. وباتت حملات التفجير تستهدف تؤثر بشكل كبير على البنى التحتية بالإضافة إلى المدارس التي دُمّر ربعها في حين تراجع إجمالي الإنتاج الاقتصادي بنسبة 60% بالمقارنة مع عام 2010. يتداخل الدمار المادي مع تدهور عميق في النسيج الاجتماعي إذ تغيّرت الخريطة الاجتماعية في البلاد بشكل جذري بفعل نزوح وهجرة ملايين الناس بينما ارتفعت وتيرة حوادث التمييز والعنف الإثني والديني. ثمّة 6،5 مليون نازح في البلاد وأكثر من 5 ملايين شخص هربوا إلى دول أخرى كلاجئين. يطرح هذا الوضع المأساوي تحديات كبيرة لمرحلة ما بعد الصراع. وتحتاج إعادة إعمار البلاد إلى مئات المليارات ويقدّر صندوق النقد الدولي هذا المبلغ بمئتي مليار دولار. لهذه الغاية، من الضروري تحديد المانحين الراغبين سياسياً والقادرين فعلياً على تأمين موارد مالية بمبالغ ملحوظة. ولكنّ إيجاد المال ليس المشكلة الوحيدة، إذ ثمة حاجة ملحّة للتوصّل إلى تسوية سياسية لإنهاء الصراع بطريقة تضمن مستوى مرضياً من الاستقرار السياسي على المدى البعيد؛ فالاستقرار شرط مسبق لأي خطة إعادة إعمار. في هذا المقال، نحلّل أولاً الخيارات المطروحة لإنهاء الصراع المسلّح، وثانياً نقيّم ارتباطها بإعادة الإعمار. وثالثاً، ننظر إلى الدور الذي قد تلعبه الدول المانحة في مرحلة ما بعد الصراع. ونجد أن أوروبا (الاتحاد الأوروبي) ككل والدول الأعضاء منفردة، هي حالياً الجهة المانحة الدولية الرئيسية الوحيدة التي لها المصلحة والموارد اللازمة لدعم إعادة الإعمار في سورية. ومع ذلك، قد تلعب الصين و الولايات المتحدة دوراً بارزاً هي أيضاً. في نهاية المقال، نقدم بعض الملاحظات الختامية والتوصيات المتعلقة بالسياسة العامة. معضلات عملية إعادة الإعمار ما بعد الصراع: نحو اللامركزية؟ وفق البيانات والتقارير التي نُشرت في الأعوام السابقة حول إعادة إعمار سورية بعد الصراع، وتحديداً تلك الصادرة عن مشروع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعنوان “برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية”، يجب أخذ عاملين عامين بعين الاعتبار. أوّلاً، ستكون عملية إعادة إعمار سورية مكلفة كثيراً إذ قدّرت دراسات حديثة هذه الكلفة بأكثر من 200 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية المدمّرة فقط. ثانياً، يعتمد نجاح أيّ خطة إعادة إعمار بشكل أساسي على الديناميكيات السياسية التي ستفضي إلى نهاية الصراع المسلّح. ففي الواقع إذا أدّت التطورات الميدانية الأخيرة، وخصوصاً بعد معركة استرجاع حلب، إلى استبعاد احتمال الإطاحة ببشار الأسد (المقال كتب قبل الضربة الأميركية الأخيرة وعودة الغرب إلى التصريح بضرورة رحيل الأسد ولو بشكل منظم)، فسيكون أي شكل من أشكال التسوية السياسية ضرورياً لإنهاء الصراع وتقديم حلّ معقول للجهات المانحة المحتملة لتأمين الاستقرار اللازم من أجل توزيع المساعدات. ولكن، في ظلّ استحالة إزالة الأسد ومؤسساته الأمنية العديدة والقوية من مراكز القوة الرئيسية في دمشق، طُرحت صيغة ثانية لتسوية سياسية في العام الماضي كبديل معقول لتقاسم السلطة في الحكومة المركزية، وهذه الصيغة هي اللامركزية. في مثل هذا السيناريو، تبقى الحكومة الوطنية حتماً في قبضة الأسد- مخلوف في حين يُكافأ وسطاء السلطة المحليون على مستوى المنطقة و/أو المحافظة ببعض الاستقلالية السياسية والمالية. ويدمج هؤلاء جزءاً من قوى المعارضة على الأقلّ [i]. ولكن في هذا الحلّ نقطتا قوة ونقطتا ضعف محتملتين. نقطة القوة الأولى هي وجود المجالس المحلية أصلاً في عدة مناطق تحت سيطرة المعارضة أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وتعمل العديد من هذه المجالس منذ أعوام وتفرض سلطتها على القرى والبلدات الصغيرة أو الأحياء داخل المراكز المدنية الكبرى. في العديد من الحالات، تُنتخب المجالس على المستوى المحلي، وفي الحالات الصعبة، على سبيل المثال في قرى محافظة إدلب مثل معرة النعمان وكفرنبل، ظهرت هذه الكيانات السياسية الجديدة كحواجز شرعية وقوية لتعادل قوة الميليشيات الدينية المتطرّفة. أما نقطة القوة الثانية في حلّ اللامركزية، أقلّه على الورق، فهي تشريعها بموجب المرسوم التشريعي 107/2011، وهو قانون لامركزية مرّرته حكومة الأسد عام 2011 مع إجراءات أخرى لتهدئة التظاهرات الشعبية. [ii] بالتالي، أيّد النظام مبدأ اللامركزية بطريقة أو بأخرى. ولكن في الأعوام اللاحقة، تشكّلت المؤسسات اللامركزية الفعلية الوحيدة في المناطق تحت سيطرة المعارضة وحزب الاتحاد الديمقراطي ولكن لم تُطبّق أي من إجراءات مرسوم 107/2011 في مناطق النظام. يقدّم المرسوم شكلاً من أشكال اللامركزية التي تعطي صلاحيات أكثر للوحدات الإدارية المحلية أي المحافظات والمناطق. بالتالي، يتعارض مع أشكال اللامركزية الأخرى التي طُرحت خلال الصراع مثل النموذج الفدرالي الذي يدعمه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بشدّة، والذي استُبعد عن طاولة المفاوضات بسبب رفض نظام الأسد والمعارضة على حدّ سواء له. أُدرج حلّ اللامركزية الذي يتّسم بميزات شبيهة بتلك التي نصّ عليها مرسوم رقم 107 على المسودة الدستورية التي طرحتها روسيا خلال مفاوضات الأستانة. والمشروع الروسي هو الوحيد الذي تجري مناقشته خلال أي جلسة مفاوضات ولم تعلن أيّ جهة معارضتها لمبدأ اللامركزية حتى الآن. بالتالي، يطرح خيار اللامركزية نقطتيّ ضعف بارزتين. أولاً، يختلف مفهوم اللامركزية بالنسبة للمعارضة والنظام. في صيغته الحالية، يشرّع المرسوم رقم 107 استخدام المجالس المحلية المنتخبة لجزء من الموازنة التي يُعاد تخصيصها من الحكومة المركزية إلى المحافظات والمناطق والبلديات لتطوير البنى التحتية المحلية والمشاريع الاقتصادية، شرط أن تجري النشاطات تحت الإشراف المباشر للحاكم المحلي ومسؤولين حكوميين تعيّنهم الحكومة المركزية مباشرة. بالتالي، تحدّ هذه الإجراءات من استقلالية المجالس المنتخبة ومن قدرتها على التصرف كممثل موثوق في اتفاق تقاسم السلطة على المستوى المركزي. لتُعتبر هذه المجالس جزءاً من تسوية، عليها المحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقلالية السياسية والمالية الفعلية، ما يشكّل شرطاً مسبقاً للطلب من ميليشيات المعارضة وحزب الاتحاد الديمقراطي أن يسلّموا أسلحتهم وينضمّوا إلى عملية سياسية تحت سلطة دمشق. أمّا نقطة الضعف الثانية، فهي مرتبطة بتطوّر العلاقات المستقبلية بين السلطات المركزية في دمشق والوحدات الإدارية المحلية الجديدة. من جهة، تاريخياً، لطالما كانت السلطة المركزية بيَد الأسد الذي يرفض أي شكل من أشكال المعارضة بما فيها الأحزاب السياسية القليلة التي سُمح لها أن تنشأ إلى جانب حزب البعث. بالتالي، ليس مستبعداً نشوب صراع وتضارب في إسناد السلطة بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية المتمتعة بسلطة حديثة. وقد تؤدي هذه الصراعات إلى قلّة توازن في توزيع أموال الميزانية وتقوّض أية جهود متوازنة ومتجانسة لإعادة إعمار البلاد. وعلى الأرجح، ستصرّ دمشق على أن تتلقّى بنفسها جميع أموال إعادة الإعمار المتدفقة إلى سورية بغية جعل السلطات المحلية المستقلة رسمياً تعتمد على الحكومة المركزية فعلياً. من جهة، في غياب آليات محاسبة مناسبة، من المرجّح أن يتمّ توزيع الأموال بشكل غير متساوٍ بحسب درجة ولاء السلطات المحلية السياسي للحكومة المركزية. وقد تستخدم هذه الأخيرة أموال إعادة الإعمار لتعزيز نفوذ الموالين الذين يضمن انتخابهم توزيع مبالغ ملحوظة من المال للمنطقة على حساب أعضاء المعارضة الذين سيُستبعدون مرة أخرى من السلطة. ونتيجة لذلك، ستظهر من جديد الانقسامات الاجتماعية التي أدّت إلى الثورة الحالية. من جهة أخرى، قد يطرح منح استقلالية زائدة للمجالس المحلية مخاطر جدية. مثلاً، نتيجة السماح للجهات المانحة الدولية بتمويل مشاريع إعادة الإعمار مباشرة في مناطق معيّنة، قد تفضّل القوى الدولية مناطق إستراتيجية جغرافياً لمصالحها أو مناطق تحت سيطرة سلطات محلية تتماشى إيديولوجياتها وسياساتها مع هذه القوى الدولية. بالتالي، قد تنشأ المزيد من الاختلالات والفروقات في تطبيق خطة إعادة الإعمار وقد تبرز ديناميات جذب مركزية تؤدي إلى نشوء مناطق تحت النفوذ المباشر للقوى الدولية أو الإقليمية المختلفة وإلى بلقنة البلاد فعلياً. أي جهات مانحة؟ كما رأينا، إنّ الحل السياسي الذي سيضع حداً للصراع سيكون له تأثير مباشر وعميق على أي خطة إعادة إعمار، خصوصاً على تحديد الجهات المانحة الدولية. حالياً، تشمل التسوية السياسية الأكثر ترجيحاً بقاء الأسد في موقع السلطة خلال المرحلة الانتقالية وحتى بعدها(المقال كتب قبل الضربة الأميركية الأخيرة وعودة الغرب إلى التصريح بضرورة رحيل الأسد ولو بشكل منظم)، ما يحدّ من عدد الجهات المانحة المحتملة بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، تبدو أي مشاركة بارزة من الممالك الخليجية التي تُعتبر أهمّ الدول المانحة الإقليمية مستبعدة في الوقت الراهن. على مدى السنوات الست الأخيرة، طالبت معظم دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً السعودية وقطر برحيل الأسد من السلطة ودعمت هذه الدول فعلياً المعارضة بالتعاون مع تركيا. بالإضافة إلى هذه الأسباب السياسية، تجدر الإشارة إلى أنّ السعودية تعيش مرحلة اقتصادية صعبة بسبب هبوط أسعار النفط وعملية الإصلاح الداخلي المضنية والحرب المكلفة والممتدّة على اليمن. كما يمكن استبعاد دور اقتصادي قوي للداعمين الأساسيين لنظام الأسد أي إيران وروسيا. فكلتاهما تمرّان بفترة اقتصادية عصيبة بسبب أسعار النفط المتراجعة والعقوبات الدولية وعدم الاستقرار الداخلي. في الواقع، اعتمدت إيران مؤخراً “مقاربة الدائن” مع النظام السوري ونجحت في تحصيل عدة عقود لشركات تابعة للحرس الثوري الإيراني [iii]. وتُعتبر هذه الصفقة بمثابة تعويض عن الاستثمار الكبير في الموارد والرجال الذي تحمّلته الحكومة الإيرانية لإبقاء الأسد في السلطة. ولكن لا تتماشى هذه المقاربة مع مفهوم كرم المساهمة في إعادة إعمار سورية. ويبدو أنّ روسيا أيضاً تبنّت مقاربة مشابهة كما تبيّن خلال المحادثات الثنائية عن الموضوع بين السلطات الروسية والدول الأوروبية. في الواقع، ثمة تردّد روسي في المشاركة مالياً في إعادة إعمار سورية وهي تعمل على تشجيع الغرب وخصوصاً أوروبا على لعب الدور القيادي في هذا المجال. خارج المعسكرات الإقليمية والغربية، الصين هي الجهة المانحة الوحيدة المحتملة التي تملك موارد قيّمة لتبنّي هكذا مهمة. ولكنّ تاريخ انخراط الصين في تقديم مساعدات دولية وتعاونها في هذا المجال يظهر أنّ بكين لا تتدخّل إلا عندما يضمن لها الوضع الميداني أرباحاً اقتصادية وسياسية ملحوظة للمستقبل [iv]. بالتالي، من المستبعد أن تقدّم السلطات الصينية أموالاً طائلة إن لم تكُن التسوية السياسية تضمن استقراراً على المدى البعيد، ما يبدو تعجيزياً في ظلّ الظروف الراهنة. مع ذلك، يُحتمل أن تقرّر بكين أن تستعمل سورية في مرحلة ما بعد الصراع لتدشين سياسة جديدة ذات بُعد دولي وتنخرط في برنامج مساعدات واسع لإعادة الإعمار. ولكن، في الوقت الحالي، لم تظهر السلطات الصينية أيّ نية للتحرّك في هذا الاتجاه. وأخيراً، لا يبدو أنّ إدارة دونالد ترامب مستعدّة لتقديم التزام مالي جدي لأنّ ذلك يتعارض مع مبادئه المعلنة خلال حملته الانتخابية وخلال الأشهر الأولى من رئاسته، والتي تنصّ على الحدّ من اعتماد الدول الأخرى على التمويل الأمريكي بغية إعادة توجيه المال نحو الإنفاق المحلي [v]. ولكنّ ردّ الفعل غير المتوقع للإدارة الأمريكية الجديدة خلال الأزمة الأخيرة الناتجة من الاستعمال المزعوم للأسلحة الكيميائية من قبل النظام في منطقة إدلب قد يتعارض مع هذه التقديرات وقد تلعب الولايات المتحدة بالتالي دوراً أكبر في عملية إعادة الإعمار. وسط هذه الاحتمالات، لا يبقى سوى أوروبا كجهة دولية مانحة لديها موارد كثيرة. ولدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مصالح متداخلة لدعم إعادة إعمار سورية. أوّلاً، ثمة حاجة إلى الحدّ من تدفق اللاجئين إذ أنّ ذلك يؤثر على الاستقرار السياسي لعدة دول أوروبية ويؤدي إلى صعود الحركات الشعبية بشكل متزايد. ثانياً، ثمة حاجة لإعادة إرساء الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط للحدّ من الخطر الإرهابي المتزايد مع تفاقم الصراع السوري. بما أنه الداعم الدولي البارز الوحيد الذي يُرجّح أن يساهم في إعادة إعمار سورية، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقع يخوّله ممارسة نفوذ ملحوظ على عملية التطور السياسي ما بعد الصراع في البلاد. وسيكون هكذا نفوذ غير مسبوق لأوروبا التي لم تلعب حتى الآن إلّا دوراً ضعيفاً بسبب عجزها عن إقناع الجهات المتنازعة على الأرض فعلياً بإنهاء الحرب. الدور الأوروبي المحتمل في إعادة إعمار سورية كما ذكرنا أعلاه، يعتمد دور اللاعبين الخارجيين فقط على قدرتهم على تحديد ميزان القوى ميدانياً. وقد أظهرت مشاركة روسيا وتركيا وإيران في الأستانة بوضوح أنّ الولايات المتحدة لم تعُد قادرة على تغيير معالم الساحة الدبلوماسية لأنّها غير منخرطة عسكرياً على الأرض بالدرجة نفسها، على الأقل حتى الآن (المقال كتب قبل الضربة الأميركية الأخيرة وعودة الغرب إلى التصريح بضرورة رحيل الأسد ولو بشكل منظم)، والأمر نفسه ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي تُعتبر مشاركته أقلّ بعد من الولايات المتحدة. تطمح بلجيكا إلى لعب دور بارز في حلّ الصراع، ولكنّ طموحها غير واقعي. فالاتحاد الأوروبي ككلّ والدول الأعضاء فيه ليس لديها كلمة قاطعة في نتيجة الصراع الميداني. في الوقت الراهن، دورها ثانوي وغير مباشر. قد يتغيّر الوضع مع بداية نقاش جدي حول إعادة إعمار سورية. من جهة، لدى الاتحاد الأوروبي مصلحة مباشرة في ضمان نتائج فعلية لإعادة إعمار سورية، ومن جهة أخرى، قد يستعمل دوره كجهة مانحة رئيسية لرسم سياسات اللاعبين السوريين الأساسيين على المدى البعيد. إنّ عودة اللاجئين السوريين بأمان هي أحد أهداف الاتحاد الأوروبي الرئيسية في مرحلة الإعمار ما بعد الصراع. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الحاجة إلى التوصل إلى ظروف اقتصادية وأمنية متقدّمة للسماح بعودة اللاجئين من أوروبا ومن تركيا ولبنان والأردن. لهذه الغاية، يجب أن يطبّق الاتحاد الأوروبي مفهوم “البراجماتية الأخلاقية” الذي حدّدته استراتيجية الاتحاد الأوروبي الشاملة، ما يعني أنّ مشاركة بروكسل في عملية إعادة الإعمار يجب أن تعتمد على تطبيق بعض الإجراءات التي تهدف إلى تأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين محلياً. مثلاً: (1): التزام النظام باحترام معايير حقوق الإنسان هو أمر ضروري لتأمين الدعم الأوروبي في إعادة إعمار القطاعات المدمّرة بشكل كبير مثل قطاع التعليم وأنظمة الرعاية الصحية. (2): وضع المنظمات الدولية لآليات رقابة وتشكيلها للجان تحقيق لتقييم التزام النظام بعهوده في هذا السياق. (3):  تعزيز الاتحاد الأوروبي للتطوير المهني للأجيال الجديدة من خلال استثمار موارد إضافية لتدريب هذه الأجيال في المجالات الرئيسية مثل التعليم والرعاية الصحية والهندسة. (4): خلق فرص عمل محلية لتعزيز النمو الاقتصادي في سورية وتسهيل عودة القوى العاملة السورية لأنّ إعادة إعمار سورية مرتبطة بشكل وثيق بقطاع الوظائف. كما يجب أن يترافق أيّ مسعى متعلّق بالاقتصاد المحلي مع جهود المصالحة التي تهدف إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي ولمّ شمل المحافظات التي قسّمها الصراع. (5): اتخاذ الاتحاد الأوروبي لإجراءات متوسطة وطويلة الأجل. من المقدّر أن تستغرق العودة إلى سورية ما قبل الصراع على الأقلّ عشر سنوات، وينجم عن أي تدخل قصير الأجل من الجهات المانحة خطر فراغ قد تملؤه جهات فاعلة غير حكومية مثل أسياد الحرب والميليشيات المحلية. وتمثل هذه التوصيات بعض المجالات الرئيسية لتدخل الاتحاد الأوروبي في إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم نفوذه الاقتصادي من أجل تشكيل بيئة ما بعد الصراع والتخفيف من معاناة المدنيين. ومع أنّ ذلك لن يكون كافياً للتعويض عن عدم تحريكها ساكناً على المستوى السياسي، ولكنه سيكون أساسياً لضمان عملية إعادة إعمار لصالح جميع السوريين. (الصورة الأساسية: مندوبون يفتتحون جلسة إعلان التبرعات  من أجل التنمية الاقتصادية وتعزيز فرص العمل في مؤتمر دعم سورية في لندن، 4 فبراير 2016) ملاحظات: [i] سامر عرابي، “خريطة الطريق نحو اللامركزية في سورية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 23 مارس 2017. متوفر على الرابط http://carnegieendowment.org/sada/?fa=68372 [ii] خضر خضّور، “الحروب المحلية وفرص السلام اللامركزي في سورية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 28 مارس 2017. متوفر على الرابط http://carnegie-mec.org/2017/03/28/local-wars-and-chance-for-decentralized-peacein-syria-pub-68369 [iii] أنيسة بصيري تبريزي، رافاييلو بانتوتشي (تحرير)، “فهم دور إيران في الصراع السوري”، المعهد الملكي للخدمات المتحدة، مقال وقتي، أغسطس 2016. متوفر على الرابط https://rusi.org/sites/default/files/201608_op_understanding_irans_role_in_the_syrian_conflict_0.pdf [iv] “فهم مقاربات الصين إلى التطوّر الدولي”، معهد الدراسات الإنمائية، موجز السياسات، العدد رقم 75، أكتوبر 2014. متوفر على الرابط https://opendocs.ids.ac.uk/opendocs/bitstream/handle/123456789/4617/AD_ID151_PB75_China_online. pdf?sequence=1 [v] “هل يستطيع ترامب أن ينهي الحرب في سوريا؟”، فورين بوليسي، 29 مارس 2017، متوفر على الرابط http://foreignpolicy.com/2017/03/29/can-trump-end-the-war-in-syria/


المصدر