نيو يورك تايمز: دجال ومحتال


أحمد عيشة

قطعة من الكرتون لدونالد ترامب، استُخدمت صورة فوتوغرافية في حملة العام الماضي. دامون وينتر/ نيويورك تايمز

توضح انتكاسات دونالد ترامب المتصاعدة، وإخفاقاته المتتالية، وغدره المتزايد، أنّه دجالٌ ومحتال.

بالنسبة إلى كثيرٍ منا، إنَّه تعزيزٌ إيجابي، وبالنسبة إلى الآخرين فهو اكتشافٌ مدمّرٌ؛ فأولئك الذين آمنوا -وأدلوا بأصواتهم الداعمة- والذين ينبغي أن يشعروا بالخداع والندم أيضًا، يقولون لأنفسهم: لقد أعطيت صوتي لدجال مخادع، تتحطم وعوده على الأرض مثل أسطولٍ من الطائرات الورقية.

لقد طالبَ ترامب بأكثر مما يمكن أن يُقدّم؛ لأنه لم يكن لديه فكرة عمّا هو مطلوب منه، ولم يكن مهتمًا بغير الوصول إلى ما يريد. إنه يقول لك ما تريد أن تسمعه، ليتمكن من الحصول على ما يريد، إنه يتلاعب بك ويخدعك.

لن تدفع المكسيك قيمةَ هذا الجدار، إن بُني في الواقع، وحتى إذا بُني فمن المرجح أن يبدو شيئًا شبيهًا بأقوال ترامب المزيفة. إلغاء “أوباماكير” (قانون التأمين الصحي) واستبداله قرار فاشل، وهذا الفشل يُهدّد القدرة على تنفيذ الإصلاح الضريبي الكبير، والإنفاق الضخم على الهياكل الأساسية، والصين لم تعد في خطرٍ، بوصفها مضاربًا في العملة، وتقوم الإدارة حاليًا، بإرسال إشاراتٍ تفيد بأنَّ إلغاء الاتفاق النووي الإيراني ليس رهانًا مؤكدًا.

غيّر ترامب تغييرًا كاملًا وضْع رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، جانيت يلين؛ وسُمع في آخر مرة، يهدد بسجن هيلاري كلينتون؟

هذه ليست، في أيّ حالٍ من الأحوال، قائمةً شاملةً بالمواقف التي اتخذها ترامب في الوقت الراهن، وتخلى عنها سريعًا في الواقع؛ إذ لا يمكن توقع تصرفاته بمكر ودهاء؛ فهو غيرُ مستعدٍ لفعل ما قاله، وهو خطِرٌ لا مبادئ له.

لا عجب، بعد ذلك، من استطلاع غالوب الذي نُشر اليوم الإثنين: “تبدو صورة الرئيس دونالد ترامب، عند الأميركيين، بوصفه شخصًا يحافظ على وعوده التي تلاشت في الشهرين الأولين من رئاسته صورةً مهزوزة؛ إذ انخفضت شعبيته من 62 في المئة في شباط/ فبراير إلى 45 في المئة، ولم يعد الجمهور يراه “قائدًا قويًّا وحاسمًا”، أو شخصًا “قادرًا على إحداث التغييرات التي يحتاجها هذا البلد”، أو بوصفه “صادقًا وجديرًا بالثقة”.

وكان أكبر انخفاضٍ، في نسبة الذين يعتقدون أنَّ ترامب يحافظ على وعوده، عند النساء، والشباب، والديمقراطيين؛ إذ انخفض العدد أيضًا 11 نقطة مئوية عند الجمهوريين، و9 نقاط مئوية عند المحافظين.

وعلى الرغم من ذلك، حذرّت صحيفة “واشنطن بوست” القراءَ من “خرافة ناخب ترامب المحبط”، مستشهدةً باستطلاعٍ لمركز بيو للأبحاث، صدر الإثنين 17 نيسان/ أبريل: “يُظهر نسبةَ الندم قليلةً جدًا عند ناخبي ترامب”.

وأشارت الصحيفة إلى أنَّ “الاستطلاع أظهر أن 7 في المئة فقط، من الجمهوريين، والمستقلين ذوي التوجه الجمهوري، يقولون: إنَّ أداء ترامب أسوأ مما كانوا يتوقعون، و38 في المئة -خمسة أضعاف- يقولون: إنَّ أداءه أفضل.”

يبدو هذا موقفًا عادلًا، لكنه يتطلب منا أن نتعامل أفضل مع التوقعات عنه في المقام الأول. بعد كلّ شيء، فإنَّ الاتحاد لم يتفتت تمامًا، وتهجماته على “تويتر” لمّا تدفعْنا بعدُ إلى حربٍ عشوائية.

وإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أبدًا التقليلُ من شأن المقاومة البشرية العنيدة لقبول الخطأ. الاعتراف بأن ترامب يفشل، ولو أنه أضعفك أنت وعائلتك على وجه التحديد، هو دواءٌ هائل عليك أن تتجرعه. والاعتراف بأن جهلك، وخوفك، وأنانيتك، قد أجبرتك على القبول برجلٍ يتخلى عنك، قد يستغرق مزيدًا من الوقت.

ولكن أعتقد أنَّ هذا الوقت آتٍ؛ لأنَّ ترامب هو متطفلٌ مفضوح، وكاذبٌ مصرٌّ على كذبه.

ترامب يهتمّ بترامب فحسب، بماركته التجارية، بصوره، بعائلته، وبثروته؛ والواقع أنَّ فلسفته الشخصية، رئيسًا، يمكن أن تُوصف على أنّه يرى نفسه أفضل من يتحكم في البلد.

فبدلًا من أن يكون رمزًا لرامي قذائف مصمم على نسف مؤسسة العاصمة، وهياكل القوى النقدية الكبيرة، زودّ دائرته الداخلية بالمليارديرين والمصرفيين، وكان عازمًا على إصلاح المؤسسة.

سوَّق ترامب نفسه، كأنه شعبوي يُبطّن جيوبه، وبنى سمعته بأكملها، ليس بطلًا للإنسان العادي، وإنما من خلال ترشيد صورته على أنها صورة بدائية للنخبة الثقافية.

استحق ثروته من خلال بيع أحلام المجتمع الراقي الجوفاء إلى الناس الذين يرغبون في التباهي بأموالهم، أو التظاهر بأنَّ لديهم بعضًا منها.

وبطريقةٍ أخرى، تقوم ماركة ترامب التجارية على الحصرية، لا على الشمولية. إنها متعلقة بموقفٍ منفصلٍ مغلّفٍ بالترف، وهي فوق قدرة العموم على الوصول إليه. إنها متعلقة بالبرجوازية، وليس لها أي علاقةٍ، على الإطلاق، بذوي الياقات الزرقاء (العمال).

ولكن، بطريقةٍ أو بأخرى، أصحاب الياقات الزرقاء هم من يشترون بضائعه، وقد رأى الناس فيه أخرق، ظنوه مميزًا؛ ومتهورًا، ظنوه متمردًا.

لقد ظنوه شخصًا ذا مبدأ والتزام، وكلاهما بعيد منه. الآن، علينا جميعًا أن ندفع ضرائب كبيرة؛ إذ إنَّ حشود ترامب تتعلق بأملٍ خفيف.

اسم المقالة الأصليA Fake and a Fraud
الكاتبتشارلز م. بلو، Charles M. Blow
مكان وتاريخ النشرنيو يورك تايمز، The New York Times، 20/04/2017
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/04/20/opinion/a-fake-and-a-fraud.html?_r=0
ترجمةأحمد عيشة



المصدر