أسرى فلسطين في زنازين النظام السوري

23 أبريل، 2017

نزار السهلي

سيدة سورية من “حماة” متزوجة من فلسطيني، تروي أمامي حديثًا في مخيم اليرموك، في السنة الثانية من الثورة السورية، عن اعتقال حفيدها العشريني، في فرع الأمن العسكري في حماة، وتتحدث كيف ذهبت، مع ابنتها والدة الشاب، تسألان عنه في الفرع، حيث انتظرت الجدة ابنتها خارج المعتقل، وبعد أربع ساعات، خرجت والدة الشاب المعتقل فزِعةً، وهي تضع حِرامًا على جسمها وترتدي حذاءَ رجالٍ. تناوبوا عليها؛ فأُصيبت بنوبة صرع، جعلتها تقصد دمشق لتلقي العلاج.

كانت المرأة تظن أن عناصر الأمن سيساعدونها؛ لأن والد الشاب فلسطيني، ولكنهم….

تعيدني هذه الواقعة والشهادة إلى إضراب الأسرى الفلسطينيين، في سجون الاحتلال الإسرائيلي،  لطرح قضية أشقائهم في سجون النظام السوري، فهم معزولون تمامًا عن العالم، وتشهد قضيتهم تعتيمًا كاملًا من القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية، ومن منظمة التحرير الفلسطينية التي تعدّ آلاف المعتقلين، من أبناء شعبها، فاصلًا ثانويًا لا تأتي على ذكره؛ وبحسب أرقام مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية، تحوي معتقلات النظام  12494 ألف معتقل، بينهم نساء وأطفال وكوادر، تنتمي إلى تلك القوى والفصائل، ومنهم قياديون قُتلوا في المعتقلات، وبينهم من يقبع منذ نحو 35 سنة خلف القضبان، فضلًا عن إعدام مئات منهم، تحت التعذيب؛ إذ وصل العدد الموثق إلى 530 معتقلًا، قضوا تحت التعذيب.

يخوض الأسرى الفلسطينيون، في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؛ لتحقيق قائمة من المطالب الأساسية، ولتحسين ظروف الاعتقال، بدءًا من توفير هاتفٍ عامٍ للتواصل مع ذويهم، وزيادة مدة الزيارة، وإضافة قنوات فضائية تلائم الأسرى، مرورًا بطلبهم إدخال الصحف والمجلات، والتقاط صورٍ مع عائلاتهم، والسماح للمعتقل بالاجتماع بذويه من دون حاجز، إضافةً إلى تحسين الشروط الصحية، وبعض المطالب الأخرى، ويشهد إضراب الأسرى تعاطفًا وطنيًا ودوليًا مع قضيتهم الإنسانية.

إذا دققنا جيدًا في مطالب الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، وقارنّا أوضاعهم بأوضاع أشقائهم، في معتقلات النظام السوري التي تحول بعضها إلى مسالخ بشرية، بحسب تقدير منظمات دولية، وجدنا أن عدد المعتقلين في سورية، يفوق عددهم في معتقلات الاحتلال؛ إذ تشير أرقام هيئة تحرير الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين إلى أن هناك 7 آلاف معتقل وأسير لدى الاحتلال، بينما يوجد ضعف هذا العدد في معتقلات الممانعة.

ولو أننا قارنّا بينهما مقارنة بسيطة، من حيث المطالب، لبدت المطالب التي يقدمها الأسرى إلى مصلحة السجون الإسرائيلية، والإضرابات ومعارك الأمعاء الخاوية وغير ذلك من الأمور، أقربَ من الرفاهية، مقارنة بالتعتيم الكلي على المعتقلين الفلسطينيين، في زنازين الأسد، وقد قُتل المئات منهم تحت التعذيب، من دون أن يحظى معظمهم بأيّ محاكمة عادلة أو بأوضاع تسمح له بالتواصل مع ذويه، أو بتوفير أبسط الحقوق، وهو معرفة التهمة الموجهة إليه، ومصيره أو مكان احتجازه. إنها مقارنة، يكاد يرفضها المنطق لانعدام أوجه الشبه؛ ويعزز هذا الحكمَ تسريبُ “سيزر” الشهير الذي كشف مصير عشرات المعتقلين في سجون الأسد، وإضافةً إلى حالة التعتيم هناك سياسة الابتزاز المالي والأمني لأُسر المعتقلين والضحايا الذين يقضون تحت التعذيب؛ فمن يحظى بمتعلقات ابنه المقتول تحت التعذيب وبشهادة وفاته يكون من المحظوظين.

التخلي الرسمي الفلسطيني، عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين وتركهم لمصيرهم من قِبل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، يُضعف الأمل بنجاتهم من الموت المحقق، ويعطي للمحتل “تفوقًا ومزايدة “بشأن حقوق الأسرى؛ إذ إنه “يمنّ” عليهم بنعمة الرفاهية، كما تسرب في أكثر من واقعة “إن لم توقفوا إضرابكم سنرسلكم إلى سجون الأسد”. أيّ نموذج للاعتقال والزنازين يمتاز به نظام الأسد كي يكون مضرب المثل في الوحشية، وكي يهدد المحتلُ الإسرائيلي به الأسرى؟

التضامن مع الأسرى، في سجون الاحتلال، يفقد بُعده الأخلاقي والإنساني، ويُخفت بريق التعاطف معه، ما لم يقترن بكشف الممارسات الوحشية بحق الأسرى في سجون الأسد.

على مدار ست سنوات، بقيت المناسبات المرتبطة بنضال الفلسطينيين، من وعد بلفور إلى ذكرى النكبة إلى يوم الأسير والشهيد والأرض، ومقاومة المشروع الصهيوني في الاستيطان والسطو على ذاكرة الشعب إلى تهويد تاريخه، ظلت مصابة بالعهر، لصالح تفوق النظام السوري بممارسات نكبة السوريين واستيطان تاريخهم ومدنهم وقراهم، بممارسات تتوازى بالوحشية التي نشتكيها من المحتل.

كذبة التضامن مع الأسرى هي عنوان فاضح لحركة تحرر وطني فلسطيني، بات همها موت غير فاضح، لمئات المعتقلين، وتستّر على اعتقال الآلاف من شعبها، فضلًا عن التستر على نكبة مخيماتهم وتدميرها، من نظام يسمى “الممانعة” في أدبيات فصائل وأحزاب فلسطينية.

أسرى فلسطين ليسوا فقط المحصورين في معتقلات النقب، ومجدو، ونفحة، وأيشل، والرملة وهداريم، والجلبوع، وحوارة، والدامون وغيرها، فهناك مقابل هذه المعتقلات، أيضًا مسالخ بشرية اسمها، فرع فلسطين، وصيدنايا، والمزة، والجوية، والأمن السياسي، وعدرا، والفرقة الرابعة، حيث يقضي آلاف من أسرى فلسطين داخل زنازينها، يتقاسمون الموت والتعذيب والتعتيم على قضيتهم مع أشقائهم السوريين. وتبقى المفارقة المخزية في إضراب أسرى فلسطين، في سجون الاحتلال، لتحصيل قائمة مطالب غير مدرجة أصلًا في عُرف الجلاد الذي يخدم النظام السوري، وستبقى كل القضايا الإنسانية والأخلاقية والوطنية تخضع للمقياس السوري، وكأنه ناظمٌ يحدد العلاقة والمواقف ليس في قضية الأسرى فحسب، بل في قضية الحرية المطلقة لذاك الناظم الذي باسمه تنتهك كل القضايا النبيلة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]