المؤيدون… فكر شاذ أم اضطراب إنساني؟


رلى العلواني

كان ضربًا من ضروب الخيال، وتوقعًا لم يتجرأ أحدٌ على تخّيله، أن يكسر الشعب السوري حاجزَ الصمت؛ فيدوي صوته عاليًا طلبًا للحرية. ما جرى، قبل ست سنوات، كان أشبه بصاعقة، أذهلت النظام السوري، وجعلته يتخبط بجنون، ويرد بهمجية ووحشية، مؤسسًا مدرسةً جديدةً في أساليب التعذيب والإجرام والإذلال وانتهاك الحقوق.

لم يخطر ببال أحد يومًا أن تتزعزع أركان “قلعة الصمود” الوهمية التي نسجها النظام السوري بدهائه، وأن يضرب زلزال الانتفاضة التي قام بها شعبٌ ملّ الإهانة، وهبّ يطالب بالحرية وبتغيير نظام مستبد دكتاتوري، يحكم بالحديد والنار.

على الرغم من القهر والعنف والقتل والتهجير والاعتقالات، ما زالت هناك فئة من السوريين تُناصر نظامَ الإجرام، وتدافع عنه، وتتبنى خطاباته وأكاذيبه، وتتحدث عن أسطورة “مؤامرة كونية تتعرض لها البلاد”، ولم تستطع دموع الأطفال اليتامى والأمهات الثكالى أن تُغيّر من آرائهم، ولم تحرك مناظر القتل أيّ شعور فيهم، ولم يهزهم دمار سورية واضمحلالها وموتها التدريجي.

طالما ادعى نظام الأسد أنه واجهة الممانعة والمقاومة، وأنه حامٍ للأقليات، فضلًا عن أنه معادٍ للإمبريالية، وغير ذلك من الشعارات الواهية، محاولًا من خلالها تغطية وجهه الحقيقي، وإجرامه وأساليبه في الحكم التي لا تمتّ إلى الإنسانية بِصلة.

لو افترضنا جدلًا أن هذه الفئة مُغيّبة، ولم تكن على اطلاع أو دراية تامة بممارسات هذا النظام المستبد، فكيف لها أن تُفسّر الصور والوقائع التي تراها إذًا؟ وكيف تُبرّر طائفية النظام وأفعاله الشنيعة التي بدت واضحة لقصير النظر قبل البصير؟ وكيف يمكن لها أن تصف التعاضد الفكري والميداني بين النظام الوحشي من جهة، وميليشيات حزب الله وإيران الطامحة لابتلاع الدول العربية من جهة أخرى؟ وكيف لهم أن يُفسّروا تجنيد مرتزقة طائفيين شيعة من العراق وأفغانستان واليمن وغيرها من دول العالم، بذريعة الدفاع عن “المراقد المقدسة”، ثم منحهم جنسية سورية؛ لأنهم “يدافعون” عن سورية؟ وكيف يمكن لهم أن يصفوا محاولات النظام إحداث تغيير ديموغرافي في سورية، بتهجير الأغلبية السنية من مناطقهم، وجلب غرباء طائفيين لتوطينهم بدلًا منهم؟

جاءت الثورة السورية لتفضح سلوكيات النظام السوري “الفاشي” الذي أصرّ -وما يزال- على تحويل سورية إلى مملكةٍ، يتوارثها آل الأسد وأعوانهم، ولتفضح أيضًا قصرَ نظر الفئة المؤيدة للنظام، وتفاهة مبرراتها وضحالة تفكيرها، وأزمة ضميرها الأعمى عن جرائم ومجازر النظام وانتهاكاته بحق الشعب السوري.

أفراد تلك الفئة من السوريين، إما أن يكونوا ذوي عقل وفكر مُخلخل، يرددون ما يُطلب منهم من دون تفكير، لأغراض طائفية أو نفعية، أو أن يكونوا مضطربين إنسانيًا، يعرفون الحقيقةَ ويحرّفونها لحماية مصالحهم المرتبطة بوجود هذا النظام، ويخشون سقوط الأسد الذي ينذر باقتراب نهايتهم، وفي كلتا الحالتين لن ينسى السوريون أبدًا تخاذل هذه الفئة، وسيكون قبول المغفرة صعبًا، ولا سيّما لمن شارك في جرائم هذا النظام الجائر.




المصدر