‘الموقف الأمريكي: حقيقة التسريب’
24 أبريل، 2017
عقاب يحيى
لأننا عطشى إلى موقف أميركي واضح، ولأننا لُدغنا كثيرًا من الإدارة الأميركية السابقة، و”شبعنا” منها كلامًا، وتصريحات وحكايات عن مصير الأسد “الذي لا مكان له”، وما يضارع ذلك من أقوال، أحدثت الضربة الأميركية في مطار الشعيرات رجّة قوية فينا، وتفاعل معها معظم السوريين بشيء من التفاؤل والحماسة، وراح بعضهم يبني تصوراتٍ عن رحيل وشيك للنظام، أو رأسه وعائلته وبعض الزمر الأخرى المتحكمة بالقرار، ومن المعتاد أن نلتقط أيّ إشارة جديدة من الإدارة الأميركية ورئيسها لنضمّها إلى حزمة ما نعدّه موقفًا جديدًا مختلفًا، نبني عليه بعض المراهنات والمواقف والتقديرات، في حين ذهب بعضهم إلى مدى بعيد في التفاؤل، ورأى أن ما يجري جزءٌ من موقف يتصاعد، وأنه يدخل في عمق الأزمة السورية في اتجاه حلها، وليس إدارتها كما فعل أوباما وفريقه.
من آخر تلك الأمور ما حُسب تسريبًا منسوبًا إلى مسؤول أميركي كبير، لم يُصرّح باسمه، نشرته وكالة (الأسيوبريتش)، وتبعتها جهات أخرى متعددة، عن مشروع أميركي، يُقال إنه قُدِّم إلى روسيا في أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي لها، ويتكون من أربع نقاط، نوجزها بما يلي:
1 – محاربة الإرهاب أولوية، والقضاء على “داعش”.
2 – إنشاء مناطق مستقرة، بالاتفاق مع النظام من خلال توقيع هدن معه، تسمح للطيران الأميركي وغيره بالتحليق فوق تلك المناطق، بموافقة من النظام.
3 – بدء المرحلة الانتقالية التي يجب ألا يكون للأسد أي مكان فيها، وذلك إما بالاتفاق معه وضمان عدم ملاحقته، ولجوئه إلى إيران أو روسيا، وإن لم يوافق فسيُمنع من المشاركة في الانتخابات، أو من خلال تهديده بتحويل ملفه إلى محكمة الجنايات الدولية، مع عدم استبعاد احتمال الإطاحة بالأسد وقتله من خصومه، وإن الإدارة الأميركية تُفضّل خروجه طوعًا.
4 – تنظيم الحياة في سورية، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وهنا تتطرق الورقة إلى إمكانية الحفاظ على المصالح الروسية، وإبقاء الروس في قاعدتي حميميم وطرطوس، وعدّ التعاون مع روسيا ضروريًا لوقف الحرب.
بفرض أن هذه التسريبات صحيحة، فإن ما يلفت النظر فيها هو قصة الأولوية الأولى للإدارة الأميركية في إنهاء (داعش) ومحاربة الإرهاب، على الرغم من تأكيد أن أميركا لن تُرسل قوات إلى سورية؛ ما يعني الاعتماد على الطيران ووسائل القصف من بعيد، وعلى الأدوات الذاتية من السوريين، وهنا تُطرح أسئلة مهمة:
1 – كم يستغرق القضاء على (داعش) من وقت؟، وهو ليس بالزمن القصير في الغالب، فها هي معارك الموصل مستمرة، منذ أكثر من ستة أشهر، على الرغم من كل ما حُشد لها من إمكانات عسكرية، ومن مشاركة فاعلة للتحالف الدولي، بينما تتحدث الخسائر عن أرقام كبيرة في القوات العراقية، تجاوزت ثمانية آلاف ضحية، وما زالت المعارك مستمرة، وما زال تحرير الموصل يحتاج إلى عدة أسابيع، عند المتفائلين. بمعنى أوضح، هل سينتظر السوريون حتى تنتهي أميركا، ومن تحشده من قوى سورية، ثم تضع ثقلها، بعدئذٍ، في بقية المراحل؟ وإن امتدت العملية أشهرًا، أو أكثر، أيكون علينا أن نبقي مصيرنا مُعلّقًا بنتائجها أم يمكن العمل بالتوازي، أو في زمنٍ ما من بدئها؟
سؤال آخر بجواب مبهم: مَن مِن السوريين سيشارك، أو سيُسمح له بالمشاركة في هذه المعارك؟، ومن سيتولى الأمورَ في المرحلة التالية مرحلة ما بعد التحرير؟، وهل ستترك الأمور للفوضى، أو المبادرات الذاتية لبعض القوى؟ أو أن أميركا وبعض حلفائها يُحضّرون قوى معينة، تكون هي خليفة (داعش) في تولّي زمام إدارة المنطقة؟
2 – كم ستمتد مرحلة الهدن؟ وأين ستكون المناطق المستقرة أو المحمية أمنيًا؟
3 – المرحلة الثالثة، وهي الأهم، وتحدثت عن بدء المرحلة الانتقالية، وعلى الرغم من أنها نصّت صراحة على استبعاد الأسد منها، إلا أنها طرحت عدة أفكار حول تاريخ إبعاده، بما يُفهم منها أنها يمكن أن تمتد، وأن يستمر معها الأسد حتى بدء الانتخابات، وبما يستغرق نحو عامٍ كامل أو يزيد.
4 – وعلى الرغم من أن السوريين ليسوا عدميين، وقد أعلنوا مرارًا، من خلال الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، والقوى المعارضة، أنهم ليسوا ضد المصالح الروسية في بلادنا، وأنهم يمكن أن يتفاهموا عليها، وعلى مداها، وأن روسيا، وعلى الرغم من كل ما فعلته وتفعله من تأييد للنظام، واحتلال لبلادنا، إلا أنها تبقى قوة عظمى، لا يمكن شطبها من أي عملية سياسية، وأن الحوار معها يجب أن يستمر ويكون صريحًا ومجديًا، ولا سيّما في ما يتعلق بتغيير موقفها من الإبقاء على النظام ورأسه، ومن استخدام النقض “فيتو” الذي يُعرقل محاسبته على جرائمه المُقترفة بحق الشعب السوري، إلا أن أمر المصالح الروسية في بلادنا شأن سوري بامتياز، والشعب السوري، من خلال ممثليه “الشرعيين”، هو من يُقرر هذا الشأن، وليس الإدارة الأميركية، ولا غيرها.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات، يأمل الشعب السوري أن تضع الإدارة الأميركية ثقلها لإنهاء الأزمة التي طالت كثيرًا، وتُهدد بمزيدٍ من الدمار والخراب والقتل والتمزيق.
من شأن اتخاذ الإدارة الأميركية قرارات واضحة، بشأن الوضع السوري، أن يُعجّل في وضع نهاية مرتقبة، إما من خلال الحسم العسكري الذي تُعلن أنها تستبعده، أو من خلال فرض الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية.
في النتيجة، وعلى الرغم من هذه المؤشرات المتواترة عن تغيّر متصاعد في مواقف الإدارة الأميركية، وتسريب بعض المعلومات عن تحديدات صارمة، تخصّ رحيل الأسد وعدد من الزمر الحاكمة صاحبة القرار، إلا أننا لا نستطيع -حتى الآن- أن نُراهن على ما حدثَ، وأن نعدّه مواقف واضحة، وجزءًا من مشروع أميركي، تسعى الإدارة الحالية لتجسيده.
[sociallocker] [/sociallocker]