روسيا وأميركا في سورية… عَودٌ على بَدء
24 أبريل، 2017
عمار عيسى
شكلت الاستدارة الروسية، بعد معركة حلب، محطّ نظر واهتمام كثيرٍ من المراقبين الباحثين في حدودها وأسبابها وانعكاساتها على القضية السورية؛ فمنذ التدخل الروسي في سورية، في 30 أيلول/ سبتمبر 2015-في ظرف دولي ومحلي مواتٍ لهذا التدخل- اعتمد الروس مسارًا عسكريًا داعمًا للنظام، جاء تكريسًا وتدعيمًا للمسار السياسي الروسي في سورية، ولتغطية نظامها في المحافل الدولية، وفق حسابات تُبرز روسيا دولةً عظمى، وتُعزز نفوذها على الساحة الدولية. مسارٌ عسكريٌ نجح ميدانيًا في تثبيت السلطة وتوجيه ضربات موجعة للمعارضة عشيةَ تقدمها، ومسارٌ سياسيٌ أضحت فيه موسكو، نتيجة هذه التغطية، قبلةَ الدول الإقليمية أو العالمية، عند الكلام على مستقبل سورية، وتنسيق الحلّ فيها، مستفيدةً من نهج أميركي منكفئ آنذاك، ومن حليف إيراني قديم موثوق به على الأرض؛ وقد تُرجمت هذه الاستدارة في إعلان موسكو في30 كانون أول/ ديسمبر 2016، الذي أقرّ وقف النار وأطلق مسارًا سياسيًا، في أستانا، برعاية (روسية – تركية – إيرانية) من أهدافه:
– جلب أنظار الإدارة الأميركية الجديدة وإثبات الوجود، ورفع القضية السورية ورقةً تمسك بها موسكو، إذا حصلت توافقات على صفقات محتملة، وقد كان ترامب متحمسًا لها في أثناء حملته الانتخابية.
– تمييع قضية المعارضة سياسيًا، والتشويش عليها بابتداع “منصات” تعزز الانقسامات السياسية الموجودة التي انعكست على القوى العسكرية.
– اكتساب مرجعيات التفافية على القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن، وأبرزها جنيف 1.
– تحسين صورة موسكو المهتزة عالميًا، ورغبتها بإظهار نجاحها وتعويم دورها الجديد “الضامن الحيادي” الذي يُساهم في حلّ نزاعات دولية مستعصية ومزمنة.
اصطدمت موسكو، في هذه المسيرة والدور الجديد، بعددٍ من العقبات، جعل خياراتها محدودة، وبدأت الصعوبات تزداد أمامَها يومًا بعد يوم؛ فكانت أولى هذه العقبات الغموض الذي لفّ موقف إدارة ترامب، وتجاهله مسار أستانا، وترافقه مع زيادة الحضور العسكري الأميركي، من دون التنسيق مع موسكو، وثانيها اهتزاز الروابط بين الحلفاء (روسيا – إيران – النظام السوري) وتعارضها، ولو مؤقتًا، مع أجندات إيران والنظام السوري التي تتلخص بتصفية قوى المعارضة، عسكريًا وسياسيًا؛ إذ يرى النظام وحليفته إيران أن أي مدخل لوقف النار وإطلاق مسار سياسي، سيكون بدايةَ نهايةِ هدفهم المرسوم، وأن إجراء تغييرات على بنية النظام الصلبة سيكون مقدمة مستقبلية لإجراء تغييرات في المضمون، تُهدد القبضة الأمنية، ولم يرق هذا التعارض إلى خلاف، ولم يتجل في تصريحات مسؤولين إيرانيين بأن “روسيا تسرق جهدنا”، ولكنه ظهر في تصعيد معركة وادي بردى وقيادة “حزب الله” لها. وثالثهما أن موسكو لم تذهب بعيدًا في تعميق هذه الاختلافات، بل حاولت التعامل معها بنعومة، بما يضمن تحقيق مصلحتها، وعدم إزعاج الحليف الإيراني وميليشياته على الأرض، لعدم انقضاء الحاجة له، ولوجود احتمال الفشل في المسار الذي رسمته.
في ظل هذا النخر الأميركي على الأرض، والتسطيح لدور موسكو، ونيات الإدارة الجديدة البدء بمعركة الرقة ودخولها من دون التنسيق معها، وعدم نضج شروط الصفقة الكبرى، ومحدودية قدرة تلك الصفقة على فرض الحلول، إذا ما تضاربت مصالحها مع الدور التدميري المطلوب منها إيرانيًا، ومقاطعة فصائل المعارضة مسارَ أستانا؛ بسبب تناقض الأقوال والأفعال الروسية، كل ذلك أدى إلى ارتباك موسكو، وتطَلب منها إعادة تقويم موقفها بعد أن أيقنت أنها في سباق مع الوقت، ولم تجد أمامها سوى الميدان؛ فعادت روسيا إلى مربعها الأول، وصعدت عسكريًا وعادت إلى التماهي مع موقفي النظام وإيران. تصعيدٌ يشبه إلى حد كبير ما قامت به روسيا في الأشهر الأخيرة لإدارة أوباما، بغية إنجاز تفاهمات وصفقة ما قبل الرحيل، ولكن بهدف جديد هذه المرة، هو تسريع عجلة التفاهمات قبل أن يستمر الحراك الأميركي، وتقل معه حظوظ موسكو في جني ثمار تدخلها، وتحقيق مكاسبه بتنازلات في ملفات أخرى. تُوَج هذا التصعيد بجريمة حرب كيمياوية، بحياكة روسية وتنفيذ النظام السوري؛ أدت إلى مقتل عشرات الأطفال وظهور أعراض استنشاق الغاز على المئات صباح 4 نيسان/ أبريل الحالي. هذه الجريمة الكيماوية، إضافةً إلى مئات الغارات الجوية على مختلف المناطق، دللت على الاستعجال الروسي والسباق مع الوقت، وبدت دَفعةً إلى حافة الخطر، وبالون اختبار لإرادة الإدارة الجديدة التي ردت ردًّا لم ينتظره أحد أو يتوقعه؛ إذ جاءت صفعة “التوماهوك”، فجر 7 نيسان/ أبريل، قبلَ زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي إلى روسيا لمناقشة الملف السوري، في 11 و12 نيسان/ أبريل الجاري، واستهدف القصف الأميركي مطارَ الشعيرات السوري، بضربة عسكرية كانت دلالاتها السياسية أشد وطئًا من آثارها العسكرية التي تستهدف إضعاف الأسد؛ إذ شكلت هذه الضربة انعطافًا في مسار القضية السورية ومآلاتها، وبداية تحول جديد في مواقف الإدارة الأميركية من سورية، وجاءت رسالةً سياسيةً إلى الجميع، ولا سيّما إلى روسيا وإيران، تشير إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وتقول للنظام إن زمن اللاحساب انتهى، وتقول للحلفاء بإمكانكم الاطمئنان ومسح ذاكرتكم من خذلان أوباما، فثمة قائد جديد وحليف، يمكن الارتكاز عليه والبناء على مواقفه.
من غير الواضح بعدُ حدود هذا الاستهداف ومدى إمكانية إدراجه ضمن استراتيجية كاملة، وإحاطة أميركية شاملة بجوانب الصراع، لكن الثابت أن عودة وضع الإصبع الأميركي وشبكها مع الأصابع الأخرى التي تتحكم بإدارته، أمرٌ ليس متوقعًا، يضاف إليه معامل جديد، يقلق النظام وحلفاءه، كونه حجز مقعدًا في سلم الأولويات الأميركية، بمعزل عن هزيمة “داعش” وتقليص النفوذ الإيراني.
بعيدًا عن إمكانية التفاهم الروسي – الأميركي أو عدمه، واقع الأمور ينذر بأن 7 نيسان/ أبريل 2017 سيشكل نقطةَ تحولٍ في تاريخ القضية السورية والحلول الممكنة، بعد ثورة آذار/ مارس 2011؛ إذ يبدو أن صفحة النظام قد طُويت، وأن كل محاولات إعادة تأهيله وتحمل أعبائها أصبحت سرابًا، وقابل الأيام يحمل المزيدَ.
[sociallocker] [/sociallocker]