في طيبة الإمام…قصة حصار ثمانية ثوار (مقاومة أو شهادة)


ولاء عسّاف: المصدر

انحازت كتائب الثوار من مدينة طيبة الإمام شمال حماة يوم الجمعة الماضية، وبعد ساعاتٍ بدأت هجوماً واسعاً على المدينة لتسيطر على أجزاء منها، ولكن خطة النظام بحصارهم داخل المدينة نجحت في إجبارهم على التراجع مرةً أخرى إلى خارج المدينة فجر السبت.

عادوا ليتفقدوا صفوفهم خارج المدينة، وتفاجؤوا بفقدان ثمانية من رفاقهم لم يجدوا لهم أثراً بين الخارجين من طيبة الإمام.

في اليوم التالي وصل إليهم واحدٌ من المفقودين، لينقل لهم قصة بطولةٍ عاشها مع رفاقه داخل المدينة، قبل يفقدهم واحداً تلو الآخر، في معركةٍ جمعت الثمانية ضدّ المئات.. يروي “أبو الحارث” قصته منذ اللحظة الأولى لعودتهم إلى طيبة الإمام وكيف كان الناجي الوحيد من ملحمةٍ وقعت داخلها…

كنا قد حررنا جزءاً كبيراً من منطقة طيبة الامام بعد ساعاتٍ فقط من دخول قوات النظام، ولكن وفي ساعات الفجر الأولى طوّق النظام المنطقة وبدأنا بالانسحاب، لكن بقيت أنا ورفاقي الثمانية عندما تقدم النظام وحاصر المكان، حاولنا التسلل إلى أكثر من جهة والخروج لكن النظام كان قد أحكم السيطرة على الجهات الاربعة للمنطقة.

تابع أبو الحارث “اقترحت عليهم التحصن في أحد المنازل والمقاومة حتى الموت.. فلم يبق مجال للنجاة.. كنا نملك رشاشاً ولكلٍّ بندقيته، وعدد من المخازن التي تكفي لنقاوم بها إما ننجو وإما نموت”.

دخلنا لنتحصن في الطابق الثاني من منزل كي نكشف ما حولنا، كان من يحاصرنا من الجيش أغراراً لا يملكون اي خبرة عسكرية، راحت تتوالى علينا قذائف من الدبابات حتى وصلت إلى أكثر من 25 قذيفة اخترقت المنزل وقنابل يدوية لكنها كانت غير محكمة الهدف.. كان واضحاً أنها تضرب من الخوف ولا تضربها إلا يد ترجف، نفد رصاص أحدنا.. فبقي خلفي لاحميه، وبيدي بارودتي.

بقينا نقاوم حوالي النصف ساعة عندما قضى اثنين من رفاقنا، لكننا تابعنا إطلاق النار، كنا في موقف لا نستطيع فيه التفكير أو الحزن إما الموت وإما المقاومة، بدأ رصاصنا ينفذ واستشهد اثنين آخرين كان أحدهم صديقي المقرب بإحدى القنابل، كنا قد قتلنا منهم الكثير فلم يكن رصاصنا إلا صائبا ولكن موقفنا صعب جدا.

هدأ الرصاص لدقيقة.. وعاد الجيش يمطرنا رصاص وقذائف، كانت كلما دخلت قذيفة إلى داخل إحدى الغرف انتقلنا إلى أخرى ريثما تنفجر، وهكذا بقينا حوالي الساعة حتى قضى رفاقي واحداً تلو الآخر ولم يبق في الساحة سواي.

هدأ رصاصهم مجدداً، وبت اسمع أصوات اقدامهم تقترب… كان علي التصرف بسرعة فتشت بنادق رفاقي وجعبهم لأجمع بعض الرصاص، وجدت 40 رصاصة حملتها واختبأت في زاوية في إحدى الغرف.

دخل عناصر الجيش وعثروا على الجثث السبع، وظنّ أنه لم يبق أحد، وهنا تسللت خارجاً من المنزل واختبأت ولكن وأنا اتلفت باحثا عن مكان نجاة رأيت أحد الجنود من الجيش واذ به يبادر بالسؤال: توقف؛ من انت؟ فأجبته بهدوء: اهدأ انا معكم، لكنني بدأت أجري أبحث عن مكان اختبئ فيه وهو راح راكضاً يخبرهم عني، قاموا بتفتيش المنطقة من جديد تفتيشا جنونيا، كل زاوية وكل مكان.

كنت قد وجدت عدد من “الكراتين” الفارغة جمعتها مع بعضها واختبأت خلفها، وانتهى التفتيش ولم يرني أحد ولله الحمد.

تابعت طريقي مرة راكضا ومرة زاحفا، تهت بين المنازل وأحسست للحظة أنني في دائرة إلى ان سمعت صوت طائرة ورحت أراقب مكان إسقاطها البراميل، فهي بالتأكيد ستسقط براميلها القذرة على مناطق تواجد الثوار، كنت أسير بين الاعشاب الطويلة مستدلاً على الطريق من الطائرات الذاهبة والعائدة.

وأنا في طريقي وكنت قد وصلت حلفايا على ما أعتقد مررت قرب حاجز نظام كان بيني وبين العناصر حوالي ستةً أمتارٍ فقط ولكن طول العشب وسيري ببطئ ساعدني على التسلل دون أن يشعر بي أحد منهم.

وتوجهت شمالا، أسير متعبا من الجوع والعطش.. عندما وصلت شمال حلفايا سمعت صوت سيارة تقترب، وبقيت أراقبها حتى قفزت أمامها ووجهت سلاحي نحو من فيها، سألتهم من أنتم؟ أجاب أحدهم : نحن ثوار من المنطقة، من أنت؟ حمدت الله كثيراً وطلبت منهم مساعدةً بعد أن عرفتهم بنفسي وأخبرتهم عن الحصار الذي كنت أعيشه.

قادني هؤلاء الشبان إلى مقرهم القريب.. ليساعدوني بتضميد جراحي الخارجية من بعض الشظايا وبعض الجروح التي لم أنتبه متى أصبت بها.. وأوصلوني بعدها إلى منزلي.

لم أكن أظنّ للحظة أنني سأنجو من الموت، لكن مدّ الله في عمري لأخرج وأشهد على أعمال النظام الوحشية، سأعود إلى ساحات القتال وأقاتلهم من جديد، ولن يتمكن من قهر عزيمتنا أحد، فبإذن الله ثورتنا ستنتصر.





المصدر