هل ينفذ دونالد ترامب “جنونَه” تجاه الأسد


أحمد مظهر سعدو

تتواصل التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية الجديدة، ضاغطة على النظام السوري وإيران والاتحاد الروسي، ضمن سياسةٍ لا يبدو أنها تميل إلى الجزرة بقدر ما أنها تنحو منحى العصا، ولا سيّما بعد ضربها مطار الشعيرات التي أوحت بأن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تكون جديّة، وليست تصريحات كلامية فحسب؛ وما سمعه الروس من وزير الخارجية الأميركي -أخيرًا- يثبت أن الأمور ذاهبة إلى التصعيد، وأن المرحلة التي كانت فيها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، تضع الخطوط الحمر دون الإقدام على أي فعل، قد باتت من الماضي، وهو ما قد يعي انطباعًا بأن ما سُمّي بـ “جنون ترامب” هو سياسة استراتيجية جديدة، وليست ردات معارك صوتية فحسب، لا يترافق معها فعل، وأن إزالة نظام الأسد قد يكون ضمن أجندة هذا الرئيس الأميركي الجديد، وأن سياسة “الجنون الترامبي” قد تكون السياسة الوحيدة القادرة على لجم سياسة البراميل والسارين، وهو -لا شك- ما تأمله شرائح واسعة من السوريين.

في هذا السياق، أعرب الناشط السوري، محمد صالح أحمدو، عن قناعته بأن ما يفعله ترامب ليس جنوناً، وقال لـ (جيرون) “إن هذا الرجل يعرف مصالح بلاده أولًا، وما نراه جنونًا، هو في حقيقة الأمر مصلحة الولايات المتحدة، فبعد أن شارفت روسيا وإيران على اقتسام الكعكة السورية، أراد ترامب أن يقول للعالم: الآن جاء دورنا، بعد أن ورّطنا الجميع، ونحن نمارس السياسة من بُعد”، وأضاف: “جاء الآن دور اقتسام الكعكة، وإبعاد إيران وحزب الله بما يتلاءم مع المصالح الروسية- الأميركية”. وتابع: “قد نرحّب بزوال الطاغية وإبعاد إيران، لكن السؤال هنا: هل ما تفعله أميركا يخدم المصلحة السورية؟ بالتأكيد لا، لكن قبولنا هذا الأمر من منطلق رغبتنا في القضاء على طاغية طائفي”.

أما الكاتب زكريا الصقال، فقد أعرب عن قناعته بأن من المبكر نعت ترامب وسياسته بالجنون، وقال لـ (جيرون): “كنا نتحدث عن سياسة القطب الواحد في العالم، مع ما تعنيه تلك المرحلة من استفراد الولايات المتحدة وسطوتها في صوغ الحراك السياسي والاقتصادي والعسكري على مستوى العالم، ولكن بعدَ مجيء بوتين إلى رأس السلطة في روسيا الاتحادية، وتمكنه من ضبط إيقاع الوضع الداخلي الروسي، بدأنا نشهد عودة حياة الدور الروسي، بوصفه قطبًا ثانيًا متحكمًا في العالم. ويمكن القول هنا: إن سياسة أوباما الناعمة ورؤيته لإدارة الأزمات السياسية في العالم أعطت شحنةً إيجابيةً للقطب الروسي؛ ليتمدد ويطرق في أكثر من مكان على الطاولة، مطالبًا بحصته من النفوذ الدولي، وتمكن ملاحظة ذلك بوضوح في الشأن السوري. انتهت مرحلة أوباما وجاء دونالد ترامب، والجميع يترقب ما الذي سيقوم به، وكيف سيتعامل مع الأطراف الثلاثة، إضافةً إلى الملفات الأخرى في العالم”.

وتابع قائلًا: “من المبكر نعت ترامب وسياسته بالجنون، وهذا لا يسهل علينا الجواب بنعم أم لا؛ فالمسألة أعقد من هذا بكثير، صحيح أن شخصية ترامب التي لم تكن يومًا جزءًا من ماكينة عمل سياسي، تخطط وتراكم لتحصل على منتج سياسي، لكنه ابن سوق، أي أنه يعرف قيمة السلعة التي بين يديه، ونظام العرض والطلب والتسويق، وهو يبحث عن الربح. خلفيته الاقتصادية تجعله، على الرغم من التهور الذي قد نراه في حضوره، يستمع في رسم السياسات إلى آراء مَن حوله، والإدارة والمستشارون لديه يضبطون إيقاعات انفعالاته. لكننا سوف نكون ضمن سياق، يزيل حالة الوهن والتردد التي صبغت المرحلة التي سبقته، ولا شك في أنّ روسيا وإيران والنظام سيعيدون رسمَ حساباتهم من جديد. يمكن القول إن هناك تغيرًا طرأ، وحسابات إعادة تنظيم للعلاقات الدولية والتراتبية والنفوذ أصبحت أوضح في صلب الصراع، لكن ليس بالضرورة أن تكسر الإدارة الاميركية كثيرًا مما تحقق. فالفوضى الخلاقة، وإعادة ترتيب مناطق النفوذ وتأمين المصالح والممرات، قائمة. مع ذلك ما زال الوضع ممسوكًا، روسيا وأحلامها ملجومة ومراقبة دائمًا، وعوامل الضغط الأميركية على روسيا ما زالت تحت القبضة، من أوكرانيا إلى خط الغاز، والقواعد”.

وختامًا، يرى الصقال أن خطاب وخطوات الولايات المتحدة وإدارة ترامب الراهنة “ترسل في هذه المرحلة رسائل متعددة الأطراف، أهمها إلى روسيا، بإبلاغها أن الحل سيكون أميركيًا بامتياز، ونصيبكم محفوظ ضمن سياق الترتيب، وعليكم إفهام إيران حدود تدخلها وحجم حصتها، وبأن عليها أن تعي أن المنطقة والنفوذ فيها يخضعان لقرار أميركي، وأن امتلاك الطاقة والتصرف بها أيضًا قرار أميركي؛ لهذا لا تخرج التصريحات وسياقها العملي إلا لتنتج خريطة طريق، وعلى الأطراف الإقليمية والدولية أن تعي أبعادَ نفوذها وحجمها”. ثم انتهى إلى القول: “لا يمكن الوثوق بسياسة المصالح العالمية، معرفتها ملزمة مع ضرورة عدم إغفالها، لكن أحلام وآمال الشعب السوري ليست رقمًا في حسابات المصالح. ما زال إنجاز حاضنةٍ، تضم هموم الشعب السوري وتعمل لإنجاز توافقه على برنامج وطني ينتزع الاحترام العالمي، أمرًا ملحًّا؛ فالتذرر السوري الموزع بين النزاعات الإقليمية والعالمية مخيف ومرعب، مخيفٌ أن ينتج دولًا فاشلةً مهمشةً؛ فالسياسة لا وثوق ولا تبعية لها، إنما مصلحة وطنية تخص الشعب والوطن”.




المصدر