تأبين عبد القادر عبد اللي.. الرجل الذي توسّد كتف سوريا ونام


أحيا مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة في مدينة غازي عينتاب جنوبي تركيا ذكرى مرور 40 يوماً على وفاة الكاتب، والفنان، والمترجم السوري عبد القادر عبد اللي، حيث أقام حفل تأبين تحدث فيه عدد من الكتاب والصحفيين السوريين والأتراك عن مسيرة عبد اللي الحافلة بالعطاء على مدى نحو أربعين عاماً قضاها في الإبداع متعدد الأشكال.

وفقدت الثقافة السورية واحداً من أعمدتها مطلع آذار الفائت، حيث توفي الكاتب والمترجم السوري عبد القادر عبد اللي (1957) بمدينة أضنة جنوبي تركيا، وذلك بعد صراع مع مرض عضال، ودفن في جنوبي تركيا متوسداً كتف بلاده.

وقد أجمع مثقفون وكتّاب تحدثوا في حفل التأبين على أن الراحل كان جسراً بين الثقافتين العربية والتركية، ومن “النوافذ التي أطلَّ بها القارئ العربي على الأدب التركي، من خلال ترجماته لمختارات من الأدب التركي لكبار كتّابه”. تخرج عبداللي من جامعة المعمار سنان بإسطنبول – قسم فنون المسرح والمشهد، ثم حصل على الماجستير في الرسوم المتحركة، ليبدأ بعد رحلة غنيّة في ترجمة الأدب التركي إلى العربية بدأت بنِتاج الكاتب التركي عزيز نيسين.

ورفد الراحل المكتبة العربية بنحو 55 كتاباً مترجماً عن التركية لكِبار الكتاب الأتراك، كالحائز على جائزة نوبل للآداب 2006 أورهان باموق الذي اعتبره مترجماً حصرياً لمؤلفاته إلى العربية، وعزيز نيسين، وناظم حكمت، ويشار كمال، وإليف شفق، وسواهم، ما شكّل نقلة كبيرة في العلاقة الثقافية والفكرية بين العرب والأتراك والتي انقطعت بشكل شبه كلي منذ عشرينيات القرن الفائت، كما كان الكاتب الراحل سبّاقاً في ترجمة الدراما التلفزيونية التركية الى العربية، حيث نقل المجتمع تركيا إلى العرب من خلال أكثر من 20 مسلسلاً أشهرها “وادي الذئاب”، و”نور” اللذان حققا نسبة مشاهدة في العالم العربي غير مسبوقة، كما ترجم عبد اللي أفلاماً وثائقية تركية عُرضت في عدة قنوات عربية منها قناة الجزيرة الوثائقية.

 

في آخر حوار أجري مع الفقيد، قال: “بسبب دراستي في تركيا واطّلاعي على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي، شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار، الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا، أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي”.

لم يسعَ عبد اللي إلى الشهرة والأضواء، بل انكب على عمله طيلة أربعين عاماً، مقدِّماً صورة جديدة للمبدع العربي الذي يرى أن الحياة قصيرة لا تحتمل تبديد الوقت، وفي ذلك يقول: “لم يكن التكريم أو السعي للجوائز هاجسي يوماً، أعتقد أن أعظم تكريم نلته في حياتي حين كان الراحل حسيب كيالي، يقص مقالاتي وقصصي ويرسلها لي مع الثناء عبر البريد من الإمارات، وأيضاً عندما أقرّ عزيز نيسين بجودة ترجماتي، كما خصّني أورهان باموق بترجمة أعماله حصرياً لـ “دار الشروق” المصرية، إضافة إلى نيلي جائرة من “منتدى العلاقات العربية الدولية” في قطر”.

 

 

مع انطلاق الثورة السورية كان عبد القادر عبد اللي من أوائل المنضمين لها، والمؤمنين بأهدافها، رغم ما يحمله هذا الأمر من مخاطر على كاتب ومترجم مرموق مثله، فاضطر الراحل لمغادرة وطنه، حيث لجأ إلى تركيا، وعاش سنوات في إسطنبول، حيث انكب على ترجمات من اللغة التركية للعربية، إضافة الى اشتغاله في كتابة المقالات لصحف ومواقع سورية معارضة، وأخرى عربية عن الشأن السوري.

عبد القادر عبد اللي الذي توسّد كتف سوريا ونام، كان حالة وطنية سورية مميزة، حيث أجمع السوريون على اختلاف مشاربهم الفكرية، وتوجهاتهم أن سوريا خسرت بفقده رجلاً جَمعَ في شخصه خِصالاً حميدة متعددة، فإلى جانب تعدد مواهبه الإبداعية، كان متواضعاً، لا يسعى وراء أمجاد زائفة، عمل عبد اللي بصمت المبدعين الذين لم تأخذهم توافه الدنيا بعيداً عن مواطن العطاء  الغني الذي يدوم.

 

دخل عبد القادر عبد اللي منذ عدة أشهر صراعاً غير متكافئ مع مرض السرطان الذي غزا فجأة جسمه المنهك بالغربة، ولكن عبد اللي استسلم أخيراً لقدره، فغادر دنيانا تاركاً وراءه سيرة كاتب، ومترجم، وفنان أغمض عينيه دون أن يرى حلمه الأكبر يتحقق وهو خلاص بلاده من الاستبداد، الذي حوّلها إلى ميادين صراع متعدد الأبعاد والمآلات التي دفع ولا يزال يدفع ثمنها الموجع السوريون الذين أجمعوا أن بلادهم خسرت الكثير بوفاة عبد القادر عبد اللي.

 



صدى الشام