‘“ثوار التسويات”.. من قِتال النظام إلى التطوع في صفوفه’

25 أبريل، 2017

عقب اتفاقات المصالحة التي جرت في النصف الأخير من العام الماضي وحتى العام الحالي برزت ظاهرة التطوع في صفوف النظام والميليشيات الموالية له لتتصدر المشهد العام، على الأخص في مناطق المصالحات التي شهدت تهجير مقاتليها نحو الشمال السوري.

عوامل كثيرة أدت إلى هذه الظاهرة ليس أقلها المغريات المادية والسلطوية، ما جعل مجموعاتٍ تختار طريق التطوع كأقصر السبل للحصول على المال والنفوذ، أو حتى لحل الإشكالات الأمنية التي تعترض شبان مناطق التسويات.

لكن كيف وصلَ المقاتلون الذين كانوا يوماً “ثواراً” في وجه نظام الأسد إلى مرحلة القبول بالقتال إلى جانبه وهم الذين كانوا في يوم من الأيام جزءاً أساسياً من مشروع السوريين نحو الحرية والكرامة؟ وكيف يمكن أن يقفوا مع جنود النظام جنباً إلى جنب في خندق واحد بعد كل ذلك؟

 

التهجير

لدى اندلاع شرارة الثورة السورية سارعت البلدات المحيطة بدمشق إلى المشاركة فيها، وفي العام الثاني للثورة شهدت هذه البلدات تحولاً جذرياً في الحراك الثوري أقلق النظام الذي راح يتعامل وفق مخطط طويل الأمد مع ثوار تلك المناطق، انطلاقاً من اعتبارات استراتيجية عديدة لدى النظام، تتجلى خصوصاً في ضرورة تحصين العاصمة، معقل الأسد الأساسي.

وعلى مدى شهور طويلة، صارت سنوات، انتهج النظام آلية مهمتها إيقاف المد “المخيف” للثوار نحو العاصمة، عبر أساليب متعددة آتت أكلها في نهاية المطاف.

وكانت مدينة داريا هي بداية النهاية فعلياً، فمع نهاية آب 2016 غادر مقاتلوها ومن تبقى من سكانها وتركوا مدينتهم التي بقيت لزمن طويل شوكة استعصت على النظام.

في الأثناء كان هناك اتفاقات لـ مصالحات وتسويات مماثلة تجري في البلدات الثائرة الأخرى بمساعدة روسيا التي أشرفت على الملف، فحملت الباصات الخضراء ثوار قدسيا والهامة في 13 تشرين الأول من العام نفسه، وبعد أيام قليلة وتحديدًا في 19 تشرين الأول جرى تهجير ثوار المعضمية، تلاه خروج حافلات تحمل ثوار خان الشيح في 29 تشرين الثاني.

أما في العام الحالي فقد شهد تهجير ثوار زاكية ثم وادي بردى، تلاهم خروج مقاتلي سرغايا، ليبدأ بعد ذلك اتفاق “المدن الأربع” الذي ربط مصير الزبداني ومضايا ببلدتي الفوعة وكفريا، عبر عمليات إجلاء تمّت على دفعات.

 

 

لا معوقات أو متاعب

ينكبّ “رائد صالحاني” على بحث ظاهرة التطوع لدى النظام والتسويات التي تجري في المدن المتاخمة لدمشق،  رائد الذي يدير موقع “صوت العاصمة” المعارض تحدث لـ صدى الشام عن تفاصيل مهمة لعملية الالتحاق بصفوف النظام لدى شباب كان معظمهم مع الثوار سابقاً.

يقول رائد “لا يمكننا تقديم إحصائية دقيقة تشمل أعداد المتطوعين، هذا مستحيل؛ كما أنه لا توجد أيضاً إحصائية للمدينة أوالبلدة التي قدمت العدد الأكبر من المتطوعين، لكن يمكننا القول أن شُعَب التجنيد والميليشيات تشهد إقبالاً من جميع المناطق دون استثناء”.

يضيف رائد “التطوع أضحى أمراً سهلاً جداً، في كل حي ومنطقة تتواجد مراكز للدفاع الوطني وكتائب البعث وغيرها من الميليشيات، وأتوقع زيادة نسبة الإقبال على التطوع لدى قوات النظام في الأيام القادمة وذلك بسبب خسارة المعارضة مناطق كثيرة ودخولها في المصالحات، فمثلاً مَن تبقّى من الشباب في مضايا والزبداني وبقين وجرود وادي بردى لن يكون أمامهم خيار سوى التجنيد في صفوف الميليشيات الموالية”.

 

مهلة

تنص بنود جميع اتفاقيات ما يسمى بـ “المصالحة” التي تم تنفيذها في بلدات ريف دمشق على خضوع من يرفض مغادرة البلدة لتسوية وضعه لدى الجهات الأمنية، ثم يعطى المطلوبون للخدمة العسكرية مهلة 6 أشهر لترتيب أوضاعهم والخروج بشكل نظامي من البلدة، وعند نهاية المدة يُساق جميع الموجودين إلى جيش النظام.

ويعزو نشطاء ازدياد نسبة التطوع إلى هذه النقطة، حيث يفشل معظم الشباب في السفر خارج البلاد ما يضطرهم إلى اختيار ما هو أقل ضرراً بين الالتحاق أو الاعتقال.

منذ تواجده داخل وادي بردى وحتى اللحظة يدير “أبو محمد البرداوي” الهيئة الإعلامية في المنطقة، من خلال الهيئة قدم البرداوي تغطيات يومية لمعركة الوادي الأخيرة إضافة لمتابعة نشر المعلومات الهامة حول وضع قرى الوادي في الوقت الراهن.

ويُرجع البرداوي، في حديثه لـ  صدى الشام، أغلب حالات التطوع في وادي بردى إلى وجود مطلوبين للخدمة العسكرية من أبناء الوادي، “هؤلاء الشباب كان أغلبهم مطلوبين للخدمة، ولأنهم ثوار فقد أجروا مصالحة وبقوا في الوادي وتطوعوا حفاظاً على أرواحهم من الموت في المعتقلات”.

ومع أن النظام تعهّد بتقديم تسهيلات لمن أراد مغادرة الوادي، في أحد بنود الاتفاق، إلا أن البرداوي أكد أن هذا لم يحدث إطلاقاً على أرض الواقع، “الدولة ما التزمت بشيء، النظام ما قدم تسهيلات لأحد ليسافر، وما عم يقدر يمرّ من الحواجز إلا يلي تطوع بالجيش”.

ووفقاً للبرداوي فإن المهلة ستنتهي في الشهر السابع من العام الحالي، ويتجاوز عدد المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية عشرة آلاف مطلوب، وقد تطوع من شبان الوادي حتى الآن قرابة 20 شخصًا في صفوف النظام.

 

فرصة

خلال الأيام الماضية تمكن أحد قياديي الجيش الحر في التل من العودة إلى دمشق بعد ركوبه باصات التهجير التي نقلته وعشرات مقاتلي التل نحو الشمال السوري. عاد أبو علي مصمص الذي كان يقود في التل سابقاً كتائب “المعز بالله”، ثم اتفق مع أحد فروع النظام الأمنية على تشكيل كتيبة تابعة للنظام.

ويشكل متطوعون من شباب التل المطلوبين لجيش النظام والذين تمت تسوية أوضاعهم قوام كتيبة “مصمص”، وهو يحاول بهؤلاء المتطوعين تشكيل قوة موالية على غرار ميليشيا “درع القلمون” التي تكونت من أبناء القلمون وتقاتل لصالح النظام في أكثر من جبهة.

يقول “رائد صالحاني” مدير شبكة صوت العاصمة، إن شريحة كبيرة من المتطوعين اختاروا هذا الطريق كونه يوفر المال والسلطة لاسيما مع حالة الفلتان الأمني التي تعيشها مناطق النظام.

“هذه الشريحة لديها أساساً نزعة نحو السرقة والتشليح والنهب، و قد وجدت غايتها في ميليشيات الدفاع الوطني وغيرها حيث سيكون المجال مفتوحاً أمامها للاستفادة من هذا الجانب”.

هذا يقودنا للحديث عما يقدمه النظام وميليشياته للمتطوعين، يوضح صالحاني أن الراتب الشهري “يختلف من ميليشيا لأخرى، و يتراوح بين 30 – 60 ألف ليرة، عدا الفيلق الخامس الذي تصل رواتبه إلى 150 ألف ليرة سورية.”

ناشط آخر من بلدة الهامة تحدث عن الإغراءات التي يقدمها النظام للمتطوعين من أبناء البلدة، يقول عمر الشامي لـ صدى الشام “يسارع الشُبّان للانتساب للدفاع الوطني في بلدة الهامة بعد خضوعهم للتسوية، وقد قاتل العشرات منهم في صف النظام في المعارك الماضية”.

ويتابع “إنهم يقدمون لهم عدة إغراءات أبرزها راتب شهري يتجاوز 50 ألف ليرة و حماية من الاعتقال”.

ويوضح الشامي أن عدد المطلوبين للخدمة العسكرية داخل الهامة تجاوز 400 شابٍ، مشيراً إلى أن “مهلة 6 أشهر انتهت تقريباً وربما يَدخل النظام لاعتقالهم في أي وقت”.

 

مناطق “غير هادئة”

ينضم من يرغب بالالتحاق في صفوف النظام إلى عدة جهات أو ميليشيات موالية، يُعدد أبو محمد البرداوي الجهات التي التحق بها شبان وادي بردى خلال الأيام الماضية “هناك من تطوع في المخابرات الجوية، الفرقة الرابعة، الحرس الجمهوري ، كما يوجد بعض الشبان التحقوا بفرع الأمن العسكري”.

من جانبه لفت رائد صالحاني إلى أن التطوع في ميليشيات موالية غالباً ما يكون تحت شرط الخدمة بالمناطق الهادئة، و قال “الشباب يتطوعون في هذه الميليشات  طمعاً بالخدمة العسكرية في محيط المنطقة التي يقيمون فيها، وخوفاً من السوق إلى جبهات القتال في حال التحقوا بصفوف الجيش النظامي”.

وبالنسبة لمتطوعي بلدة الهامة فقد فضّلوا الالتحاق بميليشيا الدفاع الوطني طمعاً بالمال والحماية، لكن وخلال الأسابيع الماضية ذهب 75 عنصراً منهم للقتال مع النظام في جبهات شرقي دمشق.

هذا الأمر تسبب بمفاجأة لدى كثير من المتطوعين الذين ظنوا أنهم سيخدمون ضمن مناطق بعيدة عن القتال، لكن تم سوقهم إلى جبهات ساخنة جداً ضد تنظيم الدولة وضد الثوار في ريف حماة ودمشق والقلمون.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]