صدى الشام تحاور الحقوقي “أنور البني” حول الدعاوى القضائية الأوروبية ضد نظام الأسد وعائلته


عزا رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أنور البني، عدم فتح ملف العدالة في سوريا إلى عوامل عدة، منها ما هو إجرائي متعلق بالقضاء السوري غير المستقل وعدم توقيع نظام الأسد على اتفاقية “روما”، ومنها ما هو سياسي نتيجة الفيتو الروسي المُعطِّل للملف في المحاكم الدولية.

وأكد “البني” وجود ثغرات قانونية في قضاء بعض البلدان الأوروبية سمحت بتحريك بعض الدعاوى ضد النظام، وهو المؤشر الذي وصفه بـ”المُبشّر”، لافتاً إلى أنه في حال نجحت الدعاوى المرفوعة أمام محاكم عواصم أوروبية، فإنها ستؤدي إلى قطع الطريق على أي جهد لتأهيل النظام.

وكشف البني، في حوار مع صحيفة صدى الشام، أن هناك دعوى قضائية جديدة سترفع ضد “رفعت”، عمّ بشار الأسد، حول مسؤوليته في المجازر التي ارتُكبت في مدينة حماة وفي سجن تدمر، وأشار البني إلى أن بحوزته أدلة تثبت تورط أسماء الأسد في ارتكاب جرائم حرب، قد يترتب عليها محاكمتها بعد تجريدها من الجنسية البريطانية.

 

وفيما يلي نص الحوار:

 

– مع كل الجرائم التي ارتكبها النظام وآخرها مجزرة خان شيخون التي استخدم فيها السلاح الكيمياوي المحرم دولياً، فإن العدالة لا تزال غائبة، ما هي الأسباب التي غيبّتها حتى الآن؟

في الوضع السوري نواجه مشكلة كبيرة، وهي أن القضاء السوري غير مؤهل  قانونياً لفتح ملف العدالة في سوريا، لأنه لا توجد نصوص قانونية فيه تحاكم على أساس جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أولاً، وثانياً لأنه قضاء غير مستقل، أي هو قضاء تابع لرئاسة الجمهورية، الجهة التي ترتكب هذه الجرائم، وثالثاً بسبب حصانة رئيس الجمهورية تجاه الملاحقة القانونية على الجرائم التي يرتكبها، بالتالي هذا لا يسمح بمحاكمة المجرمين أمام المحاكم السورية، وكل ما ذكر هو سبب من الأسباب، وهنا لا بد أن نذكر أن الطريق لا يزال مسدوداً أمام محكمة الجنايات الدولية، لأن سوريا غير موقِّعة على اتفاقية روما، وهذا يمنع المحكمة الدولية من فتح ملف العدالة في سوريا بدون قرار من مجلس الأمن، وهو القرار المستحيل عملياً بسبب موقف الصين وروسيا، ناهيك عن تورط روسيا في الجرائم التي تخشى أن تطالها المحاسبة فيها.

 

– ماذا عن خيار تشكيل محكمة دولية خاصة، على غرار محكمة رفيق الحريري و رواندا على سبيل المثال؟

هذه أيضاً تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، والكل يعرف فيتو روسيا الجاهز لتعطيل كل ذلك.

 

 

– تحدثتَ عن عقبات إجرائية وسياسية ودولية حالت دون فتح ملف العدالة في سوريا، هل يمكننا الحديث عن تقصير من جانب المعارضة في هذا الجانب أم ماذا؟

لا أبداً، لم يكن هناك تقصير لأن الأبواب كانت مغلقة تماماً، وهذه التحركات جاءت بعد جهد نقوم به نحن كمركز حقوقي متخصص، وكذلك المركز السوري لحرية التعبير والإعلام، وبتضافر جهود نشطاء ومنظمات سورية أخرى مهتمة بمجال العدالة تقدم لنا التوثيق، وهو أمر مهم ولو كان دوره جزئياً.

 

– في الآونة الأخيرة شهدنا حراكاً قضائياً في مختلف العواصم الأوروبية من برلين إلى مدريد إلى لندن ضد شخصيات من النظام السوري، ما هي مساراته، وآخر مستجداته؟

نحن نعمل على أكثر من جهة، في ألمانيا هناك تحرك قضائي ضد أفرع المخابرات وخصوصاً ما يسمى بـ”أفرع الموت”، والدعوى الآن أصبحت أمام المدعي العام الفيديرالي، والأمور مبشرة جداً، خصوصاً وأن الحديث يدور عن فتح تحقيق رسمي بخصوص جرائم الحرب، ونحن نعتمد على مادة في الدستور الألماني، تمنح الصلاحية للمدعي العام بأن يحاكم على جرائم حرب، وهذه الصلاحية ليست ملزمة.

 

– بهذا المعنى أنتم تعتمدون على ثغرة في القضاء الألماني فقط، وماذا عن البلدان الأخرى؟

نعم هي ثغرة في القانون الألماني، ونحن فتحناها لتبحث في موضوع العدالة في سوريا، للتأكيد على أن العدالة ستطال الجميع، بالمقابل في فرنسا بدأنا العمل على ملفات أخرى تخص الأمن الجوي وسجن صيدنايا، بحكم وجود ضحية مزودج الجنسية سوري – فرنسي، وكذلك نتعاون مع جهات قانونية ونشطاء في الدعوى المرفوعة ضد رفعت عم بشار الأسد، وأيضاً نتابع ما يجري من حراك في المملكة المتحدة بخصوص مقترح سحب الجنسية عن أسماء الأسد، تمهيداً لمحاكمتها.

 

– ما قيمة كل هذا الحراك، ولا أقصد هنا التقليل من شأن حراككم القضائي في العواصم الأوروبية، إن كان بالنهاية غير ملزم، ونحن وكل المراقبين يعلمون أن هناك جرائم دولية ارتُكبت واستطاع من ارتكبها أن يفلت من العقاب؟

 

نحن نتحدث عن فتح ملفات قضائية أمام القضاء الوطني في البلدان الأوروبية، مستفيدين من الثغرات كما أشرت، أي ازدواج الجنسية للضحايا أو للمتهمين كما الحال مع أسماء الأسد التي تحمل الجنسية البريطانية، وكذلك القوانين الموجودة في القانونين الألماني والنرويجي، التي تسمح بمحاكمات لجرائم الحرب خارج حدودها، أما فيما يتعلق بالإفلات من العقاب، أقول ليس بالجديد ذلك، لكن دعني أوضح شيئًا مهماً جداً، إن ما نقوم به هو ليس فتح باب واسع للعدالة في سوريا، إذ لا يمكن أن تأخذ المحاكم الأوروبية مكان نظيرتها السورية وكذلك نحن لا نقبل؛ نحن نريد أن يكون ملف العدالة بيد السوريين، وعملُنا هو رسالة إلى طرفين: الأولى للمجرمين الكبار الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية مفادها أن العدالة لن تنساهم، وأن الحل السياسي لن يطوي هذا الجرائم، والثانية للضحايا تقول لهم بأن العدالة مسألة أساسية، وتؤكد لهم بأن حقوقهم لن تنسى البتة.

 

– هل سيؤدي فتح باب العدالة إلى قطع الطريق على محاولات بعض الحكومات أو الأشخاص الرامية إلى إعادة تأهيل النظام، بطريقة أو بأخرى؟

بكل تأكيد نحن نحاول أن نثبت أن النظام مجرم في قضاء هذه الدول، وذلك سيقطع الطريق على الرماديين، وفي حال نجحنا فإن قضاء بلدانهم سيمنعهم من ذلك، وأكثر من ذلك سيلاحقهم في حال فكروا بذلك.

 

– إلى أية درجة ساهم الموقف الأمريكي الجديد من النظام السوري في تسريع هذا الحراك القضائي الأوروبي، وخصوصاً أننا شاهدنا فتح ملفات جديدة بعد الضربات الأمريكية للنظام، أي هل قررت أوروبا المضي فعلاً في إسقاط الأسد؟

لقد تزامن الموقف الأمريكي الجديد مع الحراك القضائي الذي كان قائماً منذ ما يقارب العام، لكن تغيّر الموقف الأوروبي جاء تماشياً مع الموقف الأمريكي الواضح، أي نستطيع القول بأن الموقف الأمريكي أثّر بشكل كبير على توضيح الرؤية أمام العالم بأن بشار مجرم.

 

– يتابع الشارع السوري مطالبة أعضاء برلمانيين بريطانيين بتجريد أسماء الأسد من جنسيتها البريطانية باهتمام كبير، ماذا يدور في بريطانيا حالياً بهذا الشأن؟

القضاء البريطاني لا ينظر في الجرائم إلا عند التحقق من ارتكاب جريمة أو التغطية عليها، شأنه شأن كل القضاء في العالم، بمعنى آخر عندما يدين القضاء البريطاني بشار الأسد يمكن حينها ملاحقة زوجته بتهمة التغطية على جرائم زوجها، وما جرى عبارة عن مطالبة أعضاء برلمانيين بتجريدها من جنسيتها البريطانية، ومهمتنا الآن محصورة بتزويد القضاء البريطاني بالأدلة التي تثبت تورطها، وبارتكابها الجرائم.

 

– هل توجد لديكم أدلة ملموسة أوشهود تثبت تورط أسماء الأسد بارتكاب جرائم؟

نعم موجودة لدينا، ولن أفشي سراً أن قلت ذلك، لدينا أدلة كافية لملاحقة كل المجرمين، ونحن نعمل على كل الملفات بآن واحد.

 

– هذا يعني أن مسألة سحب الجنسية البريطانية عن أسماء الأسد بات مسألة وقت لا أكثر؟

القرار بيد وزارة الداخلية البريطانية، وليس البرلمان من يقوم بذلك، أما عن المطالبات فهي إشارة إلى التعامل بجدية مع الملف السوري.

 

– نبقى في بريطانيا أيضاً، تضاربت الأنباء بشأن عدم مشاركة وزيري السياحة والمصالحة الوطنية في حكومة النظام بالمؤتمر الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن بشأن إعادة الإعمار مطلع الشهر الجاري، بعض المراقبين تحدث عن عرقلتكم للزيارة، وبعضهم الآخر أكد اعتذار الوزيرين عن الحضور من تلقاء نفسيهما، ما حقيقة ما جرى؟

لقد رفضت الحكومة البريطانية منحهما الفيزا، وكذلك كان لديهم مخاوف بعد تهديدنا بمحاكمتهم، وأعتقد أن هذه المخاوف منعت زيارتهم أيضاً.

 

– وماذا عن رفعت الأسد، إلى أين وصل القضاء الفرنسي في الدعوى المرفوعة عليه؟

في العام الماضي رُفعت دعوى عليه بسبب تهربه من الضرائب، وتدخلنا بالدعوى بالشهود والوثائق، ووضعنا المحكمة بصورة أمواله التي جمعها كنتيجة لجرائم الحرب في حماة وسجن تدمر، ما أدى إلى تحويل مسار الدعوى لتصبح دعوى استخدام أموال ناجمة عن جرائم، وهذا أدى إلى مصادرة أمواله في فرنسا وإسبانيا، واليوم نحن بصدد دعوى جزائية لن نفصح عن زمانها ومكانها، سترفع عليه لمشاركته في مجازر مدينة حماة وسجن تدمر.

 

 

– بعيداً عن القضاء والمحاكم الأوروبية، من هي الأطراف في الداخل السوري التي تتهم بارتكاب جرائم حرب، طبعا ما عدا النظام والميليشيات ؟

كل الأطراف المسلحة الأخرى مسؤولة عن جرائم وانتهاكات، وكل ذلك حصل نتيجة لتوهم الأطراف بأن الحل السياسي سيطوي مسألة العدالة.

 

– لقد كان الحل السياسي مسؤولاً عن تغطية كل الجرائم التي ارتكبت في الحرب الأهلية اللبنانية على سبيل المثال، وسؤالي هنا هل تتوقعون استنساخ الحل اللبناني في سوريا وأقصد مَلفَي العدالة والسياسة؟

لا يمكن أن نسمح بإعادة تجربة لبنان، في لبنان لم تنتهِ الحرب الأهلية إلى الآن بل تحولت من حرب عسكرية إلى سياسية، وقد تنفجر وتعود إلى ما كانت عليه، والأشقاء في لبنان يعرفون هذا جيداً، أما في سوريا فنحن لا نريد الحل اللبناني لا على صعيد وقف العمليات العسكرية، ولا على صعيد المحاصصة الطائفية التي قاموا بها، نحن نريد الحل على الطريقة السورية؛ الحل المدني الديمقراطي.

 

– طالما أننا نتحدث عن مستقبل الحل في سوريا، وبما أنك أشرت إلى تغيرات مبشرة في مواقف بعض الدول، هل من كلمة تتوجهون بها إلى الداخل السوري تختمون بها هذا الحوار؟

إن ما نقوم به هو إيمان بالسوريين وبسوريا وليس واجباً علينا بقدر ما هو تعبير عن سوريّتنا، وتعبير عن إيماننا بسوريا الجديدة كما أردناها منذ وضعنا مشروع الدستور الجديد عام 2005، وفي عام 2011 حين وضعنا مشروع العدالة الانتقالية، وقوانين الأحزاب والانتخابات. إننا نؤمن بالسوريين، ونعرف أن الظلم الهائل الذي تعرضوا له قد يكون مسؤولاً عن تغّير بعضهم، لكننا ندرك بأن هذا التحشيد الطائفي حالة مؤقتة وسيزول معها، ولذلك نحن نحاول تخفيف الضغط بالتأكيد على أن العدالة ستطال الجميع، مهما حاولوا التستر بالعلمانية أو بخدمة الغرب أو بمحاربة الإرهاب.



صدى الشام