أبناء دير الزور بين الهروب من (داعش) والوقوع في جحيم الميليشيات الكردية


مراد الأحمد: المصدر

قصتها تحكي قصص المئات من أبناء مدينة دير الزور، خاضت الصعاب ودفعت الآلاف للهروب من سطوة تنظيم “داعش”، لتقع في جحيم الميليشيات الكردية في ريف الحسكة، والتي تمنعها من الخروج من مخيمٍ يفتقد لأدنى مقومات الحياة.

روت “صفاء أم محمود”، النازحة من أبناء دير الزور، والبالغة من العمر 60 عاماً والمريضة بسرطان الثدي، لـ (المصدر) قصة هروبها من مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في دير الزور إلى محافظة الحسكة، ومحاولتها السفر عبر مطار القامشلي إلى مشافي العاصمة دمشق.

وقال “أم محمود”: “انطلقا صباحاً من مدينة دير الزور بحدود الساعة الثامنة والنصف عبر حافلة صغيرة، ومعنا عدد من النسوة والأطفال، إضافة إلى المهرب، لنصل إلى أبو حامضة، وانتهت مهمة سائق الحافلة في منطقة أبو حامضة، وتركنا نحن والمهرب، ثم غادر. كان هناك أيضاً عراقيون، وبعد فترة وجيزة جاءت إلينا سيارة من نوع كيا، وأمر المهرب السوريين والعراقيين بالركوب فيها بسرعة، وسارت بنا مسافة لا بأس بها، ثم أنزلتنا في صحراء قاحلة مرة أخرى، وأخبرنا السائق أنه علينا المسير من هذه القرية التي تدعى أم البشاير حتى نصل لحاجز تتواجد فيه القوات الكردية التي ستأخذنا إلى مخيم يدعى مخيم الهول، الذي سنرتاح فيه قليلاً ثم تنقلنا سيارات منه إلى مدينة الحسكة”.

وتابعت “بدأنا بالمسير، لكن التعب نال منا بعد مسافة ليست بالقصيرة، وقضينا ليلتنا في العراء على أصوات صفير الهواء، وعند بزوغ الفجر تم نقلنا إلى منزل، حتى لا ترانا دوريات التنظيم الجوالة في المنطقة، ومساءً طلب منا المهرب تجهيز أنفسنا لنواصل المسير، لأنه في الليل لا تمر دوريات التنظيم، وعند حلول الظلام بدأنا رحلتنا التي تمنيت ألف مرة أني لم أمشِ فيها، حيث أضعنا أحد الرجال المسنين الذين كانوا معنا، والذي أنهكه التعب وضاع في الصحراء، ولم يرضَ المهرب أن ينتظره، ولا مجال للبحث عنه”.

وأضافت “أم محمود”: “رأيت جثثاً وعظاماً وملابس منتشرة هنا وهناك، ولكن أقسى ما رأيته هو انفجار لغم بشاب عشريني كان يتقدمني بمسافة مترين فقط، وانتشرت أشلاؤه في المكان”.

وأكملت “وصلنا لمخيم رجم صليبي الذي تم اقتيادنا إليه من قبل بعض العناصر الكردية التي سجلت أسماءنا ودققت في هوياتنا، وقضينا ليلتنا في هذا المخيم، لكن في العراء، لأنه لا يوجد أية مقومات للمبيت فيه من حيث النظافة والأغطية والعناية، وفي الصبح أخذونا إلى مخيم الهول الذي كنا نحلم بالوصول إليه، فهو سبيل خلاصنا من كل عذابنا ونهاية بؤسنا، حيث وعدنا المهرب أنه فقط سيدقق في الهويات ثم يأخذونا إلى مدينة الحسكة فورا، ولكن رحلة الشقاء لم تنته والأحلام انقلبت إلى كوابيس قاتلة”.

وأردفت “أم محمود”: “تم تسليمنا خيم وأغطية وما إلى ذلك، واحتجزنا هناك دون رعاية طبية ودون خدمات، فقط كان يقدم لنا الماء والمعلبات، ويمنع أهلنا المقيمون ضمن محافظة الحسكة من زيارتنا إلا مرة واحدة في الأسبوع، وهناك معاملات طويلة يتوجب عليهم القيام بها، والعديد العديد من الموافقات الأمنية، إضافة لكفيل كردي وكفيل من نفس العائلة مقيم في مناطق ما يسمى بروج آفا”.

“أما من يريد السفر إلى مدينة دمشق فعليه انتظار دوره في المخيم، ولا يسمح له بالمغادرة أبدا، وإن كان يود المغادرة لرؤية أقاربه في الحسكة أو القامشلي فعليه دفع 100 دولار والخروج لمدة يوم واحد والعودة، وذلك بوجود كفيل تحجز هويته وأوراقه الثبوتية، وأنا كوني مريضة بمرض السرطان وأريد الذهاب لمدينة دمشق وتلقي العلاج، رغبت بالذهاب بأسرع وقت لمدينة دمشق، دفعت لأحد السماسرة مبلغ 50 ألف ليرة سورية كي يسرّع بعملية سفري ويقدّم موعدي، ولكني تعرضت لعملية نصب، ولم أعد أرى ذلك السمسار، وبسبب سوء وتردي الخدمات الصحية في المخيمات خلال الفترات الماضية، فقدت امرأة وطفلة من دير الزور حياتهما، وهناك الكثير من المرضى ممن يعانون من وضع صحي سيء جدا”.

وختمت “أم محمود”: “وها أنا بعد شهر لا أزال أنتظر دوري في السفر والخروج من هذا المخيم أو الإقامة الجبرية والاحتجاز القسري بمعنى أدق، وربما سيزداد وضعي الصحي سوءاً وأفارق الحياة في مخيمات الجحيم”.





المصدر