هل تنقذ “فرانس برس” سمعتها في الشارع السوري؟



رامي زين الدين – المصدر

أثارت الرسالة التي وجهتها وكالة “فرانس برس” إلى قناة أورينت و”التهديد “باللجوء إلى القضاء إذا لم تحذف أحد الفيديوهات الذي بثته مؤخراً، وانتقدت فيه أداء الوكالة تجاه الملف السوري، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولعلّ هذا الإشكال يفتح باب التساؤل حول المنهجية الإعلامية التي تدير فيها “فرانس برس” الملف السوري، هذه الوكالة العريقة التي تعتبر الأقدم في العالم وتعود إلى عام 1835.

لقد طرح برنامج “تيلي أورينت” عدة جوانب في تغطية الوكالة الفرنسية للشأن السوري، متناولاً بعض التقارير الصحفية بطريقة ساخرة، حيث ترى شريحة واسعة من الجمهور السوري أنّ تغطية الوكالة تتسم أحياناً بالانفصام عن الواقع، لا سيّما فيما يتعلّق بالجانب الخاص بالنظام، إذ هل يعقل مثلاً أنه في ظل وجود ملايين اللاجئين والنازحين السوريين، بسبب عمليات القصف والإبادة التي يشنّها النظام وحلفاؤه من جهةٍ والتنظيمات المصنّفة إرهابية من جهةٍ أخرى، تخرج الوكالة بتقرير عن هجرة الناس من دمشق خوفاً من ضربة أمريكية جديدة بعد الضرية المركّزة التي استهدفت مطار الشعيرات شرقي حمص. (“مجنون يحكي وعاقل يسمع” يا فرانس برس).

كما اتّهمت الوكالة تقرير “تيلي أورينت” بأنه يحمل صبغة عنصرية، وتحديداً بالتلميح إلى يهودية الصحفي الذي أجرى مقابلةٍ مع بشار الأسد، ولكن  هناك وقائع صريحة تدين فرانس برس قبل أن ترمِ الاتهامات كيفما كان، فعندما ترفض وسائل إعلام عالمية بث مقابلة الأسد، مثل سي أن أن وغيرها، بعد أن أثار محتوى المقابلة حفيظة الكثيرين وتحديداً حول ما اعتبر أنه ترويج لـ “إنسانية” الأسد بعد 6 سنوات من الحرب وإجماع شبه أممي على تحميله مسؤولية مقتل عشرات الآلاف وتهجير الملايين. فهل تقوم الوكالة الفرنسية فعلاً بالترويج؟. هذا ما يستدعي السؤال حول من يدير الملف السوري فيها؟ وهنا السؤال عن العقلية والاتجاه لا عقائد الأشخاص.

منوطٌ اليوم بالوكالة الفرنسية العريقة أن تعيد تقييم أداءها وتعاطيها في الشأن السوري، لتكون في موقع المحايد على أقل تقدير، فوجود تنظيمات مصنّفة عالمياً في قوائم الإرهاب، لا يعني الانحياز إلى الأسد واعتباره “حمامة سلام”، وبالتالي تبرير جرائم الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه!. وإلا فكيف إذاً تفسّر فرانس برس الموقف الفرنسي الرسمي الذي يتّهم نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب ويسعى لمحاسبته.

قد لا يبدو الأمر بريئاً من انحيازِ تيارٍ داخل الوكالة إلى صف الأسد وحلفائه، إذ من المعيب على وكالة تكنّى باسم فرنسا،الجمهورية ذات القيم الإنسانية الأرفع في دساتير العالم، أن تصبح مجرّد أداةٍ،_(نتيجة ثغرات بعض موظفيها)_ بيد سفّاح ينكر منذ سنوات أنه تسبب بمقتل آلاف المدنيين، والكل يتذكّر إنكار الأسدالشهير لما حدث مع الطفل عمران الذي هزّ العالم بصورته.

لقد كان لي فرصة العمل مع فريق تيلي أورينت في فترة سابقة، وأعرف الإمكانيات البسيطة التي ينجز فيها الفريق أعمالاً ذات أهمية، بالمحتوى والقيمة الفنّية، ويمكنني القول، وأنا في موقع المراقب اليوم، أن محاولة فرانس برس الضرب على وتر ما أسمته “إيحاءات عنصرية” هي محاولة لذرّ الرماد في العيون، وتحويل الأنظار عمّا يؤخذ عليها فعلاً، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم الإشارة فيها إلى السيّد (سامي كنز) بالنظر إلى علاقة الصداقة التي تربطه ببثينة شعبان مستشارة الأسد الإعلامية، لا بالنظر إلى انتمائه الديني الذي لا بدّ أن يحترم بطبيعة الحال كأي دين آخر.

قد يختلف أو يتفق البعض مع سياسة قناة أورينت، باعتبارها وسيلة إعلام غير محايدةفي الملف السوري وتتخّذ موقفاً صريحاً ضد نظام الأسد، وقد يعجب أو لا يعجب البعض ما تنتجه “تيلي أورينت” من فيديوهات ساخرة، وربما هناك من يظنّ أن التلميح لهويّة الصحفي سامي كنز كان بقصد الإساءة، لكن المتابع لمسيرة منصّة “تيلي أورينت” منذ انطلاقها قبل عام تقريباً سيدرك أن خطّها الإعلامي بعيد تماماً عن أي توجهات عنصرية أو طائفية، وهذا ما قد يغفر لعدم وضوح ذلك، للبعض، في الفيديو الساخر.

يمكن القول أنّه بوجود قرائن موثقة استخدمها البرنامج في انتقاداته لتقارير فرانس برس، هذا يجعل الكرة في ملعب الوكالةالعريقة، لمراجعة وتقييم أداء فريقها المختص بالشأن السوري، لا أن تلجأ للتهديد بالقضاء،إذ يضع هذا التصرف سمعة الوكالة على المحك.

 فعلى فرانس برس، باعتبارها، تمثّل السلطة الرابعة في أكثر بلدان العالم ديموقراطية، أن تكون شريكاً في فضح الجرائم التي ترتكب في سوريا، إن كان من النظام أو من التنظيمات الإرهابية، وأن تسعى لوصول هؤلاء جميعاً إلى القضاء، لا أن تسعى لمقاضاة الزميلة أورينت.

صحفي سوري مستقل




المصدر