كيف حوّلتني الحرب الأهليةُ في سوريا إلى طبيب

28 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017

5 minutes

اعتاد النّاسُ على زيارةِ بلدتي مضايا كمنتجعٍ جبليٍّ شعبيٍّ يقعُ فوقَ جبلٍ ليسَ ببعيدٍ عن الحدودِ مع لبنان. لقدْ تغيّرَ هذا الوضعُ في صيف عام 2015 عندما وصلتْ إلينا الحربُ الأهليّةُ. في ذلك الوقتِ، كنت على بعد سنةٍ واحِدةٍ فقط من إنهاءِ دراستي لأصبحَ طبيبَ أسنانٍ.

تركتُ الجامعة، وعُدتُ إلى مسقطِ رأسي، مصدوماً بمشاهدِ الدّمارِ. لقد تركَ العديدُ منَ النّاسِ ممتلكاتِهم خلفَهم وفرّوا هاربينَ. لقد أُصيبُ الألوفُ. ولسوءِ حظَّهم، فإن معظمَ أطباءَ البلدةِ إمّا غادروا أوِ اعتُقِلوا. شعرت، لذلك، أنَّ مِنْ واجبي تجاهَ بلدتي وأهلي أن أقدِّمَ المساعدةَ بأيَّةِ طريقةٍ. فهؤلاءُ هم النّاسُ الّذينَ كَبرْتُ بينهم – عائلتي وأصدقائي – أشخاصٌ عاديّونَ وحياتُهمْ عاديّةُ. لدى سماعيَ البكاءَ اليائسَ من طفلٍ صغيرٍ، وقد امتزجَ الدّمُ بالدّموعِ الّتي كانَت تسيلُ من عينيه كان عليَّ أن أتصرّفَ.

كنت قدْ درسْتُ طبَّ الأسنانِ، وليسَ جراحتَها، ورغمَ قلّة خبرتي، ذهبتُ للعملِ في المستشفى. كان يوجدُ الكثيرُ مِنَ النّاسِ بحاجةٍ للمساعدةِ. كانَ عليَّ أن أخضعَ لدورةٍ مُكثّفَةٍ في ممارسةِ الطبِّ، لأتعلَّمَ من طبيبٍ مُجازٍ – قبلَ أنْ يُغادِرَ هوَ بدورِهِ. اليومَ، لا يوجدُ أطبّاءٌ مُختصّونَ. لدينا فقط تجهيزاتٌ طبيّةٌ محدودةٌ وبدائيّةٌ، وهناكَ نقصٌ كبيرٌ في الأدويةِ الأساسيّةُ. ومع ذلك، فقد كانتِ الحاجةُ لخدماتنا لا تُضاهى. نحن نقومُ بعلاجِ ما يقاربُ مئةَ شخصٍ كلَّ يومٍ. البلدةُ محاطةٌ بأربعة عشر ألف لغم أرضيّ، وهناك العشراتُ من القنّاصين يستهدفونَ البلدةَ باستمرارٍ.

 

وفي الحال، بدأنا أنا ومجموعةٌ من الأطبّاءِ ذوي الخبْرَةِ ببذلِ أفضلِ ما بوسعِنا. لازلت أذكرُ الخوفَ الّذي تمكّنَ منّا في أوّلِ عمليّةٍ جراحيَّةٍ قمنا بها، فلقد كانتْ حياةُ إنسانٍ بينَ أيدينا. كنّا نعرفُ أنّنا لم نكنْ مؤهّلينَ للقيامِ بها، ولكنْ لم يكنْ لدينا خيارٌ أفضل. لقد طلبَ منّا أهلُه أنْ نقومَ بها، لأنْ التّأخيرَ لم يكنْ الخيارُ الصّحيحُ أبداً. وخلالَ العمليّةِ، التقطْتُ صورًا لما كانَ يجري أثناءَ العمليّةِ باستخدامِ هاتفي الجوّالِ، ثمَّ تركتُ غرفةَ العمليّاتِ، إذْ لم تكنْ خدمةُ الانترنت متوفرة فيها حيث كان عليَّ أنْ أسألَ نصيحةَ أطبّاءٍ آخرينَ باستخدامِ تطبيقِ واتس أب. بعد ذلك، رجعتُ إلى غرفةِ العمليّاتِ وتابعتُ مهمّتي بعد أن أعدْتُ تعقيمَ نفسي. وعندما نجحتِ العمليّةُ، بكينا جميعنا.

بسبب عزلتِنا في منطقةِ حربٍ، كانتِ كمّيّةُ المساعداتِ الدّوليّةِ التي تلقّيناها صغيرة: وهي بعض من الأرز، البرغل والفاصولياء وكلها غنيّةٌ بالكربوهيدرات. كانَ البروتين هو ما يحتاجُه النّاسُ بالإضافةِ للعناصرِ الغذائيّةِ الأُخرى. لقد أدّى هذا الأمرُ إلى أنواعٍ خطيرةٍ من سوءِ التّغذيةِ. كانَ أمرًا لم نختبرْه من قبل، مع ذلك كافحنا لمواجهتِه.

استمر الصّراعُ حتى اللحظة مدّة عامينِ. لقد تمكّن منّا وكان له أثرٌ خانقٌ. كانتِ الشّوارعُ المألوفةُ لي والتي كنتُ ألعبُ فيها وأنا صبيٌّ مليئة بالجثثِ وبدماءِ الشّهداء، ويحيطها العويلُ الثّاقبُ والحيرةُ الصامتةُ. كانَ القصْفُ ونيرانُ القنّاصةُ تستهدفُ المشفى بشكلٍ مستمرٍّ. لقد تمَّ تهديدُنا بشكلٍ شخصيٍّ فاضطُرِرْنا إلى الانتقالِ أربعَ مرّاتٍ.

لكنّنا ثابرْنا والأملُ يحذونا. كنتُ أقولُ للآخرين، ستُفاجؤونَ بالخيرِ الّذي سننالُه وبالخبرةِ التي سنكسبُها. يوماً ما، عندما تنتهي الحربُ، سأعودُ إلى جامعتي لأتابعَ دراستي كي أُصْبِحَ جرّاحاً مؤهّلاً بشكلٍ كاملٍ، لكن الآن، يحتاجُني النّاسُ وعليَّ أن أستجيبَ لهم.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]