الغارة وشعاع الوهم لصواريخ “إس 300”


نزار السهلي

حسب تعليق “يفغيني بوجينسكي”، المحلل الأمني الروسي، على غارة الاحتلال الإسرائيلي على مطار المزة 27 نيسان/ أبريل الماضي، جرى التعبير للإسرائيليين عن عدم رضا موسكو عن تلك الغارة، وأضاف أن عناد الإسرائيليين وتصميمهم على منع وصول السلاح لـ “حزب الله” يدفعهم لتفهم هذا العناد، وأن القيادة الإسرائيلية أوضحت لموسكو أن عدوها ليس الأسد وإنما تمدد “حزب الله” وإيران.

لم تُغادر لغة الحليف الروسي المستهلكة، عتبة التحذير المتفهم للإسرائيلي، بينما فوسفور الممانعة الأبيض ونابالمه يتساقط فوق رؤوس السوريين، ولعل أبشع ما تفتّقت عنه لغة الممانعة السافرة هو تبريرات غير بعيدة عن منطق حلفائها من الروس والإيرانيين وتوظيفها في المكان والزمان ذاته إن تعلّق الأمر بـ “العدو”.

التنسيق الروسي الإسرائيلي واضح وعلني في إدارة وتقاسم العدوان على سورية، وتنظيمه إلى حدود تسمح بتقاسم نفوذ المجال الذي يتيح رصد كل طرف أهدافه على الأرض، وتتبع مساره في الجو، فقبل يوم واحد من الغارة الأخيرة صرح رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف بأن بلاده باتت تُغطي كامل الأراضي السورية بصواريخ “اس 300″، وقبل ذلك انبرى فريق الردح الإعلامي لقنوات الممانعة بترويج “شعاع” تلك الصواريخ الذي يرصد الطائرات والصواريخ “المعتدية”.

لم يعد للغارة الإسرائيلية في العمق السوري أي مدلول في إحصاء العدد الكلي للهجمات التي يشنها الاحتلال، خصوصًا في السنوات الأخيرة من عمر الثورة السورية، لأنها تأتي في سياق مفتوح على مسلسل الجرائم المتسع لارتكاب المزيد منها.

يتحمل النظام المسؤولية المطلقة للعدوان لأنه شريك فيه، وسلسلة جرائمه وممارساته وسياساته بالأصل حملت، في العقود الأربعة الماضية، تسهيلًا للاحتلال الإسرائيلي، منحته من خلالها جبهة آمنة مقابل حكم مديد، يؤسس لوراثة وحفظ شعار “الأسد إلى الأبد”، أضف إلى ذلك أن حجم الغارات بالشعارات التي أطلقها النظام السوري لمواجهة العدوان في السنوات الأخيرة قصفت ممانعته ومقاومته، فلم يبق لها سوى الدفن في عمق التاريخ، ولم يعد لوكها مجديًا، مهما علا الصراخ وتفتقت عن محلليها “نظريات” الإقناع بشعاع الصواريخ الروسية.

بات من شبه المؤكد أن الجريمة التي أحدثها نظام الأسد بحق المجتمع السوري تمتد لتحمل أشد العبارات قسوة في التاريخ وأكثرها فجاجة، لكنها لم تُلغِ، عند السوريين، القناعة بحقيقة صراعهم مع عدوين شرسين، طاغيتهم ومحتلهم، الأول سبب للثاني والعكس صحيح.

يبقى الفرق بين من يرتكب جرائم متواصلة منذ ستة أعوام تحت سمع وبصر العالم أجمع، وهو محمي على أعلى مستويات الفاشية الروسية والإيرانية والإسرائيلية والأميركية، وبين من تكون جريمته في دائرة الصراع المستديم بين الشعب السوري والاحتلال، لكن الأكاذيب المزعومة “للممانعة والمقاومة” أنتجت مشاهد مرعبة ومؤلمة بفاشيتها وانتصاراتها المزعومة على أجساد النساء والأطفال والشيوخ. بهذه الحقيقة يُقاوم السوريون جرائم النظام والاحتلال، ولا يقبلون تجزئة الجريمة، وهم يحصون صفعات المحتل له، ويراقبون “أرنبته” بعد كل غارة، لكنهم يحبسون الأنفاس خوفًا من جريمة أكبر يتهيأ الطاغية لتنفيذها على أجسادهم بعد كل ركلة إسرائيلية.

على الرغم من الألم الناتج عن حجم الدمار والخسران الذي مُني به المجتمع السوري، إلا أنه ابتدع فن ومهارة تحويل الدم إلى شريان الاستمرار بمقاومة الطاغية للعام السادس، وبهذا المعنى أيضًا يُجابه الجريمة المستمرة بالحضور القوي، مُعرّيًا كل الزيف المتساقط من بيانات منهمرة على العدو، ويتصدى لحمم الموت المنهمرة عليه من خزان الفاشية المستبد به بصمود أسطوري، ليبقى شعاع الممانعة من وهم، ولتبقى جريمة الطاغية والمحتل مع علاقاتهما الجدلية سببًا مستمرًا لثورة السوريين.




المصدر