كثير من الوقاحة
29 أبريل، 2017
باسل العودات
قبل أيام، قصفت طائرات الجيش التركي معسكرًا حربيًا، يضم مقاتلين من ميليشيات عسكرية تابعة لـ “وحدات حماية الشعب” الكردية، و”وحدات حماية المرأة الكردية”، و”قوات الأسايش الكردية”، وجميعها ميليشيات عسكرية تابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي التابع بدوره لـ”حزب العمال الكردستاني” الكردي.
اعترفت قيادة هذه الميليشيات، في كل بياناتها، بأن المكان المُستهدف هو معسكر حربي، وليس منطقة مدنيين، واتّهمت تركيا بأنها تساند تنظيم “الدولة الإسلامية” بهذا القصف الذي آلم هذه الميليشيات، كما شنّت هجومًا على كل من لم يُعلن عن إدانته “العنيفة” لهذا القصف، وخوّنت، في من خوّنت، أكراد العراق الذين تحفّظوا على الإدانة؛ لأن معركة هذه الميليشيات مع تركيا لا تعنيهم، تمامًا كما لا تعني السوريين أيضًا.
سارع مؤيدو هذه الميليشيات، للمطالبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام وحملات الإنترنيت، لإعلان مناطق سيطرة الميليشيات الكردية، دون غيرها، منطقة محظورة على الطيران، وطالبوا (إخوتهم) السوريين بتأييد هذا الطلب ودعمه بكل الوسائل، لأنه يضمن، برأيهم، عدم قصف أي منطقة تُسيطر عليها هذه الميليشيات.
لم يشعر مؤيدو هذه الميليشيات بأي تأنيب ضمير وهم يطلبون هذا الطلب، كما لم يُدركوا حجم الوقاحة في طلبهم المزدوج هذا، سواء الطلب من الأمريكيين جعل مناطق سيطرة هذه الميليشيات دون غيرها محظورة على الطيران، أو الطلب من السوريين دعم هذه الفكرة.
لم تؤيد هذه الميليشيات الكردية، ولا الأحزاب التي تقف وراءها، طوال ست سنوات، فكرة فرض مناطق حظر طيران فوق أي منطقة سورية، تُسيطر عليها المعارضة المسلحة، بحجّة رفض التدخل الخارجي، وبحجّة أن هذه المناطق محظورة الطيران ستخدم تنظيم الدولة الإسلامية.
لم تكترث هذه الميليشيات الكردية، ولا الأحزاب التي تقف وراءها، بقصف طيران النظام السوري والروسي وطيران التحالف، المشافي ومخيمات النازحين والمساجد ومستودعات الأدوية، ولم يهمّها تدمير طيران النظام السوري والروسي وطيران التحالف، المدن والبلدات والقرى، ولا دكّ المدافع لبيوت البشر وروضات الأطفال والمدارس والبنى التحتية، بل كان موقفها، في كثير من الأحيان، شامتًا بما يجري من قتل وتدمير لمن يُفترض أنهم شركاء الوطن.
لم تُصدر هذه الميليشيات الكردية، ولا الأحزاب التي تقف وراءها، أي بيان يدين استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد مناطق مدنية مأهولة بالسكان، في أكثر من منطقة في سورية، وظلّت مواقفها مُشكّكة في الحدث وفي مُرتكبه، ومُشككة حتى في الضحايا. والأوقح من ذلك أن تصريحات ومواقف بعض قياديي هذه الميليشيات وأحزابها كانت شامتة ومؤيدة ضمنًا لاستخدام النظام السوري هذا السلاح القذر.
لم تعترض هذه الميليشيات الكردية، ولا الأحزاب التي تقف وراءها، على ما يجري في سورية وهي تنهار، تتمزق، تنتحر، ولم يصدر عنها أي إدانة وهي ترى النظام السوري يقتل ويُدمر ويبيد، وكانت شريكة النظام في أخلاقه ودناءته.
لا يعترض عاقل على ضرورة وقف القتل، ولا يؤيد عاقل أي حرب، مهما صغرت ومهما كانت أهدافها، ولا يُسرّ بشر لقتل أي إنسان، مهما كانت جنسيته وقوميته ودينه؛ ولكل الأسباب السابقة، من الطبيعي ألا يكترث السوريون بدعم منطقة حظر طيران فوق مناطق سيطرة الميليشيات الكردية، ومن الطبيعي أن يرفضوا هذه الفكرة، وأن يعدوها مارقة، وألا يعنيهم قصف تركيا أو غيرها معسكرًا حربيًا لميليشيات منفلتة ليست سورية، مُلملمة من تركيا والعراق وإيران، لها أجندة جزئية خاصة، وأيديولوجيا قومية تقسيمية.
يرى كثير من السوريين، معارضين ورماديين، أن هذه الميليشيات لا تختلف من حيث المبدأ عن ميليشيات حزب الله القاتلة، وميليشيات أبو الفضل الطائفية، ومرتزقة فاطميون وزينبيون، وأبعد من ذلك، يرى البعض أنها لا تختلف عن ميليشيات تنظيم “الدولة الإسلامية” المُجرمة؛ فلا هي سورية، ولا تعمل من أجل سورية، ولا يهمها السوريين، ولا يعنيها سوى تحقيق مخطط لا يخدم أحدًا غيرها، ويطالبون أن تُقدّم هذه الميليشيات ما يُثبت عكس ذلك إن أرادت أن يُغيّر السوريون رأيهم.
[sociallocker] [/sociallocker]