الإسلاموية العنفية وصرخة البجع
30 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
أحمد برقاوي
تعود نشأة الإسلاموية إلى النصف الأول من القرن العشرين، ونقصد بالإسلاموية؛ حركة سياسية – أيديولوجية تهدف إلى استلام السلطة لتطبيق الشريعة الإسلامية، بوصفها المصدر الوحيد للتشريع وللحكم. ومن أبرز صور الإسلاموية حركة الإخوان المسلمون وحزب التحرير الإسلامي. وهذا أمر معروف، وحين كانت الإسلاموية حركة سياسية – أيديولوجية إلى جانب الحركات السياسية – الأيديولوجية الأخرى، كالحركة القومية والشيوعية والليبرالية، لم يكن لها ذاك الحضور الذي نشاهده اليوم، بل كانت ضعيفة بالقياس إلى قوة التيارات الأخرى.
مع تغوّل السلطات الاستبدادية وتحطم الفئات الوسطى وانتقالها إلى فئات فقراء المجتمع المديني – والقروي، وظهور أشكال غير معقولة من الفساد ونهب الثروات الوطنية، جرت تحولات في الخطاب الإسلاموي عند جماعات إسلاموية، قوامها استخدام القوة باسم الجهاد لتغيير واقع الحال إلى حال قيام دولة الشريعة الإسلامية.
لست في وارد عرض تاريخي للمسألة، لكن حسبي القول بأن: سورية ومصر والجزائر، بلدان قد شهدت ظهور الإسلاموية العنفية، منذ سبعينيات القرن الماضي وثمانينيّاته.
كانت هذه البلدان تمتلك من القوة العسكرية والأمنية ما سمح لها بمواجهة عنفية أشد مع الحركات الإسلامية، وانتصرت عليها في نهاية الأمر، ويضاف، إلى عامل القوة العسكرية والأمنية، غيابُ الحاضنة الشعبية لسلوك العنف الإسلاموي الذي اختار الاغتيالات طريقًا لتحقيق أهدافه. بل ويمكننا القول إن السلطة الحاكمة تغوّلت أكثر بعد انتصارها المسلح، واستباحت الأوطان على نحو يفوق اللامعقول، وبخاصة في سورية.
لم يؤد الانتصار المسلّح إلى أيّ انتصار أيديولوجي أو سياسي أو أخلاقي للسلطات الحاكمة، وبالتالي؛ أبقى على شروط الوعي الإسلاموي الذي ما إن انفجر الربيع العربي حتى عاد مرة أخرى ببندقيته المؤدلجة، في شروط ضعف السلطة وحرمانها من احتكار القوة.
لقد اعتقد الوهم الإسلاموي السني المسلح بأنه البديل الشرعي لسلطة الوسخ التاريخي الفاسد والقمعي، وكان على ثقة بتحقيق وهمه.
في هذه الإثناء، كانت الإسلاموية الشيعية التي انتصرت على الشاه قد أرست قواعدها، بوصفها سلطة توسعية، وصار حزب الله الصورة الفاقعة لذراع إيران، ومع احتلال العراق أميركيًا دق الأميركان إسفينًا في المجتمع العراقي؛ حيث سلموا السلطة للإسلاموية الشيعية وميليشياتها المسلحة ذات الذهنية الثأرية المتخلفة، وهكذا اكتملت الصورة الإسلاموية العنفية السنية والشيعة، وتوغلت جدًا بانهيار الدولة العسكرتارية الطاغية.
لقد دللت تجربة العراق وسورية، على وجه الخصوص، على أن الإسلاموية العنفية -بصورتيها السنية والشيعية- ليس لها أي أساس عقلاني وواقعي وأخلاقي للبقاء على قيد الحياة، كما ليس لها أمل في الاستمرار بتكسير رأس مسار التاريخ. ويمكن القول إنه ثبت لدى الناس أن هذه الأشكال المتخلفة من العنف الإسلاموي لا علاقة لها بالإسلام الشعبي القابع في ضمائر الناس ووجدانهم الأخلاقي، فضلًا عن أن حركة العالم وروح العصر لا يمكنها أبدًا استمراء هذا النمط من الوجود اللاهوتي المسلح، فالإسلام الشعبي السني والشيعي وسواهما من المِلل، لا علاقة له بالعنف السياسي الأصولي، ولا بالأيديولوجيا العنفية النافية للآخر المختلف، ولا بالذهنية القائمة على القتل.
تشهد تحولات الربيع العربي بروزًا لفكرة المواطنة والشعب والتحرر، بديلًا لكل سلطة نافية لهذا كلّه، أقصد سلطة الوسخ التاريخي، وإذا أضفنا إلى هذا الجانب الجديد من حياة الوطن، أي الشعب، روحَ العالم بما ينطوي عليه من تأكيد فكرة الفرد، إضافةً إلى دخول قوى عالمية مناهضة للإسلاموية العنفية الحاكمة أو غير الحاكمة، السنية أو الشيعية، إضافةً إلى نهاية مرحلة العسكرتارية الجاهلة والهمجية، أدركنا أن جميع قوى التأخر التاريخي هي في مرحلة صرخة البجع الأخيرة، إنها، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، تظهر أعلى درجات العنف الهمجي سواء عنف السلاح الكيمياوي السلطوي أو عنف البندقية المسلحة بالنكوص التاريخي المقيت.
[sociallocker] [/sociallocker]