روسيا ترد على الغرب وتهدد بتدخل بري في سورية
30 أبريل، 2017
عبد الرحيم خليفة
الضربة الأميركية “التأديبية”، على مطار الشعيرات العسكري الذي انطلقت منه طائرات الأسد وارتكبت جريمة خان شيخون الكيماوية، أنهت –عمليًا- سياسة الانكفاء التي وسمت سياسة الولايات المتحدة طوال إدارة أوباما، وترك إدارة الأزمة السورية كاملةً لروسيا؛ وهو ما سمح لهذه، منذ تدخلها المباشر في 2015، بانتهاج سياسة هجومية وتصعيدية، لا على صعيد الأزمة السورية فحسب، وإنما على جبهات وأزمات دولية عديدة، بدأت في سورية وتطورت إلى كوريا الشمالية، مرورًا بأوكرانيا وأفغانستان، وما زالت سياسة موسكو التصعيدية مستمرة. وقد نشهد في الأيام القادمة فصلًا جديدًا منها، إذا أخذنا، على محمل الجد، ما كشف عنه مصدر عسكري سوري، بشكلٍ غير رسمي، عن استعداد روسيا لإرسال قوات برية إلى سورية، إذا طلب الأسد ذلك، وتبعه إعلان وزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) عن خططٍ لتوسيع قاعدة حميميم العسكرية، إضافة إلى إجراءات في نصب شبكة رادارات، تغطي معظم الجغرافيا السورية.
تأتي هذه التطورات ردًّا على ضغوط الأطراف الغربية والدولية المؤثرة التي حمّلت روسيا مسؤوليةَ استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية، إذ قامت بحمايته من الإدانة السياسية والقانونية في مجلس الأمن، ومنعت إحالة جرائمه إلى محكمة الجنايات الدولية، فضلًا عن استمرار تزويده بكل صنوف العتاد الحربي الفتاك، ومشاركة قواتها في جرائمه اليومية.
التصعيد الروسي الجديد يشير، في أحد جوانبه، إلى احتدام الصراع الدولي وتعقد المشهد، واستعداد مختلف الأطراف للمضي بعيدًا، بعد أن ساد تقدير، في إثر وصول ترامب إلى رئاسة أميركا، أن تفاهمًا روسيًا-أميركيًا عميقًا غير معني برحيل الأسد، هو ما سيطبع المرحلة القادمة بطابعه، ويعطي الأولوية للحرب على الإرهاب، وإمكان إشراك قوات الأسد فيها. الإعلان أو بالأحرى التسريب الروسي غير الرسمي تزامن أيضًا مع تسريب إيراني مشابه يكشف عن احتشاد عالمي يعيد أجواء الحرب الباردة بين معسكرين، ويتخذ في مناطق معينة حروبًا فاترة أحيانًا، وساخنة في أحيان أخرى. وما يدلّ على هذا “الكباش” العالمي أكثر من غيره هو التصعيد الكوري الشمالي وتهديدات بيونغ يانغ بتوجيه ضربات بالسلاح النووي لأميركا وحلفائها في شرق آسيا، وزيارة وزير الدفاع الأميركي (جيمس ماتيس) المفاجئة لأفغانستان، بعد الإعلان عن معلومات استخبارية تكشف دعم وتسليح روسيا لحركة “طالبان” المعادية للقوات الأميركية، وتخوض صراعًا مفتوحًا مع سلطة كابول منذ تدخل الولايات المتحدة وحلفائها، في أفغانستان عام 2001، لمواجهة شبكات الإرهاب. ومع أن المعلومات لم تحدد تفاصيل كافية، إلا أنها تحمل رسائل سياسية إلى مختلف الأطراف، مفادها أن روسيا لن تتخلى عن الأسد بسهولة وبساطة، ولن تقبل بتغيير قواعد اللعبة التي تعطيها امتيازًا ونفوذًا قويًا، وتبقيها في آخر مناطق الشرق الأوسط، وتمكنها من العودة إلى المسرح الدولي ندًا قويًا!
بالتوازي مع الإعلان التصعيدي، بدت لغة وزير الخارجية الروسي لافروف، في إثر محادثاته مع نظيره السعودي في موسكو قبل أيام، مخففة وأقل حدة من السابق بهدف التقارب مع “المملكة” بحكم الحاجة الاقتصادية الماسة لروسيا.
تضرب روسيا بعرض الحائط كلَّ المواقف الدولية والضغوط التي تمارس عليها غير آبهة بسمعتها الدولية والعقوبات الغربية المفروضة عليها، وتستمر في سياسة العدوان على الشعب السوري بانتظار تحول المواقف الدولية الأخرى إلى أفعال، تغير موازين القوى الحالية. هل سيتجه الموقف الدولي إلى حلول وتفاهمات، تفضي إلى حل سياسي ينهي حكم (آل الأسد)، كما جاء في مواقف دول قمة الـ 7 الكبار في روما هذا الشهر، أم سيكون صيف سورية القادم حارًا، ويشهد مزيدًا من سفك الدماء والتدمير والتهجير من دون آفاق حلّ أو تسوية؟!
الأيام والأسابيع القادمة ستوضح ذلك، ولا سيّما أن الـ 100 يوم الأولى من حكم الإدارة الأميركية الجديدة قد انقضت، وهي المدة التي عادة ما تكون مرحلةَ رسم الخطط والاستراتيجيات وتحديد معالم السياسة الأميركية للسنوات الأربعة القادمة.
الكاتب الصحفي اللبناني حسين صبرا المتابع للشأن الروسي رأى في تصريح لـ (جيرون) أنَّ “التدخل الروسي في سورية تمَّ بضوء أخضر أميركي، خريف العام 2015، وكذلك تدخل إيران وحزب الله، وأي تدخل بري روسي جديد لا بدّ أن يحظى بضوء أخضر أميركي، خاصة أنَّ أميركا تستعد للحرب في جنوب شرق آسيا”. ونفى صبرا أن يكون ذلك في إطار العودة إلى أجواء الحرب الباردة أو الساخنة، وقال: “أبداً على الإطلاق، فكل تفاصيل التدخل الروسي في سورية حتى الآن تمت برضًا أميركي”.
من جهته استبعد الباحث الأكاديمي الدكتور محمود الحمزة المقيم في موسكو، في تصريحات خاصة لـ (جيرون) “توسيع رقعة تدخلها عسكريًا، بعد انتخاب ترامب الذي فاجأت سياسته روسيا وبوتن شخصيًا”، مشيرًا إلى أن “الروس أرسلوا قوات خاصة وشرطة عسكرية إضافة إلى الخبراء والمستشارين العسكريين، عدا الطائرات، وقد يرسلون قوات برية، ولكن بشكل غير رسمي، لأن هذا الموضوع حساس جدًا بالنسبة إليهم الآن).
[sociallocker] [/sociallocker]