ما الذي يعنيه أن تكون مسلماً علمانياً.!؟

30 أبريل، 2017

في إيطاليا، يرغب البعض بفهم العبارة وفق معناها الذي تعترف به الحكومة، بينما يرى آخرون أنّها بدون معنى جملةً وتفصيلاً.

يُدرِك كثيرون معنى مفهوم “اليهود العلمانيين،” وهم أناسٌ يختارون لأنفسهم هوية يهودية على الرغم من كونهم لا يمارسون الشعائر الدينية أو أنّهم لا أدريّون أو ملحدون، وذلك لأنهم يرون اليهودية كثقافة أو عِرق وليس كديانةٍ فحسْب. ويندرج ربع يهود أرمينيا تقريباً ضمن هذه الفئة وذلك وفقاً لمسحٍ أجراه مركز أبحاث بيو.

ولكن هل ثمّة ما يدعى “مسلمون علمانيون”؟ أم أنَّه ليس مجدياً محاولة رسم خريطة هذا المفهوم في الإسلام؟ يختلف الأوروبيون حول هذا السؤال-وفي إيطاليا، يترتب على هذا الاختلاف النظري عواقب ملموسة.

المعضلة التي تواجه المسلمين السابقين في أمريكا
أسست اثنتان من النساء الصوماليات الإيطاليات، وهما عالمة الأنثروبولوجيا والسياسيّة السابقة ماريان إسماعيل والمهندسة والناشطة الحقوقية المهاجرة ليلى يوسف حركة المسلمين العلمانيين في 5 أبريل / نيسان. وقد لا تضمّ المجموعة عدداً كبيراً من الأعضاء بعدُ، ولكنها تتمتع بالفعل بسمعة مرموقة. وقد قدّمت الشريكتان المؤسِّسَتان الحركة في كلمة ألقتاها أمام أعضاء البرلمان والصحفيين في البرلمان الإيطالي، وحظيت بدعم وزير الخارجية السابق جوليو تيرزي، الذي ألقى خطابا أشادَ فيه بالمبادرة.

وترغب الحركة بالضغط على السلطات الإيطالية والاتحاد الأوروبي للاعتراف بوجود شيء من قبيل “الإسلام العلماني”، كما تريد أن يكون لممثليها، “المسلمين العلمانيين”، مكانهم في لقاءات الجمعيات الإسلامية مع السلطات الإيطالية لمناقشة قضايا مثل حماية الأقليات الدينية، وإدماج المهاجرين المسلمين، وتمويل بناء المساجد. وتعتزم الحركة عقد مؤتمر دولي حول الإسلام العلماني، يُعقد في خريف هذا العام.
ويشكّل الأمر صعوبةً مضاعفة في بلدٍ مثل إيطاليا وذلك لأنّها لا تعترف إلى الآن بالإسلام كديانةٍ رسمية فما بالك بالإسلام العلماني. ويتطلّب الدستور من الأقليّات الدينية توقيع إقرار رسمي أو “إنتيسا” قبل حصولهم على مزايا الاعتراف مثل: تمويل دور عبادتهم واعتراف الدولة بزواجهم الديني ومدارسهم الدينية أيضاً وهلمَّ جرّاً (إلاَّ أنَّ ذلك لا ينطبق على الديانة السائدة وهي الكاثوليكية) وتجري الحكومة حالياً مفاوضات حول شروط الاعتراف الرسمي بالإسلام بعد التوقيع على اتفاق تمهيدي مع السلطات الإسلامية التي تعهَّدت في شباط / فبراير بالتعاون في القضايا الأمنية وجعل الأئمة يعِظون باللغة الإيطالية.

وتخشى ماريان إسماعيل، التي تصف نفسها بأنّها “نسويّة، اشتراكية ومسلمة علمانية”، وهي من بين العلماء المشاركين في هذه المفاوضات؛ أنَّ “الإسلام المتشدّد”، أي الذي ينحو نحو تفسيراتٍ متزمّتة للشريعة والقرآن، يحظى بتمثيلٍ متزايد في هذه العملية التفاوضية كما تقول مُردِفةً: “إنَّ ما أريد أن أضمنه حين يكون لدينا مساجد [معترف بها رسميا] في إيطاليا، أن نعثر أيضاً على أشخاص علمانيين في قيادتها، تماماً مثل ماهو الحال لدى اليهود الذين لديهم أشخاص علمانيون يعملون في الإشراف على شؤون دور عبادتهم”، مشيرةً إلى أنَّ المساجد ليست مجرد أماكن للعبادة، وإنما أيضاً تُعتبر بمثابة مراكز ثقافية وأماكن للتلاحم المجتمعي.

إنَّ ما يُعقِّدُ المشهد هو حقيقة أنَّ مختلف الناس يفهمون “الإسلام العلماني” بمعانٍ مختلفة جداً”. وتُعرِّفُ الشريكتان المؤسِّسَتان، الإسلام العلماني على أنّه نهجٌ ليس معنياً بمعارضة العبادة ولكن في معارضة الإسلام السياسيّ. لا يتخلّى المسلمون العلمانيون عن جميع ممارساتهم الدينية في حياتهم الشخصية، ولكنهم يعترضون على مسألة فرض هذه الممارسات إكراهاً. وهم يعبّرون عن ترحيبهم بالفصل بين الدين والدولة، ولا يعتقدون أنَّ المبادئ الإسلامية يجب أن توجّه الحياة العامة والسياسية.

تقول ليلى يوسف: “بالنسبة لي، الدين شيءٌ حميم وخاص”. وتنبع رغبتها في ترويج الإسلام العلماني من تجربتها في العمل مع النساء المهاجرات المسلمات كرئيسة جمعيةٍ تخدم هذه الفئة السكانية في مقاطعة إميليا رومانيا، وهي إحدى أكبر المقاطعات الإيطالية وأكثرها ازدهاراً. وتقول لي: “تكافح النساء المهاجرات أكثر من الرجال للعثور على مكان في المجتمع الإيطالي، لأنّ الكثيرين منهنّ يبقَين في المنزل مع الأطفال ولا يتعلّمنَ اللغة أبدا”. “لقد وجدتُ من خلال تجربتي في العمل معهنّ، أنَّ النساء المهاجرات من البلدان الإسلامية، وخاصة من المغرب العربي، غالباً ما يتعرَّضن للضغوط من أجل البقاء في المنزل من قبل الأزواج الغيورين الذين يستندون إلى تفسيراتٍ صارمة لمبادئ الإسلام لتكون بمثابة ذرائع لهم”.

وتتمنّى ليلى على المسلمين والأئمة العلمانيين أن “يعملوا معاً لمواجهة هذا السلوك الذي يتمثَّل في استخدام القرآن كذريعةٍ لاضّطهاد النساء.” وتستوحي ذلك من العلماء المسلمين الأوروبيين الذين يهدفون إلى التوفيق بين المعتقد الديني والثقافة العلمانية، مثل الإمام الفرنسي التقدمي طارق أوبرو.

وتعترف ليلى إسماعيل، التي تراعي رمضان وتذهب إلى الحجّ في مكة، بأنّ بالإمكان تسمية نهجها بالإسلام “التقدميّ” أو “الليبرالي”، لكنها قالت إنّها اختارت مصطلح “علمانيّ” من أجل التأكيد على قيمة “الفصل بين الدين والدولة، التي هي أولوية الآن”.

بيدَ أنَّ الآخرين، الذين لديهم تصور مختلف حول مفهوم الإسلام العلماني، يشكّكون في الفرضية الكامنة وراء تأسيس حركة المسلمين العلمانيين. وقال لي أوليفر روي، وهو باحث فرنسي في الإسلام يدرس في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إنَّ الإسلام دين وليس ثقافة، وبالتالي فإنَّ مفهوم الإسلام العلمانيّ “لا معنى له” – سوف يكون الأمر متناقضا ًحين تُمَوِّل”جماعة دينيةً غير دينية”. يقول روي.
وعلى الرغم من أنّ البعض من غير المسلمين يخلطون ما بين المسلمين والعرب على نحو خاطئ، مما يدفعهم إلى محو التمييز بين الدين والثقافة، فإنَّ روي يُصِرُّ على أهميّة هذا التمييز. ويقول “هناك ثقافة عربية وثقافة تركية وثقافة أندونيسية وما إلى ذلك، وهذه الثقافات تأثّرت بالطبع بالإسلام”. “ولكن ليس هناك شيء من قبيل الثقافة العلمانية الإسلامية”.

إنَّ قيام الحركة على مصطلح “علماني” سيثبت هزيمة الذات، وفقاً لروي. وبدلاً من ذلك، “يجب عليها أن تستخدم المصطلحات الصحيحة وتدعو نفسها ليبرالية”، بحسب ما أضاف مشيراً إلى أنَّ العديد من الدول الغربية تعترف بالفعل بالحركة الإصلاحية اليهودية، وتسمّى أيضاً اليهودية الليبرالية – ونتيجة لذلك، فإنّ لهذه المجموعة صوتها السياسي. وكما يقول روي، إنَّ مستوى مماثلاً من الاعتراف السياسيّ بالإسلام الليبرالي سيكون بنفس القدر من الأهمية والتأثير، ما يُمَكِّنُ المسلمين التقدميين من تحقيق أهدافهم بشكل أكثر فعالية ممّا تمنحه تسميةٌ خاطئة مثل “المسلمين العلمانيين”.

ويعتقد باولو برانكا، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة القلب المقدّس/ Sacred Heartالكاثوليكية في ميلانو، أنَّ المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، مضيفاً “أنَّ العلمانية لا تعني بالضرورة بأنَّ على المرء أن يتقاطع مع المفهوم الفرنسي للعلمانية laïcité “، مشيراً إلى الفصل الصارم بين الدين والدولة، والذي يلعب دوراً هاماً في فرنسا. بدلاً من ذلك، ربما يعني كون المرء علمانياً أنّه لا ينتمي إلى رجال الدين وأنَّ حياته لا تدور حول المعايير الدينية – وهو تعريف يمكن أن ينطبق على “الأغلبية الصامتة للمسلمين” في إيطاليا وأماكن أخرى في أوروبا. “المسلمون مثل الجميع تماماً”. إنَّ معظم الإيطاليين الكاثوليك الذين يحتفلون بعيد الميلاد وعيد الفصح، لا تتركز حياتهم حول المعايير الدينية، ويمكن أن ينطبق الأمر نفسه على المسلمين في إيطاليا.

ربّما يمكن القول بأنَّ ما يميّز وضع العلمانيين الكاثوليك الإيطاليين عن المسلمين الإيطاليين العلمانيين هو أنَّ المجموعة الأولى تمثّلُ الأغلبية بين الإيطاليين، وبالتالي، هم لا يشعرون كمجتمع علماني، بالحاجة إلى تقديم أنفسهم على أساس هويتهم الدينية. أمّا المجموعة الثانية، وبوصفها أقلية، فمن المرجّح أن تشعر بأنَّ حياتها تتأثر بمواقف سياسية واجتماعية سلبية تتعلق بتراثها الدينيّ، حتى لو لم تمارس ذلك السلوك بشكل منتظم أو حتى لو أحجمت عن ممارسته على الإطلاق.

ثمَّةَ سؤال أكثر عمقاً يكمن خلف النقاش الدلاليّ (السيمانطيقي): من هي الفئة التي تتحدث باسم الدين؟
تتجاوز هذه المسألة إيطاليا: فعلى مستوى أوروبا، كما تقول رولا سكولاري، مديرة التحرير في أواسيس، وهي مؤسسة دولية تدرس العلاقات المسيحية – الإسلامية، ثمّة فجوة بين الجمعيات الإسلامية والسكان المسلمين. “يجب أن نسأل أنفسنا: من الذي تمثِّله الجمعيات الإسلامية الأوروبية؟” وذكرت سكولاري في رسالة أرسلتها بالبريد الالكتروني. “وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، على سبيل المثال، تمثِّلُ الجمعيات الإسلامية الألمانية، وفقاً لإحصائيات السلطات، 20% فقط من السكان المسلمين المحليين البالغ عددهم 4.3 مليون نسمة. ولكن ماذا عن الـــــــ 80٪ الآخرين؟ ومن المفترض أن يشمل هذا العدد كلاً من الأشخاص الذين يرتادون المساجد دون الشعور بالحاجة إلى الاعتراف الرسمي، وأولئك الذين لا يرتادونها أيضاً”.

أمّا في فرنسا، فإنَّ أقل من ثلث المسلمين “يمارسون العبادات”، كا تقول روي. وتفيد التقارير بأن 23% تقريباً كانوا يحضرون صلاة الجمعة في المساجد، وأن 40 % منهم فقط يحضرون أكثر من مرّةٍ في السنة. ويعتقد باولو برانكا أنّ الوضع مشابه في إيطاليا؛ لا توجد بيانات حول نسبة ارتياد المساجد على مستوى البلاد، ولكن وفقاً لمسح أجري في لومباردي، المقاطعة التي تحتوي أكبر عدد من السكان المسلمين، فإنَّ ما نسبته 12% فقط من المسلمين ينتمون إلى نوع من الجمعيات الإسلامية

على الرغم من أنَّ الأرقام الواردة من فرنسا وألمانيا تشير إلى أنَّ المسلمين العلمانيين قد يشكّلون “أغلبيةً صامتة” في العديد من الدول الأوروبية، فإن هذه المناقشة حول الهوية تُعتَبَر مُلِحَّةً بشكل خاص بالنسبة إلى الإيطاليين، وقد يساعد ذلك على تفسير سبب بلورةِ هذا التيار في حركةٍ إيطالية المنشأ على وجه التحديد. وتجعل حقيقة أنَّ الإسلام ما زال بدون وضعٍ قانوني في البلاد، وأنّ الدستور ينصُّ على تنظيمٍ صارم للجماعات الدينية؛ من مسألة حصول المسلمين العلمانيين على مقعدٍ على طاولة المفاوضات الجارية الآن للاعتراف بالإسلام مسألةً أولويّة. على سبيل المثال، تلقَّت الديانة اليهودية الاعتراف الرسمي في عام 1987، ولكن لأنّ اليهود المتشدّدين كانوا وحدهم ممثَّلين في المفاوضات في ذلك الوقت، فإنَّ الإصلاحيين اليهود ليس لديهم حضورٌ رسميّ اليوم؛ كما أنّ زواجهم لا يحظى بالاعتراف.

وكما قالت ليلى إسماعيل، فإنَّ المسلمين العلمانيين يميلون إلى الالتزام بالتنوع، وأنَّ إشراكهم في مجالس المساجد والجمعيات الإسلامية سيسمح لهم بالدفاع عن مصالح النساء والمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والأقليات الدينية مثل الجماعات الشيعية والصوفية التي جرى تهميشها تقليدياً من قبل الإسلام المحافظ. وتقول عالِمةُ الأنثروبولوجيا التي سبق لها وأن اشتبكت في الماضي مع زعماء مسلمين إيطاليين محافظين: “في الوقت الراهن، كثيراً ما يقال بأنَّ بعض المسلمين سيفقدون إيمانهم بسبب ميولهم الجنسية، يجب الكفُّ عن ترديد ذلك.”

غيرَ أنَّ البعض الآخر يشكّك في أنَّ حركة المسلمين العلمانيين سوف تؤثّر في التغيير كما يتصوّر قادتها. ويقول برانكا إنّه حتى لو كان المسلمون المحافظون يشكِّلون الأقلية، فإنّه من الصعب منعهم من الحصول على مساحة رأي أكبر في المساجد، حيث تميل الأقلية الأكثر التزاماً إلى أن تكون أكثر نشاطاً، لأنَّ ذلك ما يحدث عادةً مع الجمعيات الدينية”.

عندئذٍ، وما وراء الجدل السيمانطيقيّ، يكمن سؤالٌ أعمق: من الذي ينطق باسم الدين؟ المتشدّدون، لأنّهم الأكثر التزاماً وأحيانا الأكثر قابليّةً للاستثمار النّشِط؟ أم العلمانيّون، لأنهم يمكن أن يكونوا الأكثر عدداً؟ في أوروبا، حيث يتأثر الأشخاص العلمانيون من خلفياتٍ مُسلِمة بالمواقف السياسية والاجتماعية تجاه الإسلام؛ فإنّ أسئلة من هذا القبيل هي قيد التداول حاليّاً.

 

رابط المادة الأصلي: هنا

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]